تزداد الأسباب الوجيهة في العالم يومًا بعد يوم لقبول حرية المعلومات كحق أساسي من حقوق الإنسان، وآلية لتعزيز الديمقراطية عبر انفتاح الحكومة وتبني معايير الشفافية التي تتيح للأفراد المشاركة الفاعلة في عملية صنع القرارات التي تؤثر بهم، فضلًا عن حقهم بمراقبة المسؤولين كأداة لتحفيز الإصلاح، والانخراط في نقاش عام مفتوح يتعلق بأعمال الحكومة، ليكونوا قادرين على تقييم أدائها؛ وهذا يعتمد بالدرجة الأساس على الحصول على المعلومات التي تعتبر أوكسجين الديمقراطية. فالدول التي تتوق ألى الديمقراطية، أما تبنت قوانين حرية المعلومات أو هي في خضم عملية الإعداد لذلك.
لم يتبنى دستور العراق للعام 2005 النص على حق الحصول في المعلومة في باب الحقوق والحريات
طوال العشرين سنة الماضية، كان هناك نمو جذري في الاعتراف الرسمي بحق حرية المعلومات، كما أنّ العديد من الجهات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وكافة الأنظمة الإقليمية الثلاث المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، قد اعترفت بالأهمية الأساسية لهذا الحق. وهنالك أكثر من تسعين دولة لديها قوانين حرية الوصول إلى المعلومات، مع أنّ الغالبية قد أُقرت فقط منذ عام 2000. وقد اعترفت منظمة الأمم المتحدة بحرية المعلومات على أنها حق أساسي في وقت مبكر ، ففي عام 1946 تبنت الجمعية العمومية في المنظمة القرار المرقم (1/59) الذي نص على: (أن حرية الوصول إلى المعلومات حق إنساني أساسي).
أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، وهو البيان الأكثر أهمية فيما يتعلق بحقوق الإنسان الدولية فقد نص على هذا الحق في المادة (19) حيث قال: (يتمتع الجميع بحق الحرية والتعبير ويشتمل هذا الحق على حرية الاحتفاظ بالآراء دون أي تدخل وبحث وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من خلال أي وسيلة إعلام بغض النظر عن الحدود). كما تبنى الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية 1966 حق حرية الرأي والتعبير ضمن الشروط المشابهة التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبعد هذا التأصيل التاريخي المقتضب نطل بنظرة سريعة على أسباب توجه الدول إلى سن هكذا قوانين، فيلاحظ أنّ الأسباب أما تكون عن تحول ديمقراطي، أو بسبب تغيير النظام، أو التحريض الشعبي لحكومة أكثر انفتاحًا، أو تمرر هذه الدول هكذا قانون تلبية للمساعدات الدولية أو لطلبها الانظمام إلى الاتحادات الدولية.
تكمن أهمية حرية المعلومات في كونها أداةً رئيسة في مكافحة الفساد والأخطاء التي تقع فيها الحكومة، إذ بوسع الصحفيين والمنظمات غير الحكومية وكل المعنيين استخدام حق الحصول على المعلومات لكشف الأخطاء والمساعدة في اجتثاثها، ومعرفة ما تفعله الحكومة بالنيابة عن الجمهور، والذي بدونه ستضعف الحقيقة وستبقى مشاركة الناس في الحكومة مجزئة. كما يعتبر تسهيل الحصول على المعلومات التزامًا إيجابيًا على الحكومة من منطلق أن واجب الحكومة هو خدمة الناس.
ينطوي مصطلح (حرية المعلومات) على معنيين أساسيين، أولهما: هو حق الحصول على المعلومات والسجلات العامة والخاصة التي تحتفظ بها الجهات الرسمية في الدولة، والمؤسسات التي تمولها بشكل مباشر أو غير مباشر، والجهات التي تضطلع بتنفيذ مهام عامة. وثانيهما: هو التزام الجهات الرسمية بنشر المعلومات الرئيسة حتى في حالة عدم الطلب كما في المعلومات المتعلقة بكيفية سير عملها، وسياساتها، وكيفية التقدم بطلب الوصول إلى المعلومات، وهنالك من يضيف التزام آخر وهو التزام الحكومة بتسيهل الاطلاع على المعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، والمعلومات المتعلقة بالإساءات التي وقعت في الماضي لكي يتم معالجتها والمضي قدمًا بها.
بقي أن نعرف إنّ نطاق تطبيق هذا القانون في الدول التي أخذت به والدول التي في طور إعداده، فبعضها يقصر نطاق تطبيقه على السلطة الإدارية (التنفيذية) مستثنيًا السلطة التشريعية والقضائية والجهات الرسمية الأخرى، وهنالك من يتوسع في نطاق تطبيقه فيشمل جميع السلطات في الدولة، انطلاقًا من الاعتقاد بأنّ مبدأ الشفافية هو الذي يجب أن يسود، وأن التكتم هو الاستثناء، حيث لا يبرر، إلا عندما تستدعي أقصى متطلبات المصلحة العامة ذلك، إذ أنّ الكشف يخدم أيضًا جانبًا هامًا من المصلحة العامة وفقًا لما أقرته المحكمة العليا في الهند برأيها الاستشاري 1982.
وينبغي التنويه أن الكلام في هذا المقال ينحصر في حق الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية وشبه الرسمية ولا يشمل حرية المعلومات من المصادر الخاصة غير الرسمية التي تقتضيها قواعد العمل الصحفي.سكوت الدستور عن تنظيم حق الحصول على المعلومة لا يعني المنع
في العراق ، لم يتبنى دستور عام 2005 النص على هذا الحق في باب الحقوق والحريات، إنما أشار في المادة (38) منه إلى حرية التعبير عن الرأي، وكما هو واضح يختلف هذا الحق عن حرية المعلومات والوصول إليها، ولكن هذا لا يعني أن الجهات الرسمية لا تنشر بعض المعلومات المتعلقة بأعمالها أعمالًا للنصوص الخاصة التي تتطلب النشر، ولكن هنالك ضبابية في تعريف المعلومات التي يُسمح بنشرها والكشف عنها، وبين الاستثناءات التي تقتضي السرية، أي لا يوجد أي حصر للاستثناءات التي يمنع الحصول عليها، بالتالي تُعَوُم هذه الاستثناءات دون ضابط على حساب حرية المعلومات. إن سكوت الدستور عن تنظيم هذا الحق لا يعني المنع، فالأصل في الأشياء الإباحة، وبالتالي يجوز تقنين هذا الحق بالاعتماد على تشريعات المقارنة وخبراء القانون انطلاقًا من الحاجة الماسة إليه الآن، كونه يعتبر ركيزة من ركائز النظام الديمقراطي والتزامًا بالعهود والمواثيق الدولية التي يعتبر العراق جزءًا منها وتقع على عاتقه تنفيذ هذه الالتزامات. فالمجتمع الذي لا يملك قدرًا جيدًا من الاطلاع ليس مجتمعا حرًا.