21-نوفمبر-2019

في كل حرب بين إيران وأمريكا يكون العراق ساحة للتصفية (Getty)

أثارت قضية ملفات الاستخبارات الإيرانية المُسربة لغطًا بين أوساط الرأي العام، كون الملفات تفضح دور إيران "الخفي" وتكشف تدخلها في الشأن الداخلي العراقي، موضحةً الدور المحوري الذي يلعبه قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في صياغات القرارات التي تتخذها بغداد.

يمكنك التأكد من أبسط بائع سجائر في العراق عن الدور الإيراني ومدى تدخله، فسيسرد لك، ربما، عشرات الصفحات، لا تختلف عن تقرير نيويورك  تايمز 

 وقد تم تسريب هذه الملفات "السرية" بواسطة صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. أكدت الصحيفة على الدور الذي تلعبه الاستخبارات الإيرانية في تجنيد شبكة جواسيس وزرعهم في مؤسسات سياسية واقتصادية  ودينية، وأشارت الصحيفة إلى الدور المحوري الذي يلعبه سليماني في تعزيز نفوذ طهران داخل العراق.

اقرأ/ي أيضًا: إيران و"فوبيا" العراق

وتذكر الصحيفة إن هذه الوثائق تمت ترجمتها لتصل إلى 700 صفحة، وتضم مئات التقارير والمراسلات من قبل ضباط الاستخبارات الإيرانية فيما يتعلق بالشأن العراقي وكيفية الوصول إلى مخبرين سريين، سواء كانوا مجندين للولايات المتحدة قبل خروجها عام 2011 أو مخبرين جدد تشرف عليهم المخابرات الإيرانية. خلاصة هذا التقرير المطول، يحكي قصة النفوذ الإيراني بعد سقوط البعث، وبالأخص بعد جلاء الأمريكان عام 2011.

يتساءل المرء حيال هذا التقرير، الذي أخذ مساحة واسعة، وبالخصوص على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لو أن العراقيين نزلت عليهم صاعقة من السماء، أو كأنما صدام حسين بُعث إلى الحياة من جديد!

إذ يمكنك التأكد من أبسط بائع سجائر في العراق عن الدور الإيراني ومدى تدخله في الشأن الداخلي العراقي، فسيسرد لك، ربما، عشرات الصفحات، لا تختلف عن التقرير أعلاه، سوى بعدد الأسماء.

إن العلاقات الإيرانية العراقية لا تنطوي على هذه السرّية المزعومة؛ فالأحزاب العراقية الموالية لإيران تجاهر علنًا بعلاقاتها المتينة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نظرًا للقرب المذهبي من جهة، ولوجود الكثير من وجوه العملية السياسية في إيران سابقًا، بل إن البعض منهم ساهموا مساهمة فعّالة في الحرب العراقية الإيرانية عبر انخراطهم في القتال مع إيران لأغراض عقائدية معروفة.

لا تنطوي العلاقات الإيرانية العراقية على هذه السرّية المزعومة؛ فالأحزاب العراقية الموالية لإيران تجاهر علنًا بعلاقاتها المتينة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية

والكثير من الساسة الشيعة ينطلقون من حقيقة مفادها: إن العقيدة تبرر أي عملية انصهار بين البلدين؛ فتداخل الحدود ونشاط الفعاليات الاستخبارية، يغدو مبررًا ما دام يجري بالضد من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتوقف الأمر على هذا التداخل، بل هددت بعض الفصائل العراقية المسلحة الولايات المتحدة فيما لو تجرأت بضرب إيران، فسترد هذه الفصائل من داخل الأرض العراقية.

اقرأ/ي أيضًا: نظرة إيران إلى احتجاجات تشرين.. عداء لشيعة العراق

وأذكر لقاءً للقيادي البارز في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، حينما سأله أحد الصحفيين الأجانب عن علاقته بإيران، فابتسم المهندس عن هذا السؤال الغريب، ووضح للصحفي أن علاقاته أبعد مما يتصور وعلى كل المستويات، انطلاقًا من حقيقة مؤداها: هل يحق للآخرين عقد صداقات مع الأمريكان متى ما أرادوا ولا يحق لنا ذلك؟ بل أكثر من ذلك، ألا يحق لنا استخدام السلاح الإيراني بعد أن باعتنا أمريكا لـ"داعش" وسحبت سلاحها من المشاجب؟

بهذا المنطق يمكنك معرفة الكثير من بعض السياسات المكشوفة للعلاقات الإيرانية العراقية، ووضوحها وعلانيتها بين أوساط الرأي العام العراقي. بل يمكنك أن تستشف من هذا المنطق قصة الاستلاب والتمزق الذي يعيشه العراقي وليس حرب الوثائق بآخر حروبه بالنيابة!

كل هذا مفهوم، لكن من غير المفهوم، حتى هذه اللحظة، الدور الرئيسي الذي لعبته أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأمريكية وباقي الدول المجاورة، كالأردن والسعودية والإمارات وتركيا، ومن هي الجهات السياسية المتورطة مع هذه الأجهزة المشبوهة، وكم عدد الجواسيس المجنّدين لها، ومن كان يمول الحركات التكفيرية في العراق. من هو مهندس الحرب الأهلية في العراق، ومن خطط لاغتيال النخب العلمية والأكاديمية وتصفيتهم بالمسدس الكاتم.

وبما أننا مقبلون على حرب ملفات كما يبدو، فمن الضروري الكشف عن الدور التخريبي الذي قامت به هذه الدول وأجهزتها الاستخبارية، لتكتمل حرب الملفات على أصولها!، ولكي نصدق جدية الأمريكان، لا أن تجعل من العراقيين عبارة عن مشجعين حماسيين وتستثمرهم لاستعداء جهة على حساب أخرى.

أما ما نشاهده من هذا الحنين المفاجئ، حسب تعبير الروائي حمزة الحسن، من البيت الأبيض على العراقيين، فبالتأكيد أنهم يمزحون معنا! لقد تفجّر هذا الحنين فجأة على الأمريكان ليعلنوا معاقبة كل سياسي ثبت تورطه بقضايا الفساد. كما لو أن هؤلاء اللصوص، يكمل حمزة الحسن، الذين جمعوهم من شوارع الغرب ليسوا صناعة أمريكية.

 ربما ستكون حرب ملفات قادمة بين إيران وأمريكا، وبالتأكيد ستكون ساحة التصفيات على أرض العراق، وسيكون للجاليات والمشجعين دور محوري للمناكدة فيما بينهم

كل وكلاء الولايات المتحدة، يضيف الحسن، في أمريكا اللاتينية، وفي فيتنام، وأيام الحرب في اندونيسيا وسريلانكا، وتايلند والعالم العربي، هم من سقط المتاع. كل الدول التي خضعت للسيطرة الأمريكية، يكتب الحسن، يكون الاختيار على حثالات وتافهين ومأجورين، من قرضاي الحشاش الأفغاني، إلى الجنرال رافاييل تريخو الدومينكاني. لقد تسبب هذا الديكتاتور بقتل الآلاف من شعبه، غير أنه يبقى المفضل أمريكيًا.

اقرأ/ي أيضًا: هل أهدر خامنئي دماء المتظاهرين العراقيين.. كيف سيرد السيستاني؟!

ولا ننس أناستاسيو سوموزا دكتاتور نيكاراغوا، فقد ظلت واشنطن داعمة لهذا الدكتاتور على طول الخط، ولم تلتفت إلى حجم الجرائم الإرهابية  التي ارتكبها بحق شعبه. وقد انتقمت من الرئيس أورتيغا الذي أطاح بسوموزا، دكتاتور أمريكا المفضل؛ فحينما انتخب دانييل أورتيغا رئيسًا للبلاد، مولت الاستخبارات الأمريكية، في حقبة ريغان، عصابات الكونترا لإشاعة الإرهاب وتخريب البلد وتحطيم مؤسساته، كما حصل في العراق.

 ربما ستكون حرب ملفات قادمة بين إيران وأمريكا، وبالتأكيد ستكون ساحة التصفيات على أرض العراق، ومن المؤكد كذلك، سيكون للجاليات والمشجعين دور محوري للمناكدة فيما بينهم: طرف يميل إلى إيران ويخون الآخرين، وطرف يميل إلى أمريكا ويستغبي الآخرين لأنهم ليسوا من فصيلته.

أما نحن العراقيين، فلدينا من الملفات التاريخية المؤلمة، التي لا تنسى، توثق قصة بلد استباحته أمريكا وغضت الطرف، عمدًا، عن التدخلات الإيرانية المستمرة، وتركتنا فرجة للعالمين. بالإضافة إلى السعودية للجماعات الإرهابية، وعمليات الذبح التي تعرض لها العراقيون، واختراق السيادة العراقية من قبل الأتراك، ووقوف الصهاينة وتأييدهم لمحاولة انفصال كردستان عن العراق. نحن العراقيين فقط من نحدد من هو عدونا ومن هو صديقنا، وشباب تشرين علمونا الدرس في معنى السيادة الوطنية. فحرب الملفات القادمة تخصكم ولا تخصنا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ساحات الاحتجاج.. خطاب العوائق التاريخية

رعب "السيارة السوداء".. من يختطف الناشطين المتظاهرين ويغيبهم؟!