يبدو أن الصدر وفقًا لتحولاته الأخيرة يؤسس لمعسكر (عقائدي - سياسي) لا يختلف عن التحالف الوطني أو ماكان يسمى "البيت الشيعي"، إلا من حيث الرمزية المفصلة على مزاجه بإطار صدري يرغب به، وبما يتواءم مع تطلعاته السياسية التي تتناسق مع حجم نفوذه على الأرض. يجمع القطع المتناثرة ليعيد بناء الصنم المفتت حتى لو كان مشوهًا لمن ينظر إليه. المهم أن يبقى شاخصًا للمواجهة وباسمه هذه المرة، كما لو أن الموضوع نزالًا للمصارعة لإثبات الوجود.
صار الصدر مؤخرًا هو اليد الضاربة لتحقيق أحلام إيران والحلفاء معها بإنهاء انتفاضة تشرين
إن هذا التأسيس سيعيد مأساة الماضي الذي تشكلت على أساسه العملية السياسية، تحالفات وبيوتات وثكنات طائفية تُعيد الخطاب التقليدي من جديد لتكديس البضاعة لبيعها مجددًا للناخب في بازار الانتخابات، بينما هو كان المعارض دائمًا لهذا التأطير الطائفي الذي تعتمده العملية السياسية للتحاصص.
اقرأ/ي أيضًا :الصدر وانتفاضة تشرين.. من عثر على الآخر؟
في الواقع هو عملية ابتلاع سياسي بسياق عقائدي يؤطر ذلك مصحوبًا بتغريدات تلامس وجدان الجمهور، تقلبات الصدر سياسية تتناغم مع طبيعة الاطمئنان للقاعدة التي تبرر دائمًا، فلماذا يحتاج لإعادة النظر مثلًا؟! مؤخرًا كان يدًا ضاربة لتحقيق أحلام إيران وحلفاءها بإنهاء كابوس تشرين، والحديث هنا ليس اتهامًا بقدر ماهو تحليل سياسي مبني على معطيات، فمهما كان الصدر مختلفًا معهم سياسيًا بالنهاية، سيلتقي عند الثابت العقائدي المرتبط بأدبيات الطائفة والدين بشكل عام.
في هذا السياق تجدر الإشارة إلى طبيعة الخطاب الذي تبناه الصدر في السنوات التي تلت دخوله العمل السياسي الذي يقترب من سياق الدولة والمؤسسات بعيدًا عن لغة الطائفة والعسكر، وهذا ما شكل فارقًا كبيرًا في المتبنيات الفكرية كتيار يُحسب على المعسكر الراديكالي، وهذه التحولات وضعته أمام مشرط النقد كزعيم سياسي لا ديني، وبطبيعة الحال لا بدّ من إدراك الصدريين أنهم بمواجهة أسئلة كبيرة ومحرجة عن حقيقة هذه الانقلابات في المواقف تجاه الساحات المنتفضة، وخصوصًا بما يتعلق بالتناقضات الصريحة بين الدعوة إلى عدم تسييس التظاهرات وفرض إرادته عليها وتوجيهها وفقًا لقناعاته، فمساره الحالي لا يُفسر إلا بكونه يبني لكيان ديني متسلط لا يمكن أن يدخل في سياق مفهوم الدولة.
العمل على إعادة الثقة يحتاج لوقت ليس بالقليل لإثبات حسن النية وإرسال التطمينات للمتظاهرين على أن الصدر لا يسعى لخطف الاحتجاج بداع الانحراف عن مسارها، وهذا لن يحصل إلا بالمكاشفات الواضحة على ما جرى في النجف والتحرير وغيرها، اجتماع في خيمة وخلع القبعات لا يفي بالغرض، ولا حتى ولائم الغداء، فالدم العراقي لا بد أن يكون هو المقدس قبل كل شيء و"التوثية" لاتمحو أثرها تغريدة.
عمومًا، بين الرغبات والأفكار يتلاشى الواقع المعقد لطبيعة تكليف كابينة علاوي الوزارية، ومطالب الساحات وغياب الجدية في فهم الأزمة الحالية لن يُنتج إلا المزيد من التشتت، إذ أن التكليف لا يختلف عن نسخة تكليف عبد المهدي الذي تبرأ منه الجميع هروبًا من الفضيحة مما يعطي انطباعًا عن مستقبل هذه الحكومة المؤقتة، ستبقى مطالب المحتجين حروف على ورق ما لم يؤسس لتشكيل جماهيري ضاغط يساعد الى حد ما بحفظ ماتم انجازه لانتفاضة تشرين.
اقرأ/ي أيضًا: