موظفو "الأجور اليومية"، حشود شبابية تعمل في دوائر الدولة، منها وزارة الكهرباء التي تضم آلاف العاملين بهذه الصفة. بدأوا بالعمل في الوزارة عام 2004 حين كان التشغيل من صلاحيات مديري الفروع والأقسام حتى عام 2013، ويتوزع الموظفون إلى مهندسين وملاحظين فنيين وسائقين وأمناء مخازن وغيرهم، وجميعهم يعملون بصفة الأجر اليومي منذ أن كانت الوزارة تُموّل مركزيًا وليس ذاتيًا، وقبل أن تتحول في عام 2018 من مديريات إلى شركات.
تُعتبر مهنة العاملين في مجال الكهرباء من المهن الخطرة، إذ بلغ عدد المتوفين أثناء العمل نحو 220 شخصًا. وفوق ذلك، فأنه بعد وفاة العامل، يُكتب تقرير بالحالة لا يُمنح حتى "مكافئة الموتى"
على خلفية تظاهرات مستمرة، أصدر رئيس الوزراء كتابًا يمثّل المنطقة الجنوبية بتحويل موظفي الأجور إلى موظفين بصفة "عقود". وبحسب المعنيين بهذا العمل، باشرت الشركات، كل من: توزيع الوسط وإنتاج الوسط وتوزيع الشمال وإنتاج الشمال وتوزيع الفرات الأعلى ومديرية نقل الفرات الأوسط، بنقل موظفي الأجور إلى عقود، عدا مديريات المنطقة الجنوبية، وحصرًا مديرية توزيع المنطقة الجنوبية التي تحولت لاحقًا إلى شركة توزيع المنطقة الجنوبية.
مهنة خطرة ووعود كاذبة
تُعتبر مهنة العاملين في مجال الكهرباء من المهن الخطرة، إذ بلغ عدد المتوفين أثناء العمل نحو 220 شخصًا. وفوق ذلك، فأنه بعد وفاة العامل أثناء أداء الواجب، يُكتب تقرير بالحالة، ولا يُمنح حتى "مكافأة الموتى"، بحسب عاملين في هذا المجال، الذين أكدوا أنهم يجمعون من رواتبهم مبلغًا لعائلة المتوفى ويُقدمونه لهم أثناء التعزية. وبحسب ما أبلغوا به "ألترا عراق"، فأن "إجراءات وتعليمات السلامة غير متوفرة فيما يخص العاملين بالأجر اليومي، وكذلك الرقابة من اللجان النيابية المختصة في هذا المجال، كلجنة الطاقة النيابية، التي لا تكلف نفسها حتى بفتح تحقيق بحوادث الموت".
اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في العراق.. اسأل الكهرباء
في عام 2010، أصدر وزير الكهرباء الأسبق كريم وحيد كتابًا إلى مجلس النواب يقضي بتحويل العاملين بصفة أجور وعقود إلى الملاك الدائم، وبقي عامًا كاملًا للتباحث، بسبب عدم وجود تخصيص من الموازنة. واستمرت الوعود إلى عام 2013، إذ كان العاملون موعودين بالتثبيت. إذ أن أغلب العاملين بصفة أجور، بحسب رئيس لجنة العقود المركزية في وزارة الكهرباء "هم حرفيون وفنيون يمتلكون مهارة كبيرة، ويديرون 400 محطة في الجنوب، قيمة المحطة الواحدة تبلغ 5 مليارات دينار".
وبحسب كتاب صادر من وزير الكهرباء في 30 حزيران/يونيو 2019 فأن عدد العاملين بالأجر اليومي بلغ 8743 أجيرًا من المستمرين بالعمل، وقد تم تحويلهم إلى عقود، وعلى أساس "القِدَم" لكل المحافظات.
صفقة تقصي "الأجور"
خابت آمال العاملين المعقودة على موازنة 2019 بعد وعود كثيرة بتخصيص درجات لهم في هذه الموازنة لتثبيتهم على الملاك الدائم للوزارة، من بينها وعود انتخابية قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجرى تحويلهم إلى عقود بدلًا من تثبيتهم على الملاك، بحسب الكتاب أعلاه. يقول رئيس اللجنة: "حصل اتفاق بين رئيس البرلمان، وكتل سياسية أبرزها الفتح وسائرون، بأن يتم تعويض أبناء المناطق المحررة، فحذفت على إثر ذلك كلمة الأجور من الموازنة، واُستبدل العاملون بصفة الأجور بعناصر الصحوات، وأصبح التثبيت على الملاك الدائم فقط للعقود".
يُشير الأسدي إلى أن العديد من العاملين بصفة أجور يومية "لم يكتسبوا صفة (العقود) حتى صدور قرار العام 2019 كتعويضٍ لهم عن إقصائهم من التثبيت، رغم أن قانون العمل رقم 37 لعام 2015 يقضي بأن العامل بالأجر اليومي يصبح بعد سنة متعاقدًا مع الجهة المعنية". ومع ذلك، فأن "رئيس البرلمان والفتح وسائرون اتفقوا على تخصيص نحو 33 ألف درجة وظيفية لوزارة الكهرباء في موازنة عام 2019، وحذفوا (الأجور) لكي لا يُنافسوا الصحوات". ويمضي بالقول: "لدينا كتب رسمية، والوزارة لا تنكر ذلك. بعض المثبتين الجُدد من ضمن الـ33 ألف درجة لا تزيد خدمتهم عن 6 أشهر، فيما أقل خدمة بالنسبة لعامل في الأجور هي 5 سنوات".
وبحسب الأمر الوزاري الصادر في نيسان 2018، والذي حصلت عليه "ألترا عراق"، والذي يقضي بإعادة العقود والأجور اليومية على الموازنة الاستثمارية إلى الموازنة التشغيلية، فأن العدد الكلي للعقود والأجور في العراق يبلغ 23531 موظفًا. لكن الدرجات الوظيفية التي خصصها "اتفاق الحلبوسي مع الفتح وسائرون" بلغ 33 ألفًا، أي بزيادة 10 آلاف درجة وظيفية فوق المطلوب. ومع إقصاء موظفي الأجور، وتثبيت العقود فقط، أصبح الفارق 18 ألف درجة وظيفية، لا يعرف أحد مصيرها، ولمن ذهبت.
ومن الجدير بالذكر أن عدد عناصر الصحوات الذين حلّوا بدلًا من الأجور هو 8 آلاف، وهو مقارب إلى حد كبير مع عدد موظفي الأجور اليومية الذين تم إقصاؤهم من موازنة عام 2019.
تظاهرات ومماطلات مستمرة
نظّمت لجنة العقود المركزية في وزارة الكهرباء العديد من التظاهرات في المحافظات الجنوبية، وأمام شركة نقل الطاقة. وقد تشكلت هذه اللجنة المركزية من اللجان الفرعية في عدد من المحافظات، من نينوى حتى البصرة، بسبب عدم وجود "نقابة"، بعد إلغاء حسين الشهرستاني النقابات الخاصة بالكهرباء. وتم ذلك بواسطة انتخاب داخلي.
الدرجات الوظيفية التي خصصها "اتفاق الحلبوسي مع الفتح وسائرون" بلغ 33 ألفًا. ومع إقصاء موظفي الأجور، وتثبيت العقود فقط، أصبح الفارق 18 ألف درجة وظيفية، لا يعرف أحد مصيرها، ولمن ذهبت
كما شكّل وزير الكهرباء لجنة برئاسة وائل الأسدي، لكن الأخير يقول إنه "أخبر وزير الكهرباء بأن اللجنة لا تُغني ولا تسمن من جوع، وهو مؤتمن على مطالب زملائه". ويبلغ عدد الأجور الذين تحولوا إلى عقود نحو 4700 من قرابة 8800 لديهم خدمة طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: وزير الكهرباء: " الدگات العشائرية" ستحرم الشباب من آلاف الوظائف!
يقول الأسدي إن "المسؤولين هربوا في صيف العام الماضي عشية التظاهرات، ومن ثبت في العمل هو قطاع الكهرباء. ومن أسباب عدم تكرار تلك التظاهرات في العام الحالي هو أن البصرة تُجهز الكهرباء بنحو 23 ساعة في اليوم، وهي أعلى محافظة من حيث التجهيز، وأعلى من إقليم كردستان، بفضل هذه الأيدي العاملة التي ترفض الحكومة تثبيتها على الملاك".
بدأ حراك الأجور اليومية مجددًا بعد فقدانهم فرصة التثبيت على موازنة 2019، وأخيرًا، في 22 أيلول/سبتمبر 2019، نظّم أصحاب الأجور اليومية في دوائر كهرباء البصرة، تظاهرة احتجاجية تطالب بتثبيتهم على الملاك الدائم، وأشار متظاهرون إلى "مماطلة" من وزارة الكهرباء بتحويلهم إلى عقود أو تثبيتهم على الملاك الدائم.
وقدمّت اللجنة طلبًا إلى رئيس تحالف سائرون في البصرة، وقد جمع 54 توقيعًا، وهمّش عليها الحلبوسي إلى اللجنة المالية على أن تتكفل بالموضوع، دون نتائج تُذكر، بحسب العاملين.
والتقت لجنة العقود برئيس الوزراء ونائب رئيس البرلمان حسن الكعبي ولجنة الطاقة، والأمين العام لرئاسة الوزراء أربع مرات ـ وهو لم يُبدِ تعاونًا بحسب الأسدي ـ الذي قال إن المسؤولين "بدأوا يتنصلون من تثبيتنا على موازنة 2020".
الحكومة تتحجج والقادم أخطر
بعد أن أقصى الاتفاق السياسي العاملين بالأجر اليومي من التثبيت في موازنة 2019، واستبدلهم بالصحوات، شرع العاملون بصفحة جديدة قد تحمل تطورًا لحراكهم. يقول رئيس لجنة العقود المركزية في وزارة الكهرباء إن "الخطوة القادمة تصعيدية وخطيرة، والحكومة لا تعي معنى أن نعمل إضرابًا داخل محطات تنقل وتجهز الكهرباء من المنصات النفطية الناقلة للنفط".
رئيس لجنة العقود المركزية في الكهرباء: الخطوة القادمة تصعيدية وخطيرة، والحكومة لا تعي معنى أن نعمل إضرابًا داخل محطات تنقل وتجهز الكهرباء من المنصات النفطية الناقلة للنفط
وفي البصرة، تُجهز موانئ النفط العامة والفرعية: ميناء العمية، والعميق، وأبو فلوس، والبكر، بكهرباء "الخط الحرج" و "الخط الثالث"، وجُل محطاتها ومشغليها هم من أصحاب العقود.
يقول الأسدي إن "الإضراب قادمٌ، وعليهم أن يتخيلوا كم سيخسر العراق في اليوم الواحد إذا ما قُطعت الكهرباء وانقطع معها تصدير النفط من محافظة البصرة". ويُكمل: "على الحكومة أن تُنفذ المطالب، والتي هي حقوق مسلوبة منذ 14 عامًا".
اقرأ/ي أيضًا: "آلاف الوظائف" تضيع بين تأخير البرلمان وعدم التزام عبد المهدي!
ويرى أن "الحكومة تتحجج بأنها ماضية باتجاه دعم القطاع الخاص، ولكن حراكًا سياسيًا من رئيس البرلمان وبعض الكتل أضاف 46 ألف درجة وظيفية على موازنة 2019 بجرة قلم لإعادة المفصولين والمفسوخة عقودهم".
في سياق التهديد بالإضراب، يقول مصدر من داخل المنظمين له إن "الكهرباء التي تغذي المنصات النفطية بخطرٍ حقيقيٍ في الأيام المُقبلة، إذاما تم الإعلان عن إضراب لساعة واحدة"، ويُضيف: "اتصل بنا الوزير وبعض المسؤولين، لكن اتصالهم (باهت)، وقد وعدنا مجلس محافظة البصرة خيرًا، لكن الحكومة هي من تكتب الموازنة، والأمين العام لمجلس الوزراء متعنّت ولا يرغب بمساعدة أبناء جلدته". ويُشير إلى أن "الصوت المدوي لم يصل بعد إلى الحكومة، ورئيسها لا يشعر بخطورة الوضع حتى تنطفئ الكهرباء ويقف النفط".
يتابع: "لا نريد أن تسقط دماء، لكن الوضع الأمني في البصرة يجعلني على ثقة بأن القوات الأمنية ستستخدم الرصاص الحي، وقد هددتنا في تظاهرة 22 أيلول/سبتمبر. أتمنى أن يكون هناك حلٌ في الأيام المقبلة، التي ستكون صعبة".
اقرأ/ي أيضًا:
الآلاف في الشوارع: "ثورات" أججها عبد المهدي بوجه حكومته.. كيف سيواجهها؟
الخريجون يعتصمون أمام "وزارة العوائل".. الاختصاص في مواجهة المحاصصة!