تبيّن منذ انطلاقة انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر وإلى اليوم، أننا نمر بإرهاصات مرحلة جديدة، عقب خيبات وويلات طويلة. إنها حقبة فريدة بكل حيثياتها، ظهرت من ركام اليأس الجاثم على صدور الشباب.
لقد فاجأ الشباب العراقي مجتمعه والعالم، كما فاجأنا أصحاب "التكتك" بموقفهم المشرف في الانتفاضة، وكلاهما لم يلتفت إليه أحدًا من المسؤولين أو الفاعلين بالمجتمع
كان جيوش البطالة، والخريجون، والمبعدون من المشهد السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي (المشهد العام ككل). هذا التهميش العمد ليس من قبل السلطة الحاكمة فقط، وإنما من فاعلين دينيين، وآخرين مثقفين جزء من السلطة بكل عيوبها، فصارت فجوة عميقة بين هذا الجيل وأصحاب وصناع القرار. هؤلاء المستقلون والحالمون بوطن يحبهم ويحبونه، قد مزقهم الإحباط والألم، وأصبحوا هدفًا للتسقيط والتنكيل بعد ازدياد معدلات متعاطي المخدرات والمنتحرين والمهاجرين والمنتشرين في "كافيهات" بغداد والمحافظات ممن لم يجدوا أي فرصة عمل، ولكن قد بدا كل شيء مختلفًا منذ انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر، كما لو أننا كنا تحت تأثير كابوس مرعب لمدة طويلة من الزمن.
اقرأ/ي أيضًا: "الأنا الوطنية" التي صنعها هذا الجيل
لقد فاجأ الشباب العراقي مجتمعه والعالم، كما فاجأنا أصحاب "التكتك" بموقفهم المشرف، وكلاهما لم يلتفت إليه أحدًا من المسؤولين، وإن حدث وتم تسليط الضوء عليهم، فسيكون ذلك باعتبارهم مشكلة اجتماعية، من قبل "المختصين"، ومنحرفين بعين "رجال الدين"، وهكذا يجري تسطيح المسألة، وإحالتها إلى ملفات الشرطة والأمن لتخليص "شرهم" من المجتمع!
والفرق الوحيد بينهما أن أصحاب "التكتك" في غالبيتهم، لا يحملون شهادات جامعية، بعكس الشباب الجامعي، ولكن -والحق يقال- أن السلطة تتذكرهم وقت الحروب، والأزمات لتزج بهم في المقدمة، كأرقام في عداد ضحايا وشهداء الوطن، ليتاجروا بهم في كل مناسبة كالانتصار على "داعش" مثلًا.
وقد شاهدنا في الأيام التي سبقت، أنه يوجد ثلاثة أنواع من العراقيين، يمثلون ثلاثة توجهات للمجتمع اتجاه الانتفاضة:
- أولًا: الذين وقفوا مع الأحزاب والسلطة.
- ثانيًا: الذين أيدوا الحراك ووقفوا معه.
- ثالثًا: الذين وقفوا بالمنتصف فمرّة تجدهم يميلون مع الشباب بانتفاضتهم، ومرة أخرى مع السلطة، وتبني اتهاماتها.
والقسم الثالث يشبه إلى حد ما "الطرف الثالث" فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية ضعيفة، أو تكاد تغيب عندهم.
وأنت تسير في ساحة التحرير، ينشرح صدرك إلى هذه الشباب المعتصمة، والمحتسبة في سبيل الوطن، وهم على درجة عالية من النضج، يناقشون في أمور الثقافة، والسياسة، والاحتجاج ومآلاته، ولا سيما منهم الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم اسم: أولاد ثنوة.
ثنوة تلك العجوز المعطاءة التي ربت بطلًا مثل صفاء السراي، ورحلت إلى بارئها راضية مرضية، ثم ليلتحق بها جيل ثنوة الشبابي. لقد صار رمزًا هو وأمه لأبناء حراك تشرين، وأيضًا لكل أم وأب فقد عزيزًا عليه في هذه المدة الصعبة والمفصلية من تاريخ العراق.
السلطة تتذكر هذا الجيل وقت الحروب والأزمات لتزج بهم في المقدمة، كأرقام في عداد ضحايا وشهداء الوطن، ليتاجروا بهم في كل مناسبة كالانتصار على "داعش" مثلًا
وصلنا اليوم إلى معادلة صفرية مع حكم الفساد، والطائفية، والمحاصصة، وبجلَد الشباب الأحرار، صار المجتمع العراقي نوعين لا ثالث لهما: أقلية مع أحزاب السلطة ومصالحها الضيقة، وأكثرية تصنع وطن، أو تكتب تاريخًا جديدًا خاليًا من "الأطراف ثالثة".
اقرأ/ي أيضًا: