رغم كل محاولات لم صفوف القوى السياسية داخل إقليم كردستان قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام الجاري، تعود الخلافات مجددًا لتصدع التقارب الذي حصل بين الحزبين الحاكمين (الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني)، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها جلسة مجلس النواب في الإقليم.
تتجدّد الخلافات بين فترة وأخرى بين الحزبين الكرديين في إقليم كردستان
وشهدت جلسة برلمان إقليم كردستان، خلال 22 أيار/مايو 2023، شجارًا بالأيادي بين أعضاء كتلتي الحزبين "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل طالباني، إثر خلاف على إدراج فقرة تتعلّق بتمديد ولاية مفوضية الانتخابات.
فيديو| مناوشات واشتباكات بالأيدي داخل برلمان كردستان إثر خلافات حول ملف انتخابات الإقليم pic.twitter.com/ak1j6idpEa
— Ultra Iraq | ألترا عراق (@UltraIRQ) May 22, 2023
وامتد الخلاف إلى درجة الفوضى حتى في قرارات رئاسة البرلمان، حيث أعلنت رئيسة البرلمان ريواز فائق تأجيل الجلسة، لكن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني أكدت أن "الجلسة استمرت وصوّت خلالها 58 نائبًا من مجموع 111 مقعدًا لمصلحة التمديد للمفوضية".
هذه الأحداث جاءت بعد صدور بيان مشترك للحزبين عقب اجتماع هو الثاني من نوعه، منذ منتصف أيار/مايو الماضي، أكد الحزبان فيه "إجراء الانتخابات في موعدها مع وجود تفاهم إيجابي حول عدد من المسائل العالقة".
خلافات قديمة..
الخلاف بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني تمتد جذورها إلى سنوات طويلة، حيث بدأت في ستينيات القرن الماضي، حين كان الملا مصطفى البارزاني يتزعم الحزب الديمقراطي، فيما أسس جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني.
الحزبان، تقاسما الحكم في الإقليم، حيث تخضع محافظة أربيل (عاصمة إقليم كردستان) لحكم الحزب الديمقراطي، بينما يحكم الاتحاد الوطني محافظة السليمانية، رغم مواجهتهما لمعارضة قوية من الأحزاب الإسلامية والحركات الناشئة التي لم تحصل على مقاعد برلمانية تجعلها ندًا قويًا يشارك الحزبين في الحكم بالإقليم.
ولم تبق هذه الخلافات محصورة داخل إقليم كردستان، بل أيضًا وصلت إلى البرلمان العراقي، فلم يجتمع الحزبان في تحالف واحد قبل أو بعد كل انتخابات تشريعية، إلا في فترات قليلة، حيث غالبًا ما يشرخ توزيع الوزارات السيادية في الحكومة العراقية العلاقة بين الحزبين.
وكان آخر هذه الانقسامات هو دخول الاتحاد الوطني الكردستاني في تحالف مع الإطار التنسيقي، ضد التحالف الثلاثي الذي كان يجمع غريمه التقليدي الحزب الديمقراطي مع "الكتلة الصدرية" وتحالف السيادة، قبل أن يتفكك التحالف الأخير.
كما بقيت العلاقة بين الحزبين غير مستقرة، مع عودة توترها على خلفية القصف الذي استهدف مطار السليمانية، ومحاولة اغتيال قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، الذي كان يرافق وفدًا أمريكيًا إلى السليمانية بزيارة سرية دون علم حكومة الإقليم.
وقالت مصادر مطلعة حينها، إنّ زيارة مظلوم عبدي كانت "لحضور اجتماع مع قيادات كردية دون علم الحزب الديمقراطي"، ما أثار غضب أربيل التي حملت حزب طالباني مسؤولية الخرق الأمني الذي حصل.
استباق الفراغ الدستوري
أوساط سياسية في إقليم كردستان، تشير إلى ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، تحسبًا لأي "فراغ دستوري" قد يدخل به الإقليم، فيما يعتبرون عودة الخلافات بين الحزبين الرئيسيين لعدم الاستقرار "داخل الاتحاد الوطني".
وعودة الخلافات بين الحزبين الحاكمين تعود لأسباب منها داخلية تخص وضع الاتحاد الوطني، ومنها أيضًا ما يخص الوضع في إقليم كردستان، وفقًا لعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، صبحي المندلاوي.
ويقول المندلاوي لـ"ألترا عراق": "نحن مقبلون على انتخابات، وبالتالي الاتحاد الوطني يحاول تأجيل هذه الانتخابات"، مبينًا أنّ "هذا التأجيل ستكون نتيجته قرارًا دستوريًا وقانونيًا، لأن الحزب الديمقراطي لا يمكن أن يوافق على تأجيلها".
وشدد على أن "حكومة إقليم كردستان حريصة على حل لهذه الأزمات، وبالنتيجة موعد الانتخابات ثابت ومن غير الممكن تغييره، لأن أي تغيير يعتبر خرقًا سيحدث فراغًا دستوريًا والانتخابات المقبلة ماضية وستشارك فيها كل الجهات وستغير هذا الوضع".
ضغوط دولية
وفيما يتهم الحزب الديمقراطي، بعض القوى السياسية بمحاولة تعطيل إجراء انتخابات الإقليم بـ"صورة مقصودة"، يكشف عن وجود ضغوط دولية لإجرائها بموعدها المقرر في 18 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
يصر الحزب الديمقراطي الكردستاني على عدم تأجيل انتخابات الإقليم
ويقول النائب في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، شريف سليمان، إن "سبب تأخر إجراء الانتخابات في إقليم كردستان هو بسبب محاولة بعض الأحزاب لتأخيرها بشكل مقصود وواضح".
سليمان يقول لـ"ألترا عراق"، إنّ "حزبه حاول وبادر بالتحاور والتفاوض مع الأحزاب الأخرى بشأن الانتخابات من أجل الوصول إلى تفاهم، لتفادي المشاكل وتجاوب مع كل الطلبات التي قدمت من كل الأحزاب السياسية، وخاصة الاتحاد الوطني".
وتحدث سليمان عن "ضغوط دولية أيضًا على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد"، لافتًا إلى أنّ "موعد إجراء الانتخابات مدد سابقًا بسبب وضع العراقيل من قبل بعض الأحزاب".
وبيّن أنّ "الانتخابات هو موضوع مهم جدًا لتفادي الأمور التي هي مصدر خلاف بين الأحزاب، ولكن هناك أحزاب سياسية ومنها الاتحاد تحاول بين آونة وأخرى عرقلة إجراء الانتخابات لغايات لا ندركها".
وحول أبرز الخلافات بشأن الانتخابات، يوضح النائب عن الحزب الديمقراطي، أن "نقاط الخلاف هي على الدوائر الانتخابية ومسألة الكوتا، وكذلك على المفوضية وسجل الناخبين".
ويقول سليمان إن حزبه "تجاوب مع هذه الأمور كلها وتفاهم مع الكتل السياسية وخاصة اللقاء الأخير الذي جمع الاتحاد والديمقراطي الذي كان كاملًا وشاملًا حول هذه المواضيع".
وبالنسبة لسليمان، فإنّ "جلسة البرلمان الأخيرة كانت معدة لهذا الغرض، مستدركًا "ولكن تفاجأنا بأن الاتحاد عرقل هذا الجلسة وانسحبوا منها بشكل غير قانوني".
انتظار لقرار القضاء الاتحادي
ويرد الاتحاد الوطني الكردستاني بدوره على الاتهامات التي وجهت له، بشأن محاولة عرقلة إجراء الانتخابات، وفيما يشير إلى انتظار قرار من المحكمة الاتحادية للبت في بعض "الخروق القانونية"، يعتقد بوجود حالة "مد وجزر" في علاقته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
يقول عضو الاتحاد الوطني، أحمد الهركي، لـ"ألترا عراق"، إنّ "العلاقة بين الاتحاد والديمقراطي تمر بحالة من المد والجزر، ولكن في المرحلة الحالية يجب أن ننظر إلى هذه العلاقة بتمعن".
ويضيف الهركي أنه "رغم الخلافات الموجودة في البرلمان وحتى الاختلافات الموجودة في بغداد، ولكن الفريق الوزاري للاتحاد الوطني عاد إلى اجتماعات حكومة إقليم كردستان، وعلى رأسهم قوباد طلباني الذي عاد للمشاركة في الاجتماعات بعد غياب دام أكثر من ستة أشهر".
والخلافات حول الانتخابات والأحداث التي حصلت في جلسة البرلمان الأخيرة، وأدت إلى حتى الاشتباك بالأيادي سيكون بحسب الهركي، "لها تأثير بصورة وأخرى، لأننا أمام موعد مقترح في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل".
وهناك بعض الأمور الفنية لم تنتهِ كذلك، وفقًا للهركي الذي يقول إننا "أمام سجال قانوني، لأن نائب رئيس برلمان إقليم كردستان مدد عمل المفوضية، وأمور أخرى، وتم التصويت عليها، ولكن هناك خروق إدارية في هذه الجزئية، لذلك نحن ننتظر قرار المحكمة الاتحادية التي أجل البت في الموضوع إلى 30 أيار/مايو الحالي".
وأشار الهركي إلى أنّ "ما حدث في برلمان إقليم كردستان، كنا نتمنى أن لا يكون له دور في تأجيل الانتخابات، ولكن السياسة في إقليم كردستان والسياسة العراقية تمتاز بالمتغيرات اللحظية".
وشدد على ضرورة أن "يتم تدارك الأمر وتكون هناك محاولة للم الشمل، لأن هناك بعض الجهات تحاول أن تقرب وجهات النظر سواء من الأطراف الداخلية أو الدولية".