حدّد إقليم كردستان العراق 18 من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الجاري موعدًا لإجراء الانتخابات النيابية في الإقليم. موعد لم يأتِ بسهولة، فالأزمة السياسية التي تعصف بالإقليم لا تزال تلقي بظلالها على وضع كردستان الداخلي.
سلسلة الخلافات
كانت البداية من دعوات الاتحاد الوطني الكردستاني والذي يتمركز في السليمانية للحصول على اللامركزية بشكل أوسع، مما يتيح له الحصول على الموارد وتوزيع الرواتب بشكل شبه مستقل عن حكومة الإقليم في أربيل، ثم لحقها الخلافات الداخلية بين جناحي بافل طالباني زعيم الاتحاد الوطني، وابن عمه الزعيم المشترك للاتحاد لاهور شيخ جنكي وإقصاء الأول للثاني.
رأى مراقبون أنّ إعلان موعد الانتخابات لا يدل على اتفاق بين القوى الكردستانية وهو تصرف فردي من "البارتي"
بعدها شهدت أربيل، عملية اغتيال طالت ضابطًا مقربًا من لاهور شيخ جنكي، حيث أعلن مجلس أمن إقليم كردستان أنّ مقربين من بافل طالباني، بينهم قائد جهاز مكافحة الإرهاب "وهاب حلبجي" هم المسؤولون عن العملية، وطالب الاتحاد بتسليمه للقضاء، وهو الأمر الذي دفع بشقيق بافل الطالباني قوباد الطالباني، والذي يشغل منصب نائب رئيس وزراء إقليم كردستان وفريق الاتحاد الوزاري للانسحاب من جلسات مجلس وزراء الإقليم.
وفي موازات ذلك، بدء العديد من نواب البرلمان عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني والجيل الجديد وحركة التغيير بتقديم استقالاتهم من البرلمان احتجاجًا على تمديد عمله والتأخر في تحديد الانتخابات.
القضاء في أربيل اصدار قرارًا بإعادة لاهور شيخ جنكي رئيسًا مشتركًا للاتحاد الوطني أو كما معروف محليا بـ"اليكتي"، الأمر الذي اعتبرته قيادات الحزب في السليمانية ضمن تحركات الديمقراطي الكردستاني "البارتي" في أربيل.
خلافات لم تكن يومًا جديدة، فهي تعود لعمر الإقليم الذي طالما شهد منذ 1992 نزاعات بين مختلف الأطراف كادت تفتك نسيجه الاجتماعي، وتطورت في أوجها إلى حرب أهلية بين الحزبين الرئيسيين داخل إقليم كردستان.
مؤخرًا، وعلى هامش ملتقى الجامعة الأمريكية قبل أيام، أكد المتحدث باسم قوباد طالباني، سمير هورامي، أنّ "بافل طالباني طرح مبادرة جديدة لعزل وفصل مشكلة الانتخابات عن المشاكل السياسية الأخرى والمحاولة لحلحلتها".
وقال هورامي للصحفيين، ومن بينهم مراسل "ألترا عراق"، إنّ "هذا ما نتج عن عدة اجتماعات بين البارتي واليكتي وهو ما توصل إلى نتائج إيجابية لعدة ملفات لكن الكوتا ما زالت عائقًا".
واتفقت الأحزاب الكردية على أربعة نقاط، أولها تقسيم الإقليم إلى أربعة دوائر انتخابية، وهي أربيل ودهوك وحلبجة والسليمانية، بالإضافة إلى اعتماد سجل الناخبين الخاص بالمفوضة العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وقوائم وزارة التجارة العراقية، ومناصفة القوائم الانتخابية بين المفتوحة والمغلقة.
أما الخلاف القائم حتى اللحظة، فهو كوتا المكونات التركمانية والمسيحية والأرمنية، حيث ترفض تلك المكونات ما تصفه بـ"تدخلات الأحزاب السياسية بشؤونهم ومحاولة الاستحواذ على مقاعدهم من خلال زج شخصيات مقربة منهم، للحصول على تلك المقاعد"، اضافة إلى مطالبتهم بزيادة الحصص وبين جعل الإقليم دائرة واحدة للكوتا أو عدّة دوائر بحسب تواجدهم في المحافظات.
المتحدث باسم رئاسة إقليم كردستان دلشاد شهاب، وهو قيادي بارز في الحزب بالديمقراطي، قال في مؤتمر إعلان الانتخابات، إنّ "على جميع القوى السياسية مراعاة المصلحة العامة وحل كل المشاكل التي تتعلق بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان وغيرها وذلك لإنجاح الانتخابات".
وبالنسبة لعضو الاتحاد الوطني الكردستاني فائق عادل يزيدي، فإنّ إعلان موعد الانتخابات لا يدل على اتفاق بين القوى الكردستانية، وهو "تصرف فردي من البارتي كما هو الحال دائمًا".
ويكشف يزيدي لـ"ألترا عراق"، عن حدوث الموقف "دون الرجوع لليكتي والأحزاب الأخرى، مبينًا أنّ "موافقتنا مرهونة بمفوضية انتخابات جديدة، واعتماد الاتفاق السابق بنقاطه الأربع".
لكنّ عضو الوفد المفاوض للبارتي، عبدالسلام برواري، رأى أنّ الانتخابات ستجري في موعدها المحدد، وكل الأحزاب متقاربة في ذلك، وسيتمّ اعتماد الاتفاق المسبق، فضلًا عن توزيع النواب وفق توزيع انتخابات البرلمان العراقي، أي 44 مقعدًا لمحافظات الإقليم، ولكن سيتم تنظيمها بطريقة حسابية لتوزع على 100 مقعد وهي مقاعد برلمان الإقليم للأحزاب الكردية.
ويتكوّن برلمان الإقليم من 111 مقعدًا، 100 منها للكرد، و11 مقعدًا لكوتا المكونات مقسمة بين 5 مقاعد للمسيحيين و5 للتركمان و1 للأرمن.
وعلم "ألترا عراق"، من مصدر قريب من "البارتي"، أنّ الديمقراطي الكردستاني "يسعى للذهاب إلى الانتخابات مع محاولة الحفاظ على مقاعده النيابية عبر الإبقاء على الوضع الانتخابي القائم".
ويقول المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب سياسية، إنّ "تأجيل الانتخاب لن يكون بصالح الأحزاب أو الإقليم، وهو يتعرّض لضغط أمريكي، وتطورات تخص ملف النفط داخليًا، مما يحتم على البارتي في الوقت الحالي المضي بالإجراءات الانتخابية".
المصدر رأى أنّ "الأحزاب الأخرى ليست أفضل حالًا من البارتي، فالكيتي يعاني من خلافات وانشقاقات داخلية وأطراف متعددة، إضافة إلى تراجع مقبوليته داخل السليمانية، على حساب صعود أطراف أخرى مثل الجيل الجديد، الذي تظهر استطلاعات الرأي تصاعد حظوظه، فيما تراجعت حظوظ الأحزاب الإسلامية بشكل أكثر".
أكد الاتحاد الوطني الكردستاني أن الحزب الديمقراطي لم يرجع له في تحديد موعد للانتخابات
وبين الخلافات الموجودة وتلك التي تحاول الأحزاب الكردية عبورها، يبقى موضوع تفعيل المفوضية، والذي يجب أن يتم داخل البرلمان، هو ما سيحتاج إلى توافق، بخصوص الإبقاء على الأعضاء السابقين للمفوضية أو اختيار أعضاء جدد من الأحزاب الكردية.