ليست السياسة ميدانًا هادئًا، كما أن البرلمان "ليس نزهة" بتعبير أحد رؤساء الكتل المنبثقة من احتجاجات تشرين؛ بل ميدان مليء بالألاعيب والمواقف الصعبة.
لقد تلاعب مقتدى الصدر بقوى الإطار رغم خبرتهم يمينًا ويسارًا كما تلاعب محمد الحلبوسي بخصومه السُنة المخضرمين، وهما قادران على نصب الفخاخ للمستقلين
قلنا في وقت سابق، وتحديدًا بعد جلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، إن الجلسة يُفترض أن تكون درسًا للنواب الجدد، للتحضير والتهيؤ لما قد يحدث في هذا الميدان الجديد البعيد عن عفوية ساحات الاحتجاجات وشعاراتها الحدّية.
اقرأ/ي أيضًا: الجلسة الأولى لنواب الاحتجاج: تكتك وموقف ومحاصصة
واليوم، عاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ليضع المستقلين في موقف حاسم، بتوجيهه دعوة للنواب المستقلين لحضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم السبت المقبل 26 آذار/مارس 2022، لإكمال النصاب والمضي بتشكيل حكومة أغلبية وتعطيل قدرة الإطار التنسيقي على تعطيل الجلسة.
باعتقادنا، واستنادًا إلى تجارب سابقة تتعلق بخطابات الصدر، وإلى معلومات عن تواصل بين الكتلة الصدرية وبعض المستقلين، نرى أن زعيم التيار أراد المكاشفة أمام جمهوره وجمهور المستقلين، فحكومة الأغلبية تتوقف على حضورهم، والتوافقية التي يرفضونها ستعود بالإجبار إذا لم يحضروا.
مبدئيًا، يمتلك التحالف الثلاثي (الكتلة الصدرية، الديمقراطي الكردستاني، تحالف السيادة) قرابة 170 مقعدًا برلمانيًا، وهُم بحاجة إلى 50 مقعدًا إضافيًا ليشكلوا النصاب المطلوب (أغلبية الثلثين) لانتخاب رئيس الجمهورية. ومعنى ذلك أن المقاعد الثلاثينية للجيل الجديد وحركة امتداد، مع بقية المستقلين، ستكون حاسمة.
وهُم بذلك أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الدخول للجلسة وترجيح كفة التحالف الثلاثي بغض النظر عن التصويت (ولمن) من عدمه؛ أو الامتناع، وترجيح كفة الإطار التنسيقي بتعطيل الجلسات حتى الخضوع للتوافق، ولا خيار ثالث في الواقع.
نرى من الواجب أن تكون اللعبة لعبة "نصاب"، بأبعادها الدستورية، السياسية، والمصلحية، لا أكثر من ذلك ولا أقل
نعتقد أن أكثر من ثلاثين نائبًا من المستقلين سيكونوا حاضرين في جلسة السبت، ومن الضروري هنا التذكير ببعض الملاحظات لهذا الامتحان الصعب.
في بعض المواقف السياسية لا يوجد تل للوقوف عليه؛ فحضور الجلسة واكتمال النصاب يعني تمرير مرشح التحالف الثلاثي ويعني أيضًا تكليف مرشحهم الآخر لتأليف الوزارة، كما أن عدم الحضور ليس حيادًا، بل نصرة لموقف الإطار التنسيقي الذي لم يبقَ له سوى "الثلث المعطل" لفرض التوافقية من جديد، فمقاطعة المستقلين للجلسة موقف كبير، فما فوائده؟
وبين الموقفين: لا لومَ على برلماني مُنتخب من قبل المحتجين أن يحضر الجلسة، بل أن طرح كتلة "من أجل الشعب" الذي تضم امتداد والجيل الجديد مرشح لرئاسة الجمهورية يتطلب حضورهم للتصويت عليه، وإلا لماذا رُشح من الأساس؟ - ذلك بالإضافة إلى ما أعلنه بعض النواب من حجج واقعية ترجّح كفة الحضور على المقاطعة.
مع ذلك نقول: إن حضور جلسة السبت وتمشية التوقيتات الدستورية لا يعني بالضرورة التصويت على ريبر أحمد رئيسًا للجمهورية، ولا حتى التصويت للمكلف بتشكيل الحكومة لاحقًا، فإن لم يكن للتحالف الثلاثي القدرة على تمريرهما (بحضور وعدم تصويت المستقلين) فهذا شأنهم.
كان مطلب جميع المنادين بإصلاح العملية السياسية، والديمقراطية الفاسدة، هو إنهاء حالة التوافق، وتحمّل جهة ما مسؤولية الحكم عبر برامج سياسية تتعهد بتطبيقها، للوصول إلى الدرج الأول من سلم الديمقراطية؛ لكن ذلك لا يعني التماهي التام مع مشاريع الآخرين وتحمّل نتائج إدارتهم للبلاد، ومنهم التحالف الثلاثي، رغم تأييدنا لحكم الأغلبية.
يُمكن التفاوض على تحقيق النصاب مقابل مطلبين جوهريين: التمثيل في اللجان النيابية، وتفعيل التحقيقات بحوادث قتل المتظاهرين
لقد تلاعب مقتدى الصدر بقوى الإطار رغم خبرتهم يمينًا ويسارًا بحكم طبيعة قاعدته الجماهيرية ونوابه وأدواته، كما تلاعب محمد الحلبوسي بخصومه السُنة المخضرمين وأطاح بأغلبيتهم، وهما قادران على نصب الفخاخ للمستقلين إن لم يكونوا حذرين.
نرى من الواجب أن تكون اللعبة لعبة "نصاب"، بأبعادها الدستورية، السياسية، والمصلحية، لا أكثر من ذلك ولا أقل. يُمكن التفاوض مع الساعين للأغلبية على النصاب تحقيقًا للذات، وللهدف العام، واستغلال الموقف للتأثير في المعادلة، دون تقديم تنازلات على حساب فقدان بعض القواعد الجماهيرية.
وبرأينا، يُمكن المساومة على تحقيق النصاب مقابل مطلبين جوهريين بالنسبة للنواب المستقلين وجماهيرهم: التمثيل في اللجان النيابية، وتفعيل التحقيقات بحوادث قتل المتظاهرين في 2019 وما بعدها على الأقل.
اقرأ/ي أيضًا:
تواصل بين الصدريين والمستقلين.. سيناريو قد يقضي على الإطار التنسيقي
خارطة طائفية لتوزيع اللجان.. المستقلون يعولون على "اتفاقات ضمنية"