لا يمكن الجزم بنيات توماس أديسون، حينما أظهر في عام 1897 باختراعه الجديد "الكينسكوب" لقطة قصيرة لامرأة "عربية" بملابس فاضحة، وهي ترقص لمجموعة من الرجال.. فهل كان أديسون يتعمد إهانة العرب والمسلمين حينما أسمى فيلمه القصير "رقصة فاطمة"، ورسم صورة نمطية في أذهان الغربيين عن العرب، أم أنه مجرد مشهد يثير التسلية؟
تقود الصورة النمطية في كثير من الأحيان إلى التعصب الذي قد يتخذ صورة الحكم السلبي التعميمي على جماعة أخرى، وهنا تكون الصور النمطية المكوّن المعرفي للاتجاه المتطرف
يعرف أليوت الصورة النمطية بأنها "اعتقاد مبالغ فيه يرتبط بفئة، وظيفته تبرير السلوك إزاء تلك الفئة"، بينما يعرفها جكير بأنها "رأي ثابت ذو وظيفة تعميمية، يشير إلى فئة من الناس، يجدهم متشابهون ضمن اعتبار معين". فيما تقود الصورة النمطية في كثير من الأحيان إلى التعصب الذي قد يتخذ صورة الحكم السلبي التعميمي على جماعة أخرى، وهنا تكون الصور النمطية المكوّن المعرفي للاتجاه التعصبي. والتعصب قد يتخذ أشكالًا خطرة، فهو يدفع المرء إلى اتخاذ خطوة باتجاه معين يحقّق للشخصية المتعصبة قدرًا من الرضا عن طريق موقف أو سلوك سلبي تجاه طرف يحمل المتعصب أفكارًا سيئة عنه.
الصورة النمطية السلبية المتكونة في الذهن الغربي تجاه العرب ليست وليدة الأمس، بل هي متجذرة. تكونت هذه الصورة منذ زمن الفتوحات التي نقلتها الكنيسة إلى جمهورها بطريقتها، وصولًا إلى الحروب الصليبية، حتى أذا وصلنا إلى المرحلة الاستعمارية كان الغربي مشبعًا بمفاهيم مغروسة في عقله جيلًا بعد جيل. أدى هذا إلى عمل قوالب راسخة للعرب في المخيال الغربي، والذي أسّس هذه القوالب هو التركيز على الصورة النمطية السيئة للعرب من خلال الكتب الدراسية. ففي فرنسا قُدمت هذه الصورة وكأنها حقيقة مطلقة للعرب، ومن هذه الصور تقديم العرب على أنهم "متسوّلون وفقراء" وأنهم في أي حال بمرتبة أدنى من الفرنسيين، كما أن العرب مهزومين دومًا. حتى أن تلك الكتب لم تذكر انتصار صلاح الدين الأيوبي في الحروب الصليبية، وتقدم ما حدث في حرب السويس 1956 على أنها هزيمة للعرب.
لا يختلف الأمر في سائر أنحاء الغرب، ففي الولايات المتحدة أصبحت صورة العرب السيئة من "الفلكلور الأمريكي"، على حد وصف أستاذ الاتصال الجماهيري في جامعة جنوب إلينوي جاك شاهين، الذي أشار إلى أن "العرب يظهرون في الثقافة الشعبية الأمريكية إمّا أثرياء من أصحاب المليارات، وإما مفجري قنابل، أو راقصات شبه عاريات". ولم تغب السينما الأمريكية كعادتها عن أي بث لفكرة معينة إلى أذهان العالم على وجه العموم والأمريكيون خصوصًا، فقد تمكنت من تكريس الصورة السلبية عن العرب "حتى أصبح الأمريكيون العرب الجماعة العرقية الوحيدة التي يحس الأمريكيون أن بوسعهم مهاجمتها، والاستهزاء بها دون خوف أو أذى أو عقاب" على حد قول ميخائيل وديع سليمان في كتابه صورة العرب في عقول الأمريكيين.
كانت حوادث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 فرصة لتعزيز الصورة السلبية عن العرب والمسلمين في الغرب، من خلال اختزالهم بسمة "الإرهاب" بجميع تجلياتها التي تتداعى للمخيلة الغربية، وهكذا، صار الغربي لا يحتاج إلى التذكير في كل مرة بما أُلصق بالعربي والمسلم من صور متصلة بـ"الإرهاب" مثل الاستعداد لقتل المدنيين الأبرياء، والعدوانية المفرطة، والعقلية التآمرية، وعدم احترام الروح الإنسانية، وانتهاك المبادئ الأخلاقية، بل أصبح مجرد رؤية العرب أو ذكرهم يكون كافيًا لاستدعاء هذه الصور. هكذا قد أصبح مصطلح "الإرهاب" أيقونة دعائية، كان يجري استدعاؤها بانتظام، كلما شعرت المؤسسة الأمريكية الحاكمة أنها بحاجة إلى "حشد" الرأي العام باتجاه معين، وهو ما يفضّل تشومسكي وصفه بـ"القطيع الضال" الذي ينبغي إخافته من الأعداء على الدوام، ليشغل عن مشكلاته الداخلية الحقيقية.
جرى ربط العراق بهجمات سبتمبر، حتى قبل أن تُتهم القاعدة بها، ويذكر بوب ودورد في هذا الصدد، أنه "بعد ظهر يوم 11 سبتمبر، وبينما كان الدخان والتراب يغطيان غرفة العمليات في البنتاغون، سأل وزير الدفاع في إدارة الرئيس بوش، دونالد رامسفيلد، فريقه عن إمكانية ملاحقة العراق، بوصفه المتسبّب في هجمات ذلك اليوم!.
كانت الصور النمطية السلبية للعرب والمسلمين قد ساهمت في تهيئة المناخ لغزو العراق، ورسمت نمط إدارته بعد الغزو أيضًا، وحددت بصورة أو بأخرى فهم إدارة الاحتلال وجنوده للعراق وبنائه الاجتماعي. أيضًا كانت الصورة النمطية السائدة عن العرب "النهّابين"، متجسّدة في طريقة تعاطي وسائل الإعلام الأمريكية مع حالات الفوضى التي سادت العراق، ولا سيما بغداد في الأيام الأولى للاحتلال، حيث جرى التركيز على التصوير المتواصل للناهبين وهم يدّمرون المباني الحكومية ويحملون الطاولات والكراسي والثريات البلورية والزهريات على ظهورهم. لم تأتِ هذه الأعمال من فراغ، حيث كان الحصار الأمريكي على العراق الذي دام لثلاثة عشر عامًا واعتبر من أشد الحصارات التي شهدها التاريخ، كذلك كان السلبّ والنهبّ بدافع أمريكي، حيث كانوا يفتحون أبواب المكاتب والمتاحف والمراكز العلمية والتجارية ويدفعون الناس لها عن طريق المترجمين العرب الذين رافقوهم.
تلك الصور كانت في الواقع تكريسًا لواقع متخيل، وجدت فيه وسائل الإعلام صدقية لما كانت تظنه في زمنٍ بعيد، أو ربما اعتاد بعضها على ترديده بين فترة وأخرى، لم يكن ذلك كل شيء، فحتى التغطية الخاصة بالحرب لوسائل الإعلام الغربية قد تضمنت تكريسًا لصور قائمة، مثل: الجندي العراقي الجبان مقابل الأمريكي الشجاع.
كانت الصور النمطية السلبية للعرب والمسلمين قد ساهمت في تهيئة المناخ لـ"غزو العراق" ورسمت نمط إدارته، وحددت بصورة أو بأخرى فهم إدارة الاحتلال وجنوده للعراق وبنائه الاجتماعي
اختزل مقدم البرامج مايكل سافيج على محطة "إم إس إن بي سي" الأمريكية هذا الأمر حينما قال في برنامجه عشية الغزو الأليم، إننا "نحتاج الآن لبث الأفكار العنصرية الشائعة حول عدونا لكي نشجع جنودنا على قتل العدو"، ومثل هذا الهدف تجسّد في واقع الأمر بالقدر الكبير في الاستهتار بأرواح العراقيين أو بكرامتهم، واستسهال القتل والتعذيب، فضلًا عن حالات السرقة التي كان يقوم بها جنود أمريكيون خلال عمليات تفتيش المنازل أو الأفراد، فالعراقيون عند هؤلاء الجنود هم مجموعة من اللصوص والقتلة البدائيين، كما تصوّرهم تلك "الأفكار العنصرية الشائعة" وبالتالي فأن قتلهم وإهانتهم وتعذيبهم وسرقتهم أمورٌ مشروعة.
علاوة على كل ذلك، سبق الغزو أيضًا مفهوم "المجتمع العراقي المنقسم" بين شيعة وسنة وكرد، وكانت طريقة إدارة سلطة الاحتلال للعراق بعد الغزو مستندة إلى هذا النمط، وهذه الطريقة هي التي رسمت شكل الحكومة "المحاصصاتي" الحالي الذي يعاني أبناء العراق منه الأمرّين، مرارة الفشل مع الانقسام والتشظي.