العنصرية يمكن تلمسها في بلدنا ليس في النظرة والموقف الاجتماعي فقط، بل وحتى في التعاطي السياسي والإداري أيضًا، وهذا ما نراه في عدم حصول محافظات الجنوب المهملة على استحقاقها من مشاريع الإعمار وتطوير الخدمات. إذ أن هناك من يرى بأن هذه المحافظات لن يفرق لها شيء إن زادت مشاريعها أم قلت، ولن يؤثر ذلك على واقعها الاجتماعي والحضاري، لأسباب أكبر من أن يتم تجاوزها بالمشاريع فقط أو بجهود سنوات أو عقود، وهذا ما يتناقض مع منطق التاريخ الذي يظهر أن كل المجتمعات تستطيع أن تتطوّر شريطة أن تتوفر لها الشروط ذاتها التي تطورت على أساسها المجتمعات الأخرى، ومحافظات الجنوب ليست مستثناة من ذلك.
لكن سبب القصور في التعاطي مع محافظات الجنوب الفقيرة والمهملة ليس نابعًا فقط من النظرة العنصرية الحكومية لهذه المحافظات، أو نظرة من يدير الحكومة، أو من يقف خلفها ويدعمها، بل ومن وجود نظرة عنصرية داخل هذه المحافظات أيضًا، إذ نجد فيها من يعارض أي مطالبة بحقوق هذه المحافظات أو يعد هذه المطالبة مبالغًا فيها أو ذات دوافع سيئة مضمرة، وهذا لا يمكن أن نربطه فقط باختلاف وجهات النظر حول هذا الأمر، بل وبوجود نظرة عنصرية تماثل تلك النظرة، مؤسسة على شعور بأنهم لا ينتمون عضويًا أو معنويًا لجمهور هذه المحافظات، بل لمن يتمايز عنهم أو ينظر لهم بدونية من الحكام ومن يدور في فلكهم.
ومن ثمّ لا يمكن ترسيخ المطالبة بحقوق هذه المحافظات بوجود من يضعف ذلك من أبنائها، لا سيما وأن لكثير من هؤلاء صوت قوي ومسموع بحكم منزلتهم الدينية والعشائرية، إذ كيف يمكن أن تطالب بعض عوائل الشيوخ بأن تدعم حملة كهذه وهم يحظون بحقوق تفوق بكثير ما يحظى به المواطن العادي، بما في ذلك تقديم أبنائهم في معاملات التعيين والحصول على المناصب وغير ذلك.. والشيء نفسه يصح على عوائل بعض رجال الدين والسادة والمتنفذين. إذ أنهم ومن خلال منزلتهم ونفوذهم يحظون بحقوق أكثر وأكبر مما يحظى به المواطن العادي، وبالطبع نحن لا نتكلم هنا عن الكل، بل عن البعض الذي يتمايز عن الناس الآخرين، فلا يقبل أن يدعم مطالبهم أو يكون بين صفوفهم.
إن الموقف من إعمار محافظات الجنوب يجب أن يكون موقفًا موحدًا، أي أن تشارك فيه جميع قطاعات المجتمع، فلا يقتصر الصوت المطالب بالحقوق على طبقة دون أخرى، أو على حزب دون آخر، بل يجب على الجميع المشاركة في ذلك، بما في ذلك الأحزاب من خارج منطقة الجنوب، لأن إعمار الجنوب يخدم جميع المحافظات، ويضمن الاستقرار للبلد ككل، لأنه يقلل من زخم الهجرة إلى المحافظات الأخرى، ويقلل من الاضطرابات التي تشهدها محافظات الجنوب من حين لآخر، سواء أكان منها تلك المرتبطة بالواقع الاجتماعي كالنزاعات العشائرية، أم تلك المرتبطة بالانفلات الأمني والفوضى الإدارية والسياسية وغيرها.