تمددت إيران في المنطقة والعراق على مرحلتين: الأولى بعد سقوط النظام العراقي في 2003، والثانية خلال مجابهة ثورات الربيع العربي في بعض المناطق، مستغلة انهيار الدول الهشة والتفكك الداخلي والحالة الطائفية، وكذلك التخادم مع الولايات المتحدة الأمريكية في اللعب مع الثعبان (الإرهاب).
سقطت الصواريخ الإيرانية على أربيل، ردًا على هذه الضربات المتتالية وأهمها ما جرى في فيينا
ومن غير المنطقي أن تتقبل التخلي عن مكاسبها المتحققة خلال هاتين المرحلتين، وباتت منذ سنوات غير قابلة للتراجع، لأسباب سياسية تتعلق بالداخل الإيراني والتفاوض مع الغرب وغير ذلك، ولأسباب نفسية لناحية صعوبة تقبّل الإنسان/الحاكم تركَ المكتسبات المتحققة بسهولة.
اقرأ/ي أيضًا: استهداف الكاظمي: من صنعاء إلى كابل.. نموذج يقترب
لو عدنا للسياق وما تزامن مع الضربة الصاروخية التي نفذها الحرس الثوري على محافظة أربيل العراقية، يُمكننا التوقف عند ثلاثة محطات: تعثّر محادثات فيينا، تصريح المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والاستهداف الإسرائيلي لمواقع إيرانية في الداخل والخارج.
لا شكَّ في الانسجام الروسي – الإيراني في العديد من القضايا الدولية والإقليمية، والمواقف الموحّدة الكثيرة لا تحتاج إلى سردٍ لإثبات تلك العلاقة؛ لكن نقاطًا مظلمة تؤشَّر بوضوح في العلاقة بين الدولتين، أبرزها القصف الإسرائيلي المتكرر في سوريا، وآخرها الموقف الروسي في المحادثات النووية.
لقد غضّت روسيا الطرف (لكي لا نقول تعاونت) عن الأجواء السورية المستباحة من قبل الكيان الصهيوني الذي لم يتوقف عن قصف أهداف سورية وإيرانية وعراقية في الداخل السوري، الذي يُفترض أن أجواءه تخضع لنفوذ موسكو.
تصريحات خامنئي المباشرة بعد الموقف الروسي والاستهداف الإسرائيلي تعكس حراجته التي توضّح سبب إحراجه للعراق
وكان الموقف الروسي براغماتيًا إلى أبعد حد في محادثات فيينا حين اشترطت استثناء علاقتها مع إيران من العقوبات الغربية لإتمام العودة للاتفاق النووي، ما تسبب بانهيار المحادثات وعودة المفاوضين لبلدانهم.
برأينا، وضِع خامنئي ونظامه بموقف محرج جراء تعثر المحادثات النووية بسبب موقف "الحليف الروسي"، فمحاولة إظهار أن بلادك تتفاوض حول الرجوع إلى الاتفاق النووي "على مضض" في الظاهر سرعان ما اصطدمت بالأحداث الجديدة التي قد تضطرك لإقناع الروس بالرضوخ للأمريكيين!
تصريحات خامنئي المباشرة بعد هذا الموقف تعكس حراجته التي توضّح سبب إحراجه للعراق. تحدث المرشد الإيراني عن نفوذ إيران الإقليمي وقدراتها الدفاعية. "الحضور في المنطقة" بتعبير خامنئي يعطي دولته عمقًا استراتيجيًا وقوة وطنية أكبر، يقول خامنئي ويتساءل: لماذا نتخلى عنه؟
اعتبر المرشد خفض القدرات الدفاعية لبلاده "سذاجة" وقطعًا لعناصر القوة الوطنية لإيران، قال ذلك في ذات الكلمة أمام رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، وأعضاء مجلس خبراء القيادة.
إذن، تلقّى النظام الإيراني ضربات عدّة على رأسه في غضون أيام. قُتل عنصران - يبدو أنهما مهمان - من الحرس الثوري الإيراني في سوريا. تزعزعت محادثات فيينا. وقبل ذلك، يبدو أن حريق القاعدة في كرمنشاه كان بفعل فاعل. وبالتالي؛ سقطت الصواريخ الإيرانية على أربيل، ردًا على هذه الضربات المتتالية وأهمها ما جرى في فيينا، وكانت إشارة مستشار الأمن القومي في عدم الاعتماد على الشرق والغرب، وكذلك في وسمه بعد قصف أربيل، تعبيرًا واضحًا للعلاقة بين الأحداث.
كان شيء كبير يحدث في سماء العراق تزامنًا مع حادثة كرمنشاه، ولكي لا يتكرر ما جرى وتجنبًا لصدامٍ عنيف في البلاد، نقول ينبغي أن تقف اللجنة على الحقيقة
في العودة لاستهداف الشمال العراقي، نقول مرة أخرى إن اللجنة التي شكّلها العراق للبحث في مزاعم الإيرانيين بوجود مقار إسرائيلية في أربيل ينبغي ألّا تكون كاللجان الأخرى التي تُشكل لتسويف القضايا كما يدرك معظم العراقيين.
بحسب معلوماتنا، كان شيء كبير يحدث في سماء العراق تزامنًا مع حادثة كرمنشاه، ولهذا السبب بالذات، ولكي لا يتكرر ما جرى في منتصف شباط/فبراير، وفي منتصف آذار/مارس، وتجنبًا لصدامٍ عنيف في البلاد، نقول ينبغي أن تقف اللجنة على حقيقة ما حدث، وعلاقة إقليم كردستان بحادثة كرمنشاه، ومن ثم اتخاذ الموقف المناسب حفاظًا على ما تبقى من أمنٍ في العراق.
اقرأ/ي أيضًا: