الترا عراق - فريق التحرير
يرزح العراقيون في معظم مدن البلاد تحت ظروف مناخية قاسية تفاقمها الأزمة السياسية والفساد، إذ انقطعت الكهرباء عن المحافظات الجنوبية مع ذروة لهيب الصيف للتحول المنازل والشوارع إلى "أفران شواء".
انهارت منظومة الطاقة الكهربائية مع ذروة حرارة الصيف بمشهد مكرر حوّل منازل العراقيين إلى أفران
واستعرض تقرير لوكالة "رويترز"، ترجمه "الترا عراق"، مشاهد من الحياة اليومية للأسر العراقية في ظل أزمة الطاقة والجفاف، مشيرًا إلى تأثير الصراع السياسي على السلطة في ظل مخاطر الجفاف وعجز القطاع الصحي.
نص التقرير:
تشل الحرارة الشديدة العراق مما يجبر على إغلاق شبكة الكهرباء المنهكة مع تمديد السلطات العطلات الرسمية لحماية الموظفين من درجات حرارة 52 درجة مئوية.
ويحتل العراق المرتبة الخامسة في قائمة الدول الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ، وهو يسخن بشكل أسرع من معظم أنحاء العالم. بعد ما يقرب من 20 عامًا من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، أصبحت البلاد غير مجهزة للتعامل مع هذا التوتر.
وفي محافظات البصرة الجنوبية وذي قار وميسان، قالت السلطات السبت إنّ شبكة الكهرباء انطفأت لليلة الثانية على التوالي، مما أغرق ملايين المنازل في الظلام خلال الليل الحار. الطعام الفاسد في الثلاجات. وضع الآباء أطفالهم في السيارة وقادوا سياراتهم لساعات - كان تكييف الهواء في سياراتهم هو الطريقة الوحيدة للبقاء في أجواء باردة.
وبحلول صباح الأحد، قال محافظ محافظة ذي قار، وهي واحدة من أفقر المحافظات في العراق، إنه سيتم تمديد عطلة رسمية لموظفي الدولة حتى مناسبة محرم الدينية الثلاثاء، "بسبب الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة".
بعد عشرة أشهر من فوز رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية هنا، يقاتل سياسيون من الكتل الشيعية والسنية والكردية في البلاد بمرارة حول شكل حكومة جديدة. ونتيجة لذلك، لم يتم تمرير أي ميزانية وقرارات الإنفاق الرئيسية معلقة.
ولكن كما أشارت التوقعات إلى أن معظم المحافظات العراقية من المرجح أن تشهد درجات حرارة تبلغ حوالي 50 درجة أو أعلى هذا الأسبوع، فإن شبكة الكهرباء ليست الخدمة العامة الوحيدة المتعثرة.
تسبب الأزمة السياسية في غياب قانون الموازنة والتخصيصات الضرورية للقطاعات الخدمية الأساسية
فالزراعة وصيد الأسماك، وهما ركيزتان حاسمتان في محاولات الدولة للابتعاد عن الاعتماد على عائدات النفط، يتعرضان لضرر فادح بسبب الجفاف. ويقول الأطباء إنّ المستشفيات المرهقة تعالج حالات ضربة الشمس أو صعوبات التنفس التي ربما تفاقمت بسبب الأبخرة السامة في الهواء.
وفي شوارع بغداد يوم الأحد قام صبية صغار بسحب المياه من صناديق الثلج وهم يغطون وجوههم بأوشحة يغطيها العرق لتجنب الشمس. وقال شرطي مرور إنّ مهمتهم تزداد صعوبة وصعوبة. "لقد فعلت ذلك منذ 16 عامًا"، قال فلاح نوري، 37 عامًا، بينما كان يستريح على رصيف محطم على ضفاف نهر دجلة. "إنّها ليست الشمس فقط. إنها الأبخرة وكيف تسخن الخرسانة تحت أقدامنا".
وقال إنّ باطن قدمه قد احترق وأنّه كان يرتدي حذاء أوصى به طبيبه نتيجة لذلك. "إنه يريدني أن آخذ إجازة، ولكن كيف يمكنني الحصول على إجازة؟ نحن بحاجة إلى العمل"، قال الشرطي غاضبًا.
في منتصف النهار في العديد من الأحياء، كان هناك ضجيج يعود إلى أعمال البناء المتواصلة في بغداد طوال الصيف، إلاّ أنّ الجو كان حارًا جدًا هذه المرة. في شارع أبو نواس الأخضر عادة، بدا أحد عمال البناء في حالة هذيان من الحرارة بينما كان يسقط على شجرة جافة. لم يكن هناك ظل في الأفق.
ومع تعثر أنظمة الطاقة الحكومية في جميع أنحاء العراق، تعتمد المواقع التي تتراوح من وزارات الدولة إلى منازل العائلات على مولدات احتياطية يديرها القطاع الخاص وجيش من المشغلين الذين يعملون في مقطورات ساخنة ومظلمة على مدار الساعة للحفاظ على استمرارها.
لكن هذه تشكل مخاطر خاصة بها. ويقول الخبراء إنهم يعملون بوقود الديزل، ويطلقون أبخرة سامة في الهواء، ويضطر العملاء إلى دفع أسعار باهظة للكهرباء لرجال الأعمال غير الخاضعين للمساءلة والفاسدين في كثير من الأحيان الذين يمتلكون المولدات.
وفي حي الزعفرانية جنوب شرق بغداد، بالكاد استطاع حبيب عبد الكريم (49 عامًا) أنّ يسمع صوته فوق هدير مولده المرتجف. "نحن نذوب هنا!" صرخ. أنا و40 مليون عراقي آخر، نحن نذوب".
يشير التقرير إلى الاحتجاجات المستمرة المطالبة بالخدمات والتي تواجه غالبًا بـ "القوة المميتة"
في كل مكان، كانت المنطقة تعاني. وعلى جدار مكتبه، كانت قوائم الأسر المثقلة الآن بالديون بسبب إمداداتها من الكهرباء تتزايد لفترة أطول. داخل منزله، كان حفيده المولود حديثا، آدم، يبكي بينما كان يكافح من أجل التنفس.
وقال عبد الكريم: "كل عام نعتقد أنّ الأمر لا يمكن أن يزداد سوءًا، ولكن بعد ذلك يفاجئنا الصيف".
في أشهر الصيف، تنحسر حرارة بغداد فقط عندما تتدحرج عاصفة ترابية، وتغطي المدينة بجزيئات من الرمال والأرض التي خففتها الرياح مع جفاف الحزام الأخضر في بغداد. هذا الصيف، تم نقل الآلاف من الأشخاص إلى المستشفى بسبب مشاكل في التنفس نتيجة لذلك. ليس هناك الكثير الذي يمكن للأطباء القيام به.
"نحن فقط نعطيهم الهيدروكورتيزون وبعض الوقت بعيدًا عن العاصفة"، قال سيف علي في أحد الأيام الأخيرة، مبينًا أنّ "الوضع يزداد سوءًا كل عام".
تسبب مزيج العراق من ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه الناجم عن تغير المناخ وسوء الإدارة وانخفاض تدفقات المنبع في اضطرابات في الماضي. وفي الجنوب، تجبر الظروف الأسر على ترك أراضيها الزراعية إلى المدن، حيث تتزايد التوترات مع السكان القدامى وسط تضاؤل الموارد.
في مدينة البصرة، حيث استعد السكان يوم الأحد لليلة أخرى بدون كهرباء، لوثت النفايات السامة إمدادات المياه في المدينة بأكملها في عام 2018، مما تسبب في دخول أكثر من 100,000 شخص إلى المستشفى بسبب آلام في البطن والقيء والإسهال.
تلت ذلك احتجاجات كبيرة، لكن السلطات سحقتها بالقوة المميتة.
في جميع أنحاء العراق، تجري مظاهرات صغيرة تندد بسوء الخدمات في مواجهة الحرارة الشديدة أسبوعيًا. وفي الأهوار العراقية – بعضها الآن متصدع من التراب بدلاً من المسابح الفضية حيث يقال إنّ جنة عدن كانت قائمة – عبرت لافتة متظاهر الشهر الماضي عن البؤس.
وجاء في الرسالة: "إذا سألتني عن حالة أرضي، سأخبرك". "الجفاف والفقر والهجرة القسرية والعنف".