على الدوام في عالم الجنوب سابقًا "دول العالم الثالث"، أثبتت الحركات التحررية، والجهادية، والنضالية، فشلها في بناء الدولة، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتعزيز الحريات. وظلت ترتكز في شرعيتها على الثورية، وإقصاء الآخر، وهذا لا يصح بعد انتهاء مرحلة النضال.
حقق الحشد الشعبي انتصارات على "داعش"، ويستمد منها شرعيته السياسية لكن للدولة شروطها والشعب بحاجة إلى الاستقرار والابتعاد عن اللغة الثورية والجهادية
وهذا واضح للعيان في معظم دول آسيا وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية التي كانت حتى عقود قريبة، تعاني من نير الاستعمار الغربي، ومع تعاظم الاستبداد، وتراجع المستويات الاقتصادية، وتدني الحريات، وامتهان حقوق الإنسان، أخذت شعوب هذه الدول تسأل عن جدوى هذه الأنظمة، التي لم تستط الانتقال من الشرعية الثورية إلى شرعية الإنجاز، أو الشرعية السياسية، وهذه تتأتى عبر:
- تحقيق الحريات السياسية.
- تحقيق التنمية الاقتصادية
- تعزيز قيم المواطنة.
ومع تراكم الفشل، والإخفاقات، بدأت الشعوب تنتفض، وتخرج مطالبةً بأبسط معايير العيش الكريم، وكذلك منح المزيد من الحريات، مما أوقع المزيد من الصدامات بينها، وبين أنظمتها السياسية، وكذلك ازدادت الهوة بين الجانبين، فالنظام يعيش لوحده في برجع العاجي، ولا يدرك ما يتطلبه الشارع، الذي ينتفض على حين غرةً.
اقرأ/ي أيضًا: معركة "الوجود المريح".. النفوذ الأمريكي والإيراني
أبرز مثالٍ على ذلك، حركات التغيير العربية "الربيع العربي"، نعم هنالك من يقول إنها لم تقم لولا الدعم الخارجي، إلا أن هذا لا يُلغي حقيقة الأوضاع البائسة التي تعيش في ظلها الشعوب العربية، ليس أقلها الاستبداد، واستئثار فردًا، أو عائلةً بالسلطة والثروة مع زبانيتهم، بينما الشعوب لا يعطى لها إلا الفتات. بالتالي الخارج استثمر وقائع موجودة استطاع النفاذ عبرها إن صح هذا القول من مناهضي الثورات.
العراق حاليًا يعيش تقريبًا هذه المرحلة، قوات الحشد الشعبي حققوا انتصاراتٍ مهمةٍ على "داعش"، ويستمدون منها شرعيته السياسية، ويُكن لهم كل الاحترام العديد من أبناء الشعب، لكن للدولة شروطها، وقياداتها، والشعب بحاجة إلى الاستقرار والعمل، والحريات والابتعاد عن اللغة الثورية والجهادية، إذ لكل مرحلة متطلباتها، ولا يصُح أن نظل على ذات الخطاب الثوري، بينما الواقع بحاجة إلى خطاب مغاير.
لذلك نجد أن الدول المتطورة، تفصل بين قيادة الدولة، وبين القيادة العسكرية، والثورية، سمها ما شئت، فالأخيرة تخضع للقيادة السياسية لا العكس، وحتى في ظل الدول الإسلامية السابقة، كانت الخلافة أو الإمامة يقودها أشخاص من غير قادة الجيوش.
ومثلها أيضًا معظم الإمبراطوريات التي فرضت هيمنتها على البسيطة عبر مراحل التاريخ كافة، ولا بأس بأن نأخذ الولايات المتحدة الأمريكية، كمثال من حاضرنا.
لا نريد أن نكون دولةً إمبراطورية بقدر ما نحن بحاجة إلى دولة تستثمر الإمكانيات التي يحوزها العراق
ونحن هنا لا نريد أن نكون دولةً إمبراطورية، بقدر ما نحن بحاجة إلى دولة تستثمر الإمكانيات التي يحوزها العراق على أحسن ما يكون، والتي ربما تؤهله لأن يكون قوةً إقليميةً في المنطقة.
فهل يستطيع قادة ورجال الحشد الشعبي استيعاب هذه الحقائق؟ بالتأكيد هذه ما نرجوه!
اقرأ/ي أيضًا: