لا نحتاج أن نكتب ونُعرف أهمية جيل الشباب بالنسبة لأي مجتمع، ولسنا بحاجة إلى معرفة ما الدور المهم الذي يُمكن أن يُحققه الشباب إذا ما فُتحت لهم الأبواب ودعمتهم الحكومات وخلقت منهم قيادات سياسية ومجتمعية مهمة.
العراق الذي لم يُستثمر أي من ثرواته على مدى تاريخه، من النفط والبتروكيمياويات إلى الغاز والفوسفات، حتى بات اليوم قلقًا من حدوث انخفاض جديد في أسعار النفط العالمية، باعتباره يعتمد اعتمادًا كليًا على النفط، الذي لم يعد كافيًا لسد رواتب موظفي ومتقاعدي الدولة العراقية.
تصل نسبة الشباب العراقي في العراق اليوم بين 75-80% من مجمل سكان البلاد الذين وصل عددهم إلى 36 مليون
لم يعد أمام الحكومات العراقية، سوى ثروة واحد، هذه الثروة التي ما لم تُستثمر، فلا مجال للبحث عن نجاحات وخطط مستقبلية تخرجنا من الأزمات التي نعيشها. الشباب هم هذه الثروة. الثروة البشرية التي لا يُمكن تبديدها ولا صناعتها بأية طريقة، هي ثروة قد تنضب ما لم نستثمرها.
اقرأ/ي أيضًا: النازحون في العراق..مخيمات الموت المُهملة
في مقال كتبه ميشيل روبن في مجلة النيوز ويك مؤخرًا، قال إن 40% من الشعب العراقي ولدوا بعد العام 2003، وقبل يومين ذكر مظهر محمد صالح وهو المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، في ندوة حول الاقتصاد، بأن 80% من العراقيين هم من ولادات العام 1990 وصولًا لهذا اليوم. هذا يعني أن نسبة أكثر من 60% التي يتداولها الجميع، هم من الشباب العراقي.
قد تصل نسبة الشباب العراقي في العراق اليوم بين 75-80% من مجمل سكان البلاد الذين وصل عددهم إلى 36 مليون. هذا يعني أن هناك طاقة بشرية مهمة يجب استثمارها وتهيئة الفرص المناسبة لها. في الوقت الذي تفتقد فيه ألمانيا التي تعد من أكبر الاقتصادات في العالم إلى الطاقة البشرية الشبابية، فإن العراق يُبدد هذه الثروة في الهجرة والبطالة والحروب.
عندما فتحت ألمانيا الهجرة، كانت الخطة الأولى التي ترسمها، كيف ترفع نسبة الخصوبة التي جعلتها في ذيل قائمة دول العالم، وكيف تُعيد حركة المصانع التي تحتاج إلى يد عاملة، وكيف تُعيد فتح الـ2000 مدرسة التي أغلقت خلال 20 عامًا بين 1989 و2009، لعدم وجود العدد الكافي من التلاميذ.
اليابان هي الأخرى بنسبة 23% من الذين تفوق أعمارهم الـ65 عامًا، وهذا يُشكل كارثة كبيرة في التغير السكاني الذي قد يضرب البلاد، أما العراق وأمام كل هذه الطاقات التي يجب أن يستثمرها، فينشغل ساسته بصناعة الحروب والاقتتال والنزاعات المسلحة، ويخلقون أجيالًا جديدة من المتطرفين، غير آبهين لوجود طاقات شبابية مهمة.
ما يمر به الشاب العراقي اليوم، لا يمر به أي من شباب المنطقة، فهو إما في الحرب ضد "داعش" أو عنصر استمالته الجماعات المسلحة ليكون جزءًا منها، أو مقرب من رجل دين متطرف، أو نازح يبحث عن مكان يأويه وعائلته، أو لاجئ في بلاد بعيدة.
هذه النسبة الكبيرة من الشباب العراقي الذين يعيشون وعاشوا تحت أزيز الرصاص وأصوات المدافع، لو أنهم عاشوا في أوروبا لكانوا أسماءً مهمة في مجالاتهم التخصصية والإبداعية، فالبيئة التي تضيق عليهم في العراق، جزء كبير وأساسي من الفشل الذي يلحق بنسبة كبيرة منهم.
دائمًا ما أسأل، لو أن المهندسة المعمارية الراحلة زها حديد بقيت تعيش في العراق، هل كانت ستصل لهذا المجد الذي حققته؟، وهل عمر الراوي الذي يشغل منصب عضو في البرلمان النمساوي وهو مسؤول ملف الخدمات في العاصمة النمساوية فيينا، هل سيكون مثلما هو الآن؟ وغيرهما من الأسماء التي سنحت لها الفرصة والابتعاد عن منطقة نزاع مستمر اسمها العراق.
اقرأ/ي أيضًا:
ألبومات صور من صدام للعمامة
أطفال العراق.. ثمن خلافات الساسة