ليس بالمفاجئ حالُ العراق الذي وصل إليه في ظل حكم نظام المحاصصة الطائفية وهو ما لن نمل من تكراره لأنه أساسُ البلاء لكل المشكلات أولًا، ومنجمٌ للقصص السيئة التي تغني النظرية بأمثلة واقعية. لهذه الأسباب نكتبُ لا لأن أبطال الأمثلة ذوو شأن.
استخدم القياديان ذات الأسلوب والطريق البعيد أولًا عن الخطوط الوطنية وثانيًا عن رغبة الجمهور الفئوي في الحلقة الأصغر
قرأنا وسمعنا في الأيام الماضية حفل الشتائم والإساءات والاتهامات المتبادلة بين رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والقيادي السُني خميس الخنجر، حيث خرجت خلافاتهم بالطريقة التي شاهدها الجميع بعد تنابز خفي كان رمادًا تحت النار. وكانت مسألة جرف الصخر هي العامل الرئيس الذي حرّك ذلك الرماد مع قرب الانتخابات البرلمانية.
اقرأ/ي أيضًا: جرف الصخر تشعل الصراع بين الحلبوسي والخنجر
من المعروف أن الحلبوسي وصل إلى رئاسة مجلس النواب بدعم من تحالف البناء المقرّب من إيران مقابل تحالف الإصلاح آنذاك الذي ضم الصدر والعبادي والحكيم. وكان لإيران دور بارز في تنصيبه كما اعترف صراحةً رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض بنفسه.
استغل الحلبوسي منصبه الذي وصل إليه بهذه الطريقة ثم ابتعد رويدًا - كما تشير تصريحاته ومواقف حلفاءه - عن المعسكر الإيراني في العراق. أسس حزبه وصار زعيمًا بنظر أفراد الحزب، وتفاخر بتأهيل بعض الشوارع والمباني في محافظة الأنبار. كل ذلك - مرة أخرى - عن طريق منصبه الذي وصل إليه بالدعم الإيراني.
الآن، جاء دور عدو الأمس صديق اليوم، خميس الخنجر الذي كان مطلوبًا للدولة بتهم دعم الإرهاب وصُفِّرت قضاياه بصفقة. سلك الخنجر ذات الطريق حتى تمكن من الحصول على أول خطوة نحو الأمام في طريق إعادة النازحين إلى مناطقهم في ناحية جرف الصخر (60 كم عن بغداد).
طريق واحد لأهداف مختلفة
لسنا بصدد مفاضلة غير موجودة أصلًا بين الاثنين، بل نود الإشارة إلى حجم النفاق والتضليل والمغالطات لدى القيادات السُنية المتمثلة بهذين الاثنين وكذلك لدى القوى الشيعية الطائفية.
لقد استخدم القياديان ذات الأسلوب والطريق البعيد أولًا عن الخطوط الوطنية وثانيًا عن رغبة الجمهور الفئوي في الحلقة الأصغر. تحالفَ الحلبوسي مع الطرف الشيعي المشتبك ميدانيًا وإعلاميًا مع سكان المناطق الغربية للوصول إلى المنصب، كما فعل ذلك الخنجر وصارت العلاقة أكثر وضوحًا مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف له في نيسان الماضي والحديث عن نازحي جرف الصخر.
تفاخر الحلبوسي بنتائجه على أرض الواقع ثم راح يعير الخنجر على تحالفه الذي من الممكن أن يفضي إلى نتائج أيضًا بمقاييس كليهما. فإذا كان الهدفُ هو إعادة النازحين والطريق هو معسكر إيران، فما الاختلاف عن هدف إعادة الإعمار والطريق هو معسكر إيران؟
حجةٌ أخرى ذكرها الحلبوسي مفادها أن بيع أراضي النازحين مقابل عودة جزء منهم سيفتح الباب لتكرار النموذج في مناطق أخرى ونحن نتفق مع هذه الحجة؛ لكن أول من فتح باب الاستقواء بإيران لاستحصال النتائج هو الحلبوسي نفسه، صانع النموذج الذي قلّده الخنجر.
إن السعي خلف خدمة "المكون" لأغراض انتخابية ونسيان التوجّه الوطني والمبادئ العامة من شأنه أن يصنع عادةً لدى الجميع: السعي وراء إنجاح قضية معينة (إعادة النازحين، إعادة الإعمار).. دون النظر إلى الطريقة.
نعتقد أن الاتهام بالنفاق والرخص واستخدام الأساليب السياسية المبتذلة لمن هُم في النظام الحالي هو من شأن القوى الوطنية الديمقراطية، وحريٌ بالإثنين أن يفرحا لخدمة "المكون" وأن يتسابقا على نيل المكاسب الفئوية والانتخابية بالطرق التي لا تنظر للمصالح العامة بدل تبادل الاتهامات المستندة على قيمٍ لا يحملانها.
الماسكون للأرض
من جديد، تشير المعركة بين الإثنين إلى مدى النفوذ الإيراني وقوة هذا الفاعل على أرض العراق ونظامه السياسي. وتؤكد أن الجارة الشرقية لم تعد تصنع الحدث في ما كان يسمى "البيت الشيعي" بل تتحكم بموازين القوى لدى المحافظات السُنية. وهذا شأنُ الماسكين للأرض.
ستكون آثار النفاق والفضائح الأخلاقية والمتاجرة بمصائر الناس ومآسيهم من الطرفين واضحة في المزيد من تكسير الطائفية "السياسية" على الأقل
كتبنا من قبل أن الفاعل الداخلي حسم المناصب السُنية والكردية بعد انتخابات 2018، وكان فشلُ التحركات التي قادها بريت ماكغورك آنذاك للتأُثير على القرار السني وتنصيب رئاسة مجلس النواب هو مثالنا الأوضح في معركة حُسمت بعكس الفرضيات الواقعية وما يشتهيه الناقمون على إيران، لصالح التحركات الإيرانية. من المهم التذكير بتلك الأجواء تزامنًا مع ما يحدث الآن.
النفاق الإيجابي
بغض النظر عن النتائج التي يرجو الخنجر حصدها من وراء ملف جرف الصخر وكم ستكون نسبة التعاطي الإيجابي المثمر مع الأمر في الانتخابات، وما تنتظره القوى الشيعية من هذه الخطوة الداعمة له مقابل الحلبوسي.. بغض النظر عن النتائج التي سيظهرها المستقبل، ستكون آثار النفاق والفضائح الأخلاقية والمتاجرة بمصائر الناس ومآسيهم من الطرفين واضحة في المزيد من تكسير الطائفية "السياسية" على الأقل، مُضافة إلى الحوادث السابقة التي شكّلت صدمات للوعي، ومَنْ غير الصدمات تقلب المعادلات؟
اقرأ/ي أيضًا: