أود أن أبين في البداية أنني لست من دعاة النزعة المناطقية، فدافعي من الكتابة عن أوضاع محافظات الجنوب هو فقط لعرض معاناة هذه المحافظات التي لم تحظ بما تستحقه من الإعمار والبناء والتطوير، على الرغم من واقعها السيئ، وعلى الرغم من الوفرة المالية التي حصل عليها العراق في السنوات السابقة بفضل أرتفاع أسعار النفط. إذ بقيت هذه المحافظات تعاني من سوء الخدمات وتهالك البنى التحتية ونقص المشاريع الإعمارية والاستثمارية، على الضد من ممثلي هذه المحافظات في البرلمان والحكومة المركزية والحكومات المحلية، إذ بلغوا درجة عالية من الغنى في فترة قصيرة من توليهم المناصب، وذلك بفضل ما حازوه من الرواتب العالية والامتيازات الكبيرة، ومن ثم تستحق هذه المحافظات أن يسلط الضوء على معاناتها ومشاكلها من أجل ضمان ما تستحق من مشاريع الإعمار وتطوير الخدمات، وتأهيل البنية التحتية، وكل ما يضمن الرفاه والازدهار لأبنائها، وأيضًا لعرض تقصير المسؤولين الفاشلين وإظهار تناقض شعاراتهم ووأهدافهم مع سلوكهم وأفعالهم.
ومن ثم لست محرجًا بأن أقول إنّ الفتات هو ما حازت عليه محافظات الجنوب في المدة السابقة، ولا أقصد فقط المدة من عام 1920 إلى عام 2003، بل وحتى بما بعد ذلك أيضًا وصولًا إلى هذا الوقت، وهذا ما يعرض مفارقة كبيرة، وذلك لما تمنحه هذه المحافظات من واردات تعد المصدر الأساس للدخل القومي للبلد، ولما في ذلك من تناقض مع حاجة هذه المحافظات للمشاريع الإعمارية والتطويرية، نظرًا لما تعانيه من التخلف و التأخر في الجوانب الإعمارية و الخدمية كالصحة والتربية والتعليم والكهرباء والبنى التحتية والجوانب الإستثمارية وما إلى ذلك.
ومن ثم يحق لي مثلما يحق لغيري أن يعد ذلك تقصيرًا لا سبيل لإنكاره أو تجاهله، ما يعرض تساؤلات عن أسباب ذلك، وهل هو نتاج لإهمال مقصود أم أنه من نتاج الفساد والتوزيع غير العادل للمشاريع الذي تفرضه المحاصصة والسجالات السياسية، بما في ذلك ما ينتج عن هذه السجالات من اتفاقات تكون المساومة حاضرة فيها فيأتي الميل دائمًا على الجنوب الخاصرة الضعيفة التي لا يوجد من يدافع عن حقوقها ولا من يتبنى مطالبها ويسعى لضمان حاجاتها كما يحصل مع المحافظات الأخرى.
أما الطرف المقصر فهي بلا شك القوى السياسية، وبالأخص القوى السياسية التي تمثل الجنوب، فضلًا عن ممثلي محافظات الجنوب في البرلمان والحكومة المركزية والحكومات المحلية للدورات كافة، لأنّ النظام البرلماني الذي تسير عليه العملية السياسية يفرض ذلك، فلا يمكن محاسبة من لا يمثل هذه المحافظات في البرلمان والحكومة باستثناء ما يخص عمل الوزارات والدوائر الحكومية التي يشمل عملها عموم البلد، ومع أن مراد هذا المقال هو إدانة التقصير والتعاطي غير العادل مع حقوق وحاجات محافظات الجنوب، إلا أنه ينشد أيضًا الإنصاف وضمان حقوقها وينشد أيضًا توعية الناس بحقوقهم وحثهم على المطالبة بها.