حينما ينهمر عليك عالم من الخيبات تنتقل إما إلى الفلسفة أو السخرية. تشارلي تشابلن
في السنوات الماضية، ظهرت العديد من البرامج الساخرة من الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وكانت بمثابة المتنفس للمشاهدين، بالأخص أولئلك الذين يمتلكون خشية التعبير عن آرائِهم بحرية. ومع تزايد الأوضاع دمويةً في العراق بعد احتلال تنظيم "داعش" الإرهابي لعدد من المدن العراقية، وقيام مجازِر وإبادات مثل مجزرة سبايكر، والإبادة بحق المكون الإيزيدي، رافق ذلك تفشي الفساد في المؤسسات الحكومية، وتنامي الفقر لدى شريحة واسعة من المجتمع مع تزايد أعداد العاطلين عن العمل من فئة الشباب، إضافة إلى تدهور الواقع التعليمي الذي شهد تراجعًا في المستوى العلمي للطلبة وتردي التعليم الحكومي المجاني، تزامن ذلك بظهور عدة برامج سياسية ساخرة في الساحة العراقية مثل (البشير شو، ولاية بطيخ، أحمد وحيد، النخبوي، محمد قاسم، برنامج مكص) وهذه البرامج قد سبقتها برامج النقد السياسي الساخر في الولايات المتحدة مثل برنامج جون ستيورات The Daliy Show. فضلًا عن ما سبق، فإن مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي صارت السخرية هي المتنفس الجديد للمواطن للتعبير عن رأيه، ظهرت برامج سياسية ساخرة عديدة لانتقاد الأوضاع السياسية والظواهر المجتمعية في الأنظمة التي شهدت تحولًا سياسيًا، أو في أوضاع ما بعد الثورات، وعلى رأسها برنامج (البرنامج) الذي يقدمه باسم يوسف في مصر، والذي بدأ عام 2011.
التلفزيون الذي يعرض البرامج الساخرة السياسية له تأثير أكبر على المشاهدين أكثر من أي نافذة أخرى
كان الهدف الأول من هذه المقالة هو تحليل تأثير البرامج الساخرة السياسية تم أخذ برنامجين هما، برنامج (البشير شو) وبرنامج (ولاية بطيخ) ومدى تأثيرهما على المتلقي العراقي، ومدى ارتباط العروض الساخرة على الوعي السياسي لدى فئة الشباب، ومعرفة مدى تأثير تلك العروض السياسية الساخرة حول سلوك التصويت بالنسبةِ للناخبين، كما تمت دراسة ما إذا كان ينظر المشاهدون إلى المعلومات المقدمة من خلال البرامج الساخرة السياسية على أنها ثقة تستحق أم لا، أما الهدف النهائي، هو معرفة ما إذا كانت للبرامج السياسية الساخرة أهمية كما صورتها لنا التظاهرات العراقية والتي ابتدأت منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر ولا تزال مستمرة حتى مطلع عام 2020.
اقرأ/ي أيضًا: النكتة السياسية في العراق.. صفعة على وجه الموت
بدايةً؛ التلفزيون الذي يعرض البرامج الساخرة السياسية له تأثير أكبر على المشاهدين أكثر من أي نافذة أخرى، فقد أجري مسح على 200 شاب تم اختيارهم عشوائيًا من العاصمة العراقية بغداد في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وتحديدًا في مقر التظاهرات العراقية الذي يقع في (ساحة التحرير)، أشارت النتائج إلى أن أي زيادة في العروض الساخرة السياسية سوف تزيد من مستوى التنشئة الاجتماعية السياسية والوعي السياسي، أو ربما سيكون لها نتائج عكسية إذا ما حملت تلك البرامج محتوى سيئ أو مقصودًا.
إن النتائج التي حصلنا عليها أوضحت أنه قد لا توجد علاقة مهمة بين مشاهدة البرامج الساخرة السياسية وسلوك التصويت، إذ قام برنامج (البشير شو) بالترويج إلى ضرورة الذهاب للانتخابات، وقد سمى (الحزب المدني الديمقراطي) باسمهِ، وأكد على ضرورة دعم تلك الأحزاب التي لا تمتلك غطاءً دينيًا للترويج. قد يكون هناك بعض العوامل المؤثرة الأخرى التي تحتويها تلك البرامج، وقد تؤثر على سلوك التصويت، لكن يجب أن تدرس في مزيد من المقالات. وجد الكاتب أيضًا أن مشاهدي البرامج السياسية الساخرة ليس لديهم ثقة كاملة في محتويات مثل هذه البرامج، أو أنها ليست جديرة بالثقة وليست ذات مصداقية، إلا أنهم يفضلون متابعتها لغرض الاستمتاع.
البرامج الساخرة السياسية في العراق
تلقت العروض السياسية الساخرة استجابة من المشاهدين، فمنذ عام 2014 ظهر برنامج (البشير شو) ليتناول تصريحات وقرارات المسؤولين العراقيين والتعليق عليها بطريقة ساخرة، أما عام 2015 فقد ظهر برنامج (ولاية بطيخ) ليتناول سوء الأوضاع السياسية ومستوى الفساد المتفشي، وتأثيره على المجتمع، وعلى حياة الفرد العراقي اليومية، كما تناول بطريقة ساخرة فساد الجهات الأمنية، أما مكاسب الشباب، فقد حاول البرنامج أن يؤثر على مستوى "المعرفة السياسية" من خلال مشاهدة مثل هذه البرامج الساخرة، وليكونوا على اطلاع بمجريات الأحداث أو مستويات الفساد داخل الوضع السياسي، وجد الباحث أن جمهور البرامج السياسية الساخرة أصغر من بقية برامج التلفزيون، وإن العروض الساخرة السياسية في وقت متأخر من الليل من نهاية الأسبوع لها تأثيرات عميقة على الارتباطات السياسية لدى الجماهير.
إن الشباب العراقيين هم أكثر تفاعلًا من غيرهم من الجمهور مع تلك البرامج (البشير شو) هم الأصغر سنًا فئة (16-28 عامًا) أما برنامج ولاية بطيخ، فإن مستوى العمر يترفع قليلًا ليصل الى سن الـ40 عامًا، ومن خلال الاستبيان الذي تم أخذه واستهدف عينة عشوائية من المتظاهرين داخل العاصمة العراقية بغداد وجد أن الشباب لديهم اهتمام في متابعة عروض سياسية ساخرة للحصول على مزيد من المعرفة السياسية، كما كان غالبيتهم لا يعرف شخصيات أخرى لم يتم تناولها في البرامج السياسية التي يتم ذكر الأشخاص بمسمياتهم (البشير شو). إذ تم سؤالهم عن شخصيات لوحظ أنها لم تُذكر في البرنامج، لم يتم التعرف عليها أو على منصبها السياسي. إن عدد متابعي ولاية بطيخ ـ الذين اشتركوا في القناة الرسمية للبرنامج على يوتيوب بلغ 8 مليون بواقع 12 مليون مشاهد كـحدٍ أقصى وصلت إليه إحدى الحلقات، أما برنامج البشير شو فبلغ عدد المشتركين على قناته في يوتيوب 4 مليون مشترك، أما أقصى عدد من المشاهدات لحلقات البرنامج فقد بلغ 12 مليون مشاهدة لإحدى الحلقات.
البرامج السياسية الساخرة والديمقراطية
منذ عام 2003، أزيح النظام الديكتاتوري في العراق، والذي كان يُمنع فيه تناول الرئيس أو لقبه أو نظام حكمه أو عائلته في أي من التعابير الساخرة، إذ كانت تنتقل النكات سرًا بين الناس وليس بشكلٍ علني. وفي الدستور العراقي الدائم 2005 تم منح مجموعة حريات جديدة للناس، كان أهمها المادة (38) والتي تضمن حرية التعبير عن الرأي، وهي مادة يتم وضعها في مقدمة برنامج (البشير شو) لمنح انطباع لدى المشاهد حول قانونية المحتوى الذي يتناوله.
عانى العراق في السنوات الماضية تحديدًا واضحًا لحرية التعبير، وثمة تصفيات عديدة قد طالت الصحفيين في السنوات الأخيرة، إذ وبحسب الإحصائيات التي أجراها مرصد الحريات الصحفية، فإنه منذ عام 2003، قد قتل 277 صحفيًا عراقيًا وأجنبيًا من العاملين في المجال الإعلامي، بضمنهم 164 صحفيًا و63 فنيًا ومساعدًا إعلاميا لقوا مصرعهم أثناء عملهم الصحفي. وقد شهدت الاحتجاجات العراقية الأخيرة تصفية النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بعد قيامهم بالتعبيرعن آرائِهم بخصوص أحد الشخصيات الدينية أو السياسية، كما يلف الغموض العديد من الاعتداءات التي تعرض لها صحفيون وفنيون لم يأت استهدافهم بسبب العمل الصحفي. كما تعرض 74 صحفيًا ومساعدًا إعلاميًا إلى الاختطاف، قتل أغلبهم وما زال مصير 14 مجهولًا. ولم يكشف القضاء ولا الجهات المعنية عن مرتكبي تلك الجرائم التي يتجاوز تصنيفها بكثير أي بلد آخر في العالم. إن النظام الديمقراطي يفترض أن الناس قد عرفوا فيه أنهم لا يمكن أن يكونوا شركاء في الحكم فقط من خلال عملية الانتخاب (اقتراع وترشح) إنما يجب أن يكونوا جزءًا اجتماعيًا سياسيًا مؤثرًا في المجتمع، وقابلًا للأخذ برأيه بشكل مباشر.
مهمة البرامج الساخرة هي التقليل من شأن الخوف أو التحدث بما لا يستطيع أن يتحدث به الناس ونقد من يتسبب بصناعة الخوف
تناولت البرامج الساخرة الوضع في العراق، والذي كانت فيه فسحة التعبير عن الرأي ضئيلة، إلى توظيف هذا الاحتقان على شاكلة (السخرية) ممن يُعتقد أنهم مسؤولون عن تلك التقييدات السياسية، يتابع الشباب البرامج الساخرة، لكونها قد ـ سخفت - الموت والخوف، إذ عانى العراقيون من الخوف وضرورة التستر على (تعبريهم) عن آرائهم لكونهم سيتعرضون أما للتهديد أو القتل، كانت مهمة هذه البرامج واضحة، إلا وهي "التقليل من شأن الخوف"، أو من شأن تلك الشخصيات التي تسبب الخوف والتقييد، وإطلاق العنان للسخرية منهم. كان البرنامج يمثل فسحة للضحك بالنسبة لـ80% من الشريحة المستهدفة للبحث، ويتابع 60% منهم برنامج البشير شو وولاية بطيخ لكونهما يتحدثان بما يخشى الشباب الكلام به، إضافة إلى اللغة البسيطة- العامية - التي يتم فيها تمرير المعلومات السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: "يسار السوشال ميديا" العراقي.. حدود اليأس على ضفاف السخرية
إن "الساخرين يسخرون من الأقوياء"، أو أنهم يتعرضون لتلك الشخصيات التي شاع ذكرها كـ"خط أحمر"، من الضروري تفادي الحديث بها، وتناول مسمياتها وتصريحاتها. يعتبر86% من الشريحة المستهدفة أن هذه البرامج هي إحدى مميزات الديمقراطية، لكون أن المواطن الذي أتى بشخص ما ليكون ممثلاً عنه -حكومة منتخبة- من الضروري أن يتتبع إنجازاته، أما إذا لم يقم بإنجاز شيء يصبح من الضروري الخروج عليه -روسو-. عمومًا؛ البرامج الساخرة تتناول حياة الشخصيات السياسية -العامة- من حيث مواقفها، إنجازاتها، تصريحاتها، جرائم الفساد المرتبطة بها، ولا تتناول الحياة الخاصة، تلك التي تمنحها الديمقراطية وتحاسب الاعتداء عليها.
متابعة النشرات الأخبارية VS البرامج السياسية الساخرة
في الاستبانة التي استهدفت 200 شاب\ة من المتظاهرين في وسط بغداد، اختار 78% منهم المعلومات الواردة في برنامج (البشير شو) كونها موثوقة وصحيحة، وهذا قد يكون صائبًا إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار أن البرامج الساخرة لا تختلق الظروف، إنما تقوم بتفخيمها فحسب. تم طرح (6) أسماء لزعماء سياسيين تصدوا للحكم بعد 2003 وكان لهم دورًا في رسم السياسة العراقية، إلا أنهم قد تضاءل دورهم في السنوات الخمس الماضية، لم يتم التعرف عليهم من قبل متابعي برنامج البشير شو بنسبة 82% من العينة المستهدفة، هذا يعني أن المتابع العادي لتلك البرامج يتلقى معلومات مباشرة منها، وكلما كان التركيز على شخصيات محددة، كلما كان الامتعاض منها واضحًا.
في سؤال حول متابعة نشرات الأخبار بشكل يومي، أو قراءة الصحف، أجاب 35% منهم بمتابعة نشرات الأخبار عبر التلفاز، و13% منهم حول قراءة الصحف اليومية. إن عدم متابعة الأخبار من مصادرها، قد تكون سببًا في تكوين رأي مطابق تمامًا لسياسة البرامج الساخرة، إذا اخذنا بنظر الاعتبار نسبة معرفة أسماء السياسيين الذي غاب ذكرهم في السنوات الماضية، والنسب المتعلقة بمتابعة نشرات الأخبار وقراءة الصحف اليومية، نستطيع الوصول إلى أن الشاب\ة ينتقي تلك الأخبار من البرامج الساخرة حصرًا.
اختلف الأمر في إحصائية أجراها الباحث على موقع "تويتر" حيث طرح تساؤلًا حول (ماهو مصدر معلوماتك السياسية؟) شارك فيه 438 شخصًا، وكانت النتيجة كالآتي:
- مصدر المعلومات السياسية هو موقع (تويتر وفيسبوك) 58%.
- مصدر المعلومات السياسية هو نشرات الأخبار 17%.
- مصدر المعلومات السياسية هو البرامج الساخرة (البشير شو) 7%.
- مصادر أخرى أو غير مهتم 18%.
نلاحظ النتائج أعلاه هي مصادر تلقي المتابع للمعلومة السياسية، بأن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك وتويتر"، هي المصادر الرئيسة لمعرفة ما يدور في الساحة السياسية، والتي لو تم ربطها بالنتائج الخاصة بالصفحات على مواقع التواصل والمحتوى (الحقيقي أو المزيف) الذي تتداوله، نرى أنها ذات تأثير كبير على المشاهد بغض النظر عن صحة المعلومة من عدمها. إذ يتم توظيف الصفحات الممولة، والصفحات التابعة لمدونين أو قنوات أو منصات إلكترونية للترويج لسياسة ما قد تكون موجودة، وقد تكون زائفة، ومن الصعوبة التأكد من أن الذين وصلت لهم المعلومة قد حاولوا التأكد من مصادرها، إذ يقوم الكثير من المتابعين في الغالب تداول الأخبار التي تتوافق مع توجهاتهم أو آرائِهم الشخصية.
السخرية في "فيسبوك" و"تويتر"
إشاعات، آراء شخصية، معلومات منقوصة مثل (الصور والفديوهات) البرامج السياسية الساخرة تقوم بذلك أيضًا من خلال انتقاء استضافة الضيوف، أو تناول تناقضاتهم وفسادهم. تم دراسة عينة صفحات على مواقع التواصل (فيسبوك وتويتر) تتميز بالآتي:
فيسبوك
صفحة على موقع فيسبوك عدد متابعيها أكثر من 10 آلاف تستخدم الـmemes أو صور الدعابة للسخرية من السياسيين. إذن، الأمر لا يرتبط فقط ببعض البرامج الساخرة التي تعرض على قنوات اليوتيوب أو التلفاز، إنما امتد الأمر ليشتمل تلك الصفحات التي تكون مجهولة المصدر، والتي تقوم بنشر محتوى ساخر من رجال الدين والسياسيين العراقيين، مستوى التفاعل معها متفاوت و80% ممن يتفاعلون مع تلك الصفحات لم يكونوا معروفين بأسماء حقيقية أو صور شخصية حقيقية.
تنشر هذه الصفحات إشاعات غالبًا إذ يتم تداول أخبار كاذبة، أو من مصادر غير رسمية، كأن يكون إعلان عطلة رسمية زائف، أو تقدم الجنود الأمريكيين في العراق، أو مقتل أحد الزعماء السياسيين، إذ تتشارك الـ200 صفحة من العينة المأخوذة بأنها تتداول أخبارًا ليست صحيحة، أو قديمة، كأن يتداول فيديو اعتداء أحد المسؤولين على عامة الناس، ويعود الفيديو لعامين ماضيين. تتميز هذه الصفحات بأنها غالبًا تستند إلى آراء شخصية أما بنشر آراء صحفيين أو رأي مالك الصفحة أي أنها تنتقي المعلومات المنشورة.
تويتر
تم أخذ 50 حسابًت شخصيًا يتعدى الـ10 آلاف متابع على موقع "تويتر" لم تكن لتلك الحسابات شخصية واقعية، إذ تميزت باسم مستعار وصورة- ذات الأمر مع صفحات الفيسوك - كانت 70% من تلك الحسابات بأسماء نساء، تتفاعل تلك الحسابات مع المحتوى الذي يفضح - على حد تعبير الباحث - الحكومة العراقية أو يتداول قضية فساد، أو فضيحة لأحد المسؤولين، ومن الملاحظ أن تلك الحسابات تتفاعل مع المحتويات التالية، والتي يمكن تقسيمها إلى محورين (25 حساب للمحور الأول) (25 حساب للمحور الثاني):
المحور الأول:
- شتم جمهورية إيران الإسلامية ورجال الدين وبعض الزعماء السياسيين في العراق.
- التفاعل مع الحسابات التابعة لبرنامج (البشير شو)
- استخدام الهاشتاك المرتبط بالتظاهرات العراقية.
- تداول الفيديوهات التي توثق اعتداء القوات الأمنية والمجاميع المسلحة على المتظاهرين.
ومن الملاحظة بأن تلك الحسابات كانت نشطة في التواريخ التي تم فيها حجب شبكة الإنترنت في عموم العراق- عدا إقليم كردستان - ويمكن استنتاج أمرين: أما أنها تعود لأحد الجهات السياسية والتي كانت تستطيع الوصول إلى شبكة الإنترنت إبان حجبه داخل العراق، أو أنها تدار من قبل شخصيات تسكن أما في إقليم كردستان أو خارج حدود العراق.
المحور الثاني:
- تتفاعل مع المحتوى الذي يؤيد (الحشد الشعبي) .
- تقوم بنشر محتويات تظهر مظلومية القوات الأمنية واعتداء المتظاهرين عليها.
- تتداول الهاشتاك الذي يدعو إلى إنهاء التظاهرات في العراق أو لتحييدها.
- تتفاعل تلك الحسابات مع بعضها مثل الحسابات المذكورة في المحور الأول.
ولوحظ أن 40% من تلك الحسابات لم تكن نشطة في الوقت الذي تم فيه حجب الإنترنت في عموم العراق -عدا إقليم كردستان- ويمكن استنتاج أن تلك الحسابات تعود لشخصيات تعيش داخل الحدود العراقية.
وفي استبيان أجراه الباحث على منصة (تويتر) وهي المنصة التي ينشط فيها البرنامجان، (البشير شو) (ولاية بطيخ) حيث تم طرح السؤ ال التالي: أي من البرامج التالية تفضل متابعتها؟ شارك في الإحصائية 1367 شخصًا، وكانت النتائج كالتالي:
- برنامج البشير شو 46%
- برنامج ولاية بطيخ 18%
- لا يشاهد أي برنامج منها 36%
ومن خلال الإحصائية أعلاه، تم العثور على برنامج سياسي ساخر يدعى (مكص) يعرض أسبوعيًا على إحدى القنوات العراقية. حيث صوت عددًا من الذين (لا يشاهد أي برنامج منها) لصالحه.
وفق المعطيات أعلاه نستطيع استنتاج الآتي:
- إن متابعي برنامج البشير شو هم الأكثر استخدامًا لمنصة تويتر.
- المشاهدات على موقع (يوتيوب) والتي تم ذكرها في بداية المقال ترجح الكفة لصالح برنامج ولاية بطيخ ليكون هو الأعلى مشاهدة من بين البرامج الساخرة على الساحة العراقية.
سلوك التصويت
من خلال تتبع الأثر الذي تشكله البرامج السياسية الساخرة في العراق على سلوك الناخبين في الانتخابات التي جرت عام 2018، يمكننا متابعة تصريحات برامج (البشير شو، ولاية بطيخ) قبل الانتخابات.
البشير شو
ظهر أحمد البشير، مقدم برنامج (البشير شو) في لقاء على قناة سامراء في تاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2017 متحدثًا عن رأيه في الانتخابات البرلمانية القادمة، فيما أبدى في اللقاء أنه يؤيد الذهاب إلى الاقتراع بل يراه ضروريًا، وعبر عن دعمه للأحزاب المدنية (التحالف المدني الديمقراطي) كما أنه سيمنح صوته لتلك القائمة.
ولاية بطيخ
فيما ظهر علي فاضل، مخرج ومقدم برنامج (ولاية بطيخ) على قناة سامراء في لقاء تلفزيوني في 23 تشرين الثاني/نوفمبر ليعبر عن التزامه الحياد بشأن الانتخابات القادمة، وعدم تأييده أيةِ كتلة أو حزب معين، كذلك ركز على أن انتقاد جهة سياسية من شأنه أن يرغم البرنامج على انتقاد الآخرين لكونهم شركاء في ذات العملية السياسية، كما صرح بأن الحلقات التي ستسبق الانتخابات التي جرت عام 2018 ستكون (توعوية) وتوجيهية للناخب العراقي. كذلك ظهر (غسان إسماعيل) أحد أبطال برنامج ولاية بطيخ في تقرير أعدته قناة (الحدق) حول تأثير برامج النقد السياسي على سلوك الناخبين في التصويت، عبر غسان إسماعيل عن أهمية الذهاب إلى الانتخابات لكون أن المقاطعة قد يتم استغلالها لصالح جهات معينة.
تحليل
في تتبع لحلقات برنامج (البشير شو) قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أيار/مايو 2018، فقد كان للبرنامج هدفًا وهو توجيه الناخبين لمنح أصواتهم للأحزاب المدنية التي يمكن اعتبارها الخطوة الأولى التي يتم فيها التخلص من هيمنة الأحزاب الإسلامية في العراق، كان بإمكاننا ملاحظة تأثير برنامج البشير شو على سلوك الناخبين، من خلال تتبع نسبة الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، كانت الانتخابات السابقة هي الأدنى في نسبة المقترعين، إذ كان المعلن هو 37% لكنه في الحقيقة قد يبدو أقل بحسب بعض المصادر، إذ كان عزوف الناخبين عن الذهاب للانتخابات واضحًا، كما أن التحالف الذي ساهم أحمد البشير بالترويج لأهمية انتخابه، فقد لاقى ضربة قاضية، مجموع ما حصلت عليه قائمة التحالف المدني الديمقراطي (33) ألف صوت في بغداد مثلًا، وقد أهل القائمة للحصول على مقعد نيابي واحد عن محافظة بغداد، إضافة إلى مقعدين آخرين، لتكون بذلك الأحزاب المدنية حصلت على (3) مقاعد فقط في الانتخابات الأخيرة رغم احتوائها على شخصيات كفوءة وأكاديمية معروفة. إذ لم يكن لبرنامج البشير شو تأثيرًا واضحًا على سلوك الناخبين، لكن يبدو أكثر تأثيرًا من خلال فضح فساد الطبقة الحاكمة، والذي تُرجم على أساس عدم رغبة الناخبين في الإدلاء بأصواتِهم.
البرامج الساخرة تتناول حياة الشخصيات السياسية -العامة- من حيث مواقفها، إنجازاتها، تصريحاتها، جرائم الفساد المرتبطة بها، ولا تتناول الحياة الخاصة
أما برنامج ولاية بطيخ، فيمكن استنتاج تحفيزه للمقاطعة الانتخابية التي تم الترويج لها من خلال إظهار فساد الطبقة الحاكمة كلها، وزيادة السخرية من السياسيين، ونهج حياتهم المترف الذي ينتهجونه، إذ حفز برنامج ولاية بطيخ، والذي يحظى بأكبر عدد مشاهدة بين البرامج السياسية الساخرة ببغض للسياسيين وزيادة السخط حول وجودهم، لم تؤثر دعوات بعض شخوص البرنامج للانتخابات بسلوك الناخبين، والذي كان يدعوهم للذهاب للانتخابات، وعدم فسح المجال نحو وصول شخوص لا يمكن الوثوق بهم من خلال تكتل المقترعين لديهم، لذا يمكننا ملاحظة أن محتوى كِلا البرنامجين قد حفز على مقاطعة الانتخابات بصورة غير مباشرة قد لم تكن مقصودة من قبل القائمين عليها.
ولاية بطيخ والإساءةِ للجهات الأمنية
يحتوي برنامج ولاية بطيخ على عدد من العروض في الحلقة الواحدة، يتناول فيها قضايا اجتماعية وسياسية بطريقة ساخرة، وأحد هذه العروض هو عرض الضابط (كامل مفيد)، شخصية رجل الأمن الفاسد، الذي يتناوله المخرج بطريقة مضحكة حول فساد الجهات الأمنية، وطرق التحايل التي يتبعها لاستحصال أموالًا من الناس، وكذلك يتناول الفساد الموجود في مراكز الشرطة، والتي هي على احتكاك مباشر مع المواطنين، وتعتبر مشاهد عرض الجزء الخاص بـ"كامل مفيد" هي الأعلى مشاهدة من بين عروض ولاية بطيخ، ويتم تداول المحتوى الذي يتم عرضه بها، كالكلمات المميزة، أو التعابير الساخرة، كـ"ترند" متداول على مواقع التواصل، في خضم تلك السخرية، يعاني العراق من تشظي القرار الأمني في مؤسساته، ومن سيطرة بعض القوات المسلحة غير النظامية (الميليشيات) على الوضع الأمني، إضافة إلى قلّة الثقة في أداء القوات الأمنية إذ يلجأ العديد من الناس إلى العشائر لفض النزاعات بدلًا من اللجوء إلى مراكز الشرطة أن مساهمة هذه البرامج من خلال الكوميديا السوداء التي تتبعها لنقد الواقع المرتبط بالجهات الأمنية قد يبدو مضحكًا وواقعيًا، لكنه قد يرتبط بآثار كارثية على المدى المتوسط، إذ أنه يقلل من احترام القوات الأمنية، وتكوين عقلًا جمعيًا بأن كل رجل أمن قد يكون فاسدًا بالضرورة، إضافة إلى السخرية المتداولة من شخصية رجل الأمن ومظهره، وربطها بشخصية "كامل مفيد"، البلد يمر في مرحلة تحول كبرى نحو حفظ النظام الديمقراطي، مع إبقاء القوات الأمنية هيبتها، إذ أن عدم احترام الناس لهم قد يهدد بمزيد من الفوضى إلى جانب السلاح المنفلت، لذا نحن نعتقد بأنه قد ساهمت هذه العروض في زيادة سخط الناس من الجهات الأمنية، وعدم الامتثال للقوانين، على الرغم من اعتقادنا بأنه هنالك مراحل متقدمة من الفساد قد وصلت إليها الأجهزة الأمنية في الواقع مما حفز بالضرورة تلك البرامج على تناولها، إذ أنها لم تأت بشيء غير موجود.
الترويج للبذاءة والبشير شو
كما ذكرنا، يتناول برنامج (البشير شو) نقد المواقف السياسية والتصريحات التي تأتي من السياسيين في مقابلاتهم التلفزيونية أو في المؤتمرات واللقاءات المصورة بطريقة ساخرة، إضافة إلى فضح التناقضات التي يتمسك بها السياسيون الموجودون، ركز برنامج البشير شو على تناول المحتوى الموجود ليس بطريقة ساخرة فحسب، إنما بطريقة "بذيئة"، إذ يتم حجب الكلمات البذيئة في البرنامج، ويتم تناول كلمات أخرى بشكل مقارب للكلمة الحقيقية، سخر البشير شو عدد المتابعين الكثيرين من الفئة الشابة في تناول المحتوى البذيء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل وعبر الممارسات اليومية، كان يبدو كافيًا في السنوات السابقة أن يسخر أحمد البشير مقدم البرنامج من التصريحات التي تصدر عن السياسيين بشكل مضحك، لكنه بات في العامين المنصرمين أكثر استخدامًا للتعابير الجنسية والإيحاءات، والتي ربما استخدمها لجذب أكثر عددًا من المشاهدين، وشرعنة السخرية بكل مستوياتها من أي شخص يشارك في العملية السياسية، يبدو لبرنامج البشير شو مهنية واضحة بعدم تناول الحياة الشخصية للسياسيين، وهذا أمر قد يحتسب له، إلا أن تناول التصريحات على شاكلة الشتائم، والتعابير الجنسية، من شأنه أن يروج لانحدار أخلاقي قد لا يكون مقصودًا من قبل كادر البرنامج.
خاتمة
إن البرامج السياسية الساخرة، أو برامج النقد السياسي، أو الكوميديا السوداء، جميعها ذات هدف واحد، وهو تغيير (الأفكار) والقناعات التي تفشل الحوادث الدموية، والإرهابية، والمأساة الاقتصادية في تغييرها. إن استخدام اللغة البسيطة -العامية- والتعابيرشائعة الاستخدام من شأنه ألا يحدث تغييرًا ملموسًا على أرض الواقع، إلا أنه قد يساهم بتغيير قناعات عديدة قد تحدث أثرًا ملموسًا على أرض الواقع.
اقرأ/ي أيضًا: