دخل السياسيون السُنة إلى العملية السياسية بعد 2003 باستحياء كبير، وقاطع الفاعلون السياسيون بالإضافة إلى الجماهير الانتخابات البرلمانية والمحلية، حتى جاءت الانتخابات النيابية عام 2010 لتوحّد العديد من القوى السُنية في "ائتلاف العراقية" بزعامة أيّاد علاوي، والذي حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات بـ 91 مقعدًا، متقدمًا على زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي؛ لكن "العراقية" فشل في الحصول على رئاسة الوزراء، بعد شهور من تعطّل تشكيل الحكومة، إذ حسم قرار المحكمة الاتحادية باعتبار الكتلة الأكبر هي الكتلة المُشكّلة داخل مجلس النواب، وليست الفائزة في الانتخابات، ليتحلل الائتلاف ويتشظى معه السياسيون السُنة، حتى تراجعوا في انتخابات 2014، وحدثت نكسة سقوط المحافظات بيد تنظيم "داعش" لتُفجّر مشكلات عديدة في صفوفهم.
دخلت قوائم سُنية متفرقة إلى انتخابات 2018، ثم انقسمت بعد ذلك بين تحالفي الإصلاح (بقيادة سائرون) والبناء (بقيادة الفتح)
بعد التحرير، دخلت العملية السياسية منعطفًا آخر، خاصةً بعد دخول شخصيات كانت مُتهمة بالإرهاب إلى العراق، ومشاركتها الفاعلة في المشهد السياسي. لكن جبهة واسعة كالتي حدثت في 2010 لم تحدث، إذ دخلت قوائم سُنية متفرقة إلى انتخابات 2018، ثم انقسمت بعد ذلك بين تحالفي الإصلاح (بقيادة سائرون) والبناء (بقيادة الفتح)، وانتقل نواب كُثر من أحزاب منضوية في الإصلاح إلى أحزاب في تحالف البناء، يقول سُنة الإصلاح إن انتقال أولئك جاء نتيجة "شراء ذمم"، كما اتهمت ذات الجهات عملية التصويت على محمد الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان بـ"التزوير" وشراء الأصوات. يؤكد ذلك القيادي في تحالف القرار الذي بقي في "الإصلاح" طلال الزوبعي، وقد جرى سحب الثقة منه بقرار من الحلبوسي وصفه الأول بالتصفية السياسية والانتقام من الخصوم.
اقرأ/ي أيضًا: إشكالية إعادة السنة إلى منظومة الحكم عراقيًا
بعد الانتهاء من تسمية الكابينة الوزارية عدا وزارة التربية، لم يعد تحالفا الإصلاح والبناء متماسكيّن كما كانا عشية تشكيل الحكومة، وأبرز مصاديق "تقهقر" التحالفين هو انسحاب الحكيم إلى المعارضة وخروج محمد الكربولي من البناء.
لكن العودة إلى التكتلات الطائفية لم يحمل معه تكتلًا واحدًا، إذ توزعت "الزعامات" وتفرقت إلى جبهات: أسامة النجيفي وصالح المطلك ومن معهم في جبهة، ايّاد علاوي ومن معه جبهة، ورئيس البرلمان السابق سليم الجبوري في جبهة، محمد الحلبوسي وأحمد الجبوري (أبو مازن) وخميس الخنجر وعدد من النواب في جهة، قبل أن ينشأ خلاف ظاهر بين الخنجر وما سُمي أخيرًا بتحالف القوى العراقية، ربما سببه مرشحي الخنجر لوزارة التربية الذين سقطوا تباعًا في التصويت.
يقول أحد نواب التحالف بضرس قاطع: "لا يلتقي تحالف القوى (بزعامة الحلبوسي) مع خميس الخنجر لا في السماء ولا في الأرض".
بهدف تكوين تجمع كبير، كشف ذات النائب، عبد الله الخربيط، عن "عزم الأحزاب المنضوية في تحالف القوى، والتي تضم 41 نائبًا في البرلمان، تشكيل حزب واحد برئاسة محمد الحلبوسي".
بات صراع "زعامة المكون" على أُشده، حيث يعتزم عدد من النواب الشباب المضي في قيادة المشهد السني بعيدًا عن الأسماء التي تصدرت ذلك المشهد طيلة السنوات السابقة
يشدد الخربيط في تصريح تلفزيوني تابعه "ألترا عراق"، على "مسعى تحالف القوى لإقصاء الأسماء (البائسة) بالإنجازات التي سيحققها كالتي حققها الحلبوسي في الأنبار"، واصفًا النجيفي والمطلك بـ"الزعامات النكرة" التي جاءت بعد 2003.
تأكيدًا لحالة الصراع الشديد بين الأطراف السُنية المذكورة، يقول المتحدث باسم تحالف القوى فالح العيساوي إن "أسامة النجيفي وصالح المطلك والكثير من القيادات القديمة فقدت تأثيرها في الأوساط السنية"، مبينًا أن الدليل على ذلك هو "عدم تفاعل الشارع معهم".
اقرأ/ي أيضًا: قراءة في مشهد التحالفات: نشازٌ لن يدوم
يمضي العيساوي بالقول: "تحالف القوى هو الممثل الحقيقي للمكون السني، والشعب هو جعل الحلبوسي زعيمًا للعراق كله، وليس للسنة".
بات صراع "زعامة المكون" على أُشده في الأيام الماضية، يعتزم عدد من النواب الشباب المضي قدمًا في قيادة المشهد السني بعيدًا عن الأسماء التي تصدرت ذلك المشهد طيلة السنوات السابقة. وصار حديث النواب السُنة في وسائل الإعلام يُحاسِب بأثرٍ رجعي ما قدمته البرلمانات السابقة ورؤسائها السُنة، فيشدد فريق الحلبوسي على أفضليته في قيادة البرلمان، فيما يعتبر المعسكر الآخر أن رئاسة مجلس النواب الحالية "ضعيفة"، ويذهب آخرون، كمشعان الجبوري المتموضع مع أسامة النجيفي مؤخرًا، إلى أن الأطراف الشيعية هي من فسحت المجال لشخصيات سنية "ضعيفة وفاسدة" لتبوء المناصب الكبيرة.
ويبدو أن عملية سحب النواب من كتل هذه الأسماء القديمة يجري على قدمٍ وساقٍ، ولم يتوقف بمجرد تشكيل تحالف البناء وتنصيب الحلبوسي رئيسًا للبرلمان. وأظهرت وثيقة صادرة في 3 أيلول/سبتمبر، إعلانًا من 6 نواب موجّهًا إلى رئاسة البرلمان، يقضي بانسحابهم من حزب التجمع المدني للإصلاح الذي يرأسه سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب السابق، وهم كل من زياد الجنابي، يحيى المحمدي، صفاء الغانم، عائشة المساري، زيتون الدليمي، وسميعة غلاب.
وإذا يؤكد النائب السابق كامل الغريري أن موضوع الانسحابات ليس جديدًا، يُرجح أن يكون انسحاب النواب الستة من حزب سليم الجبوري إما "بضغط من زعماء كتل سياسية طيلة سنة كاملة من عمر مجلس النواب، أو أن وراءه مصالح شخصية"، مبينًا في حديث لـ "ألترا عراق" أن "لو كان سليم الجبوري رئيسًا للبرلمان لما انسحب هؤلاء النواب من تجمّعه".
كامل الغريري: هناك حملة لإسقاط زعامات ورؤوس كبيرة في الكتل السنية عبر سحب النواب من كتلهم
يوجه الغريري كلامه للنواب المنسحبين: "إما أن تكونوا نوابًا مستقلين، وهذا شرف لكم وفخر، أو أن تذهبوا مع كتل سياسية لا توجد لديها مصالح ووزارات ومناصب تنفيذية، أو أن تنضمّوا إلى كتل سياسية متنفذة ولديها وزارات".
اقرأ/ي أيضًا: الأنبار و"صراع الزعامات".. الإسلامي "يسقط" في مبارزة بين الحلبوسي والخنجر!
يتابع الغريري: "الأمر متروك للنواب، والشارع سوف يحكم على خيارهم. يجب أن لا يُباعَوا ويُشتَرَوا بهذه الطريقة".
منذ انسحاب برلمانيين من كتلهم التي فازوا معها في انتخابات 2018، جرى الحديث عن شراء ذمم بعضهم بهدف ضمّهم إلى تحالف البناء. يقول مصدر نيابي لـ"ألترا عراق"، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب سياسية، إن "النواب الذين بقوا خارج دائرة الحلبوسي و(أبو مازن) لا يستطيعون حتى الدخول إلى الوزارات بصفتهم نوابًا، ولم يُمنَحوا أية امتيازات أو مناصب أو درجات وظيفية كحصص في الجهاز التنفيذي".
يُضيف المصدر: "هذه العملية مقصودة بهدف إفراغ الكتل المُنافِسة من النواب، ولا يتعلق الأمر في الداخل فقط، بل هناك دَفعٌ من خارج البلاد لإقصاء بعض الشخصيات السنية".
وفي سياق حرب الزعامات والانقسام السني الذي أخذ منحى الانسحابات منذ البداية، يقول كامل الغريري لـ "ألترا عراق" إن "هناك حملة لإسقاط زعامات ورؤوس كبيرة في الكتل السنية عبر سحب النواب من كتلهم"، مشيرًا إلى أن "رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ومن معه يحاولون ضرب الزعامات السنية بشتى الطرق، ومنها عملية سحب النواب".
كامل الغريري: رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ومن معه يحاولون ضرب الزعامات السنية بشتى الطرق، ومنها عملية سحب النواب
على الجانب الآخر، ترى أطراف تحالف القوى أن القيادات السابقة فشلت في حماية المناطق السُنية وإعمارها، وتسببت بسقوطها بيد تنظيم داعش، فيما تبقى القيادات القديمة على موقفها: المال السياسي هو من يحسم المعارك.
اقرأ/ي أيضًا:
سباق الدعاوى ينتهي بفوز الحلبوسي على الزوبعي.. هل تعود الحصانة بـ"التسوية"؟
لصاحبها "أبو مازن".. الصناعة: وزارة للإيجار وإنتاج "ذاتي" من الصين!