أعاد انتشار خبر انتحار فتاة تعمل في إحدى "الملاهي الليلية" والبالغة من العمر 17 ربيعًا، الضوء على استغلال فتيات صغيرات في العمر للعمل بأماكن السهر، بالتزامن مع انتشار مقاطع مصوّرة صادمة توضح حقيقة وجود راقصات تحت السن القانوني يعملن في نواد ليلية ببغداد وإقليم كردستان، وعلى الرغم من حدوث ضجة إعلامية وامتعاض شعبي، إلا أنّ الجهات المسؤولة لم تحرك ساكنًا، وفقًا لعديدين.
قانون منع عمالة الأطفال
وتنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين "الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل"، أو حتى إيقاف النشاط.
بعض أصحاب المهن يشغّلون الأطفال بعمل يصل إلى 10 ساعات في اليوم الواحد
وبحسب قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصًا لا يعي حقه -كالأطفال- بالسجن أو الغرامة المالية، حيث أنّ قانون العمل 37 لعام 2015 الأخير، منع تشغيل الأطفال دون سن 15 عامًا، وحصر السماح بتشغيل من هم بين 15 و18 وفق شروط ورقابة وفي مهن محددة،وقد حدّد القانون عقوبة على أصحاب العمل إذا تم خرق القانون، إلا أنه قانون غير منفذ في العراق، بل على العكس، يشخص نشطاء ظاهرة أن الأطفال والأحداث هم أكثر الفئات عملًا في أماكن السهر والتسول وأعمال البناء وغيرها، فضلًا عن تجوّل الأطفال في شوارع بغداد بعد منتصف الليل لبيع الورد والمناديل الورقية وقناني الماء وعلى مرأى من القوات الأمنية.
وفي وقت سابق، كشف العديد من البرلمانيين في مجلس النواب، فضلًا عن منظمات ونشطاء عن وجود مستثمرين يقومون بدفع الأتاوات إلى جماعات مسلحة بهدف حمايتها والموافقة على "استمرار عملها في الملاهي والنوادي الليلية وصالات القمار وعصابات الاتجار بالأطفال من خلال ظاهرة التسول"، في ظل غياب الرقابة وفرص العمل الحكومية، وكذلك التفكك الأسري والبيئة الحاضنة جراء الحروب والأزمات المستمرة في العراق، بحسب مختصين.
الفساد يقف عائقًا أمام التطبيق
وعن تفشي ظاهرة عمالة الأطفال واستغلال أعمارهم الصغيرة، ترجع المحامية والمدافعة عن حقوق النساء، أروى العامري، أسبابه إلى سوء الوضع الأمني والاقتصادي في العراق وعدم السيطرة على قطاع العمل حكوميًا ونقابيًا، حيث "وجد الثلث تقريبًا من أطفال العراق أنفسهم أما دون آباء في وقت مبكر أو معيلين ومسؤولين عن بيت وأسرة، مما أبعدهم أيضًا عن أبسط حقوقهم وأهمها التعليم".
وبشأن محاولات حل الأمر قانونيًا، تقول العامري لـ"ألترا عراق"، إنّ
"القضاء سلطة مستقلة غير مسؤولة عن تشريع القوانين بل تنفيذها في حال حُركت دعوى قضائية ضد أرباب العمل المنتهكين لقوانين العمل والذين يشغلون في مصانعهم ومشاريعهم أطفالًا دون السن القانوني وبأجور شحيحة وساعات عمل تصل لـ10 ساعات في اليوم الواحد".واعتبرت العامري أنّ "هيكلية الفساد في آلية سير عمل تنفيذ القوانين واللجان المختصة التي من المفترض أن تكون مشتركة بين نقابة العمال ووزارة العمل واتحاد الصناعات، وتقاعسها في أداء مهامها بالبحث والرقابة سبب أولي ومباشر، مبينةً أنّ هذا "مما يمنح الاستفادة لجهات متنفذة ومستثمرين وشخصيات سياسية من خلال ضعف دور الرقابة في هذه اللجان، كذلك عدم اهتمام نواب برلمان الشعب من طرح مشاكل حقيقية وعدم تمرير واقتراح قوانين تهم فعلًا الطفل والأسرة والمجتمع والتشديد على دور التنفيذ والرقابة".
التفكك الأسري والحروب من أسباب الاتجار بالأطفال
ومن أهم الأسباب التي تدفع القاصرات للعمل هو "التفكك الأسري"، وفقًا لرئيس منظمة آيسن لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، أنسام سلمان، والتي تضيف إلى ذلك: "متاجرة الوالدين بأطفالهم، ناهيك عن تأثير الحروب المتتالية ومخلفاتها على طبيعة المجتمع مما سبب حدوث الكثير من حالات الانتحار والهروب لأسباب عديدة منها العنف وتزويج القاصرات، مما يدفعهم للهروب من منازلهم والعمل بأماكن مشبوهة، ما يؤدي إلى أن يكونوا ضحايا الاتجار بالبشر، والذي يعتبر من أكثر أنواع التجارة ربحًا في العديد من الدول النائية لغياب سيادة القانون".
وتقول سلمان لـ"ألترا عراق"، إنّ "الأهل يلعبون الدور الأكبر والأهم في هذا الضياع نتيجة صراعاتهم، مما يجعل الأطفال ضحية لهذه الدوامة، مضيفةً "في السنوات الأخيرة أصبح استغلال النساء بعمر صغير وبالأخص المطلقات والأرامل بعمر صغير واللائي يفتقدن شروط العيش الكريم من قبل ضعفاء النفوس وإغرائهم بالمبالغ المالية الطائلة وحياة أفضل، وبذلك يفقدون حياتهم وخصوصيتهم ويصبح من الصعب تكوين الأسر السوية في المجتمع، ولا ننسى دور وسائل التواصل الاجتماعي في ممارسة المزيد من الضغوط لحياة مليئة بالرفاهية والمثالية".
تأثير انتحاري على المراهقات
والمخاطر النفسية التي تتعرض لها الفتاة في عمر المراهقة حساسة جدًا، بحسب أستاذة الفلسفة السياسية، رفقة رعد خليل، والتي تؤكد أنها "تبدأ من فقدان الثقة بالنفس إلى اضطرابات القلق واضطرابات النوم والاكتئاب، لتصل إلى اتخاذ سلوك انتحاري في الحالات المتقدمة".
وترجع خليل ذلك إلى عدة أسباب تبدأ من التعرض للعنف بكل أشكاله إلى التهميش والنبذ وقلة الاهتمام، مستدركةً "لكن هناك اضرابات أخرى تتعلق بتشكيل الهوية، وغياب كل إرادة حرة للفتاة، و فقدانها لكيانها كإنسان له الحق في العيش برفاهية، على الأقل رفاهية أن يختار ما يريد".
ولا يمكن الاعتماد على القانون فقط لحماية الفتيات، بحسب خليل والتي تتحدث عن "دور مجتمعي على المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يتبنوه لتسليط الضوء أكبر على ما يجري حولنا من استغلال وتجارة بالفتيات، مبينةً "علينا أيضًا زيادة وعي النساء الأمهات في فكرة الأنجاب وتحمل مسؤولية الأطفال، فما تتعرض له الفتاة اليوم له علاقة كبيرة بغياب الأم والأب، وتنصلهم من مسؤولية التربية والإعالة، مضيفةً "نحن نعلم أن الحياة في العراق صعبة جدًا على من يمتلك الوعي والخبرة الحياتية الكافية، وبالتأكيد هي أصعب على فتيات لم يتجاوز أعمارهن الثامنة عشر، تجد نفسها فجأة معيلة لعائلة أو تابعة لجهة تطالبها ببيع جسدها كاستثمار".