على جدول أعمال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى العاصمة بغداد، يتصدر ملف الحدود المائية بين العراق وإيران المستند إلى اتفاقية العام 1975، ضمن جملة قضايا يسعى الوفد الإيراني إلى مناقشات جديدة بشأنها.
الوزير الإيراني تحدث في المؤتمر الصحافي المشترك، الأربعاء 22 شباط/فبراير، عن "وثيقة شاملة لتعاون استراتيجي بين العراق وإيران"، من المتوقع أن تبت فيها اللجنة العليا المشتركة بين البلدين.
"خط التالوك"
عبداللهيان أشار إلى أنّ ملف الحدود المائية يقع في صلب "مباحثات تطوير العلاقات"، خاصة بما يتعلق باتفاقية العام 1975، مبينًا أنّ الجانبين أكّدا خلال المباحثات الأخيرة على قضية "إعادة رسم خط التالوك" في شط العرب الذي تطلق عليه إيران اسم "نهر أروند".
كشف الوزير الإيراني عن تحرك أولي بشأن ملف الحدود العراقية - الإيرانية في شط العرب
و"خط التالوك" هو اصطلاح يستخدم في القانون الدولي لترسيم الحدود بين دول يفصل بينها مجرى مائي، في إشارة إلى أعمق نقطة في المجرى، بشكل يسمح لطرفي الحدود بالملاحة.
"شرارة الحرب"
في قضية شط العرب يبدو الملف شائكًا وحساسًا، خاصة في ظل التحولات التي شهدها العراق على مدار العقدين الماضيين، وتصاعد المخاوف من "التوسع الإيراني" في ظل النفوذ الكبير لطهران.
وتعد القضية من بين أبرز الأسباب التي دفعت النظام السابق إلى خوض حرب الخليج الأولى ضد إيران عام 1980، بعد أن ألغى اتفاقية الجزائر التي تحدث عنها وزير الخارجية الإيراني.
قبل ذلك الاتفاق الذي جرى عام 1975، حيث وقع صدام حسين بموجبه تنازلاً عن نصف شط العرب، شهد الملف نزاعًا تاريخيًا، حسم لأول مرة عام 1913، حيث جرى اتفاق بين طهران والسلطات العثمانية وفق مبدأ خط القعر "التالوك"، وهو ما تعتبره إيران من جانبها الحدود الرسمية.
وفي عام 1937 جرت اتفاقية أخرى بين إيران والعراق اعتبرت شط العرب "نهرًا عراقيًا"، ورسمت الحدود عن ضفته المحاذية للأراضي الإيرانية، كما حددت قطعة معينة من شط العرب بعيدة عن خط القعر كحدود مائية بين الجارين.
لم يتوقف الجدل بشأن شط العرب رغم ذلك، حيث رفضت الحكومات الإيرانية بعدها الاتفاقية، فيما أعلن العراق عام 1969 عدم الاعتراف بفكرة خط القعر، مؤكدًا أنّ "شط العرب كاملاً هو مياه عراقية".
الخلاف بين العراق وإيران حول شط العرب تاريخي فيما عقدت أول اتفاقية حديثة قبل أكثر من 100 عام
وفي ذات السياق، ألغى رئيس النظام السابق صدام حسين عام 1980 اتفاقية الجزائر من طرف واحد، بعد سقوط حكم الشاه ووصول نظام ولاية الفقيه بقيادة روح الله الخميني.
الاتفاق كان يهدف في حينه، وفق مختصين، إلى كسب دعم إيران في مواجهة التمرد الكردي بقيادة مصطفى بارزاني آنذاك.
وتنص الاتفاقية في أبرز بنودها على إجراء تخطيط نهائي لحدود الدولتين البرية "بناءً على برتوكول القسطنطينية عام 1913، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لسنة 1914".
الاتفاقية التي منحت إيران مجالات حدودية واسعة، كانت من بين الأسباب الرئيسية للحرب العراقية الإيرانية، حيث وجد النظام السابق في المشاكل الحدودية آنذاك، فرصة مواتية لإعلان إلغاء الاتفاقية "المخالفة للدستور"، وتحشيد قوات عسكرية على الحدود مع إيران.
انحراف المسار!
في السنوات القليلة الماضية عاد الجدل بشأن الحدود المائية بين العراق وإيران إلى الواجهة، في ظل انحراف لمسار النهر نحو الأراضي العراقية.
وتشير البيانات المتعلقة بمسار شط العرب إلى تحرك خط القعر بشكل مستمر باتجاه الأراضي العراقية إثر انحراف المجرى عند منطقة المصب بزاوية حادة باتجاه خور عبد الله، ما يعني تكون أراض رسوبية جديدة على الجانب الإيراني، مقابل انجراف أراض عراقية، وفق عضو المركز البحري العراقي عامر عدنان.
الأخطر في استمرار انحراف مسار شط العرب، كما يؤكد عدنان في تصريح، هو وقوع الموانئ النفطية العراقية في الخليج العربي كميناء البصرة وميناء خور العمية ضمن أراضي الجانب الإيراني، وحرمان العراق من إطلالته البحرية.
يحذر مختصون من مخاطر تتعلق بانحراف مسار شط العرب ومعه "خط التالوك" ما يعني قضم أراض عراقية وربما موانئ نفطية لصالح إيران
وينصح أساتذة جغرافيا باتخاذ إجراءات لحماية ضفة شط العرب في الجانب العراقي لمنع استمرار انحراف مساره، عبر تدعيم بالصخور وإنشاء ألسن حجرية عند الالتواءات، فضلاً عن تدعيم أكتاف النهر.
"لابد من اتفاق"
حول كل هذا، يقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال لـ "الترا عراق"، إنّ "المفاوضات حول الحدود المائية بين العراق وإيران لم تبدأ بعد، وما يجري هو خطوات تحضير"، مبينًا أنّ "وزارة الخارجية العراقية هي من تقود المفاوضات بهذا الصدد، عبر لجنة تمثل العراق تضم ممثلاً عن وزارة الموارد المائية".
شمال يرى أنّ التوصل إلى صيغة أفضل من اتفاق الجزائر بشأن شط العرب "مرهون بقدرة اللجنة العراقية في المفاوضات المقررة بين الجانبين بما يربطهما من بعد اقتصادي واجتماعي وديني".
عدم التوصل إلى اتفاق مرض للطرفين "لن يكون في مصلحة العراق أو إيران على حد سواء"، كما يؤكد المتحدث، مشددًا على ضرورة "تحقيق نتائج إيجابية لحسم ملف المياه المصيري".