09-مايو-2023
رجال الدين

ملاحقة 3 معممين خلال 45 يومًا (ألترا عراق)

 تكرّرت في الآونة الأخيرة حوادث استقدام وأوامر قبض ودعاوى قضائية بحق رجال دين في العراق، وهي سابقة تكاد تكون نادرة في نظام ما بعد 2003، ومن غير المعلوم إلى ماذا يشير الأمر، وهل هو تحول اجتماعي في التعامل مع رجال الدين، أم أنه سياسة تحمل هدفًا معينًا من قبل الحكومة الجديدة؟ 

خلال مدة قصيرة أصدرت السلطات القضائية العديد من الأوامر بحق رجال دين في العراق

فخلال الـ45 يومًا الماضية فقط، لاحقت السلطات القضائية ثلاثة رجال دين معممين وخطباء بارزين في العراق، وتنبع الغرابة من تكرار هذه الحوادث خلال مدة زمنية قصيرة، فضلًا عن ارتباط هذه الملاحقات بقضايا لا تتعلّق بالرأي أو المواقف السياسية غالبًا، بل بقضايا مادية قد تؤثر بشكل كبير على السمعة التي كان يتمتع بها رجال الدين في العراق. 

في 25 نيسان/أبريل أرسلت محكمة استئناف كربلاء استدعاء لرجل الدين البارز، مرتضى القزويني، للحضور إلى المرافعة في المحكمة بتاريخ 17 أيار/مايو في دعوى مقامة ضده، من قبل ذوي امرأة سبق وأن تبرعت بقطعة أرض إلى القزويني، ليحيلها إلى دار أيتام أو مستوصف صحي للفقراء، لكنه قام بتحويلها إلى مدرسة أهلية.

ورافق هذه القضية، الكثير من الجدل والتشكيك بوجود ملابسات غير واضحة في القضية، بين مدافع ومهاجم باستخدام عبارة "باسم الدين باكونا الحرامية"، التي سبق أن رفعت خلال تظاهرات تشرين.

بالمقابل، يواجه رجل الدين والخطيب المعروف حميد المهاجر، دعوتين قضائيتين، الأولى دعوى فرق البدلين، تتعلق بقيام المهاجر ببيع عقار بـ8 مليار دينار إلى مواطنين، ثم قام بالنكول والتراجع عن البيع، بعد اختلاف أسعار العقار، ما دفع لرفع المشترين لدعوى فرق البدلين لتعويضهم بالأموال التي خسروها جراء تراجع المهاجر عن البيع.

أما الدعوى الأخرى، فهي للمحامي الموكل بالقضية الأولى، حيث قام برفع دعوى على المهاجر بعد التجاوز والاعتداء عليه لفظيًا وتهديده من خلال الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي.

وأصدر القضاء بهذا الصدد توضيحًا بعد استمرار المهاجر بالحديث عن القضية على وسائل الإعلام واصفًا رئيس مجلس القضاء الأعلى بـ"شريح القاضي"، وكذلك السوداني الذي وصفه بـ"الحجاج"، بسبب ملاحقته قانونيًا، ليسحب القضية إلى أنهم يلاحقونه بسبب كونه "صوت الحسين".

وقال القضاء في إيضاحه، إنّ "المشكو منه يؤوي مسلحين في داره اعتدوا على مختار المنطقة الذي صحب المفرزة التي تنفذ واجبها القانوني كما أن المسلحين داخل الدار وجهوا أسلحتهم النارية غير المرخصة صوب القوات الأمنية لمنعهم من أداء واجبهم"، مبينًا أنّ المهاجر كان يستطيع "الحضور بنفسه أو إرسال من ينوب عنه من المحامين إلى محكمة البداءة لتقديم دفوعه بخصوص العقار الذي باعه ونكل عن بيعه، بدل من مخالفة القانون والإساءة للمحاميين والقاضي الذي ينظر الدعوى، والظهور في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي وإثارة أمور جانبية غير صحيحة ليست لها علاقة بأصل الموضوع"، فيما شدد البيان على أنّ المهاجر "ليست لديه حصانة دستورية أو قانونية، وأنّ مجرد كونه خطيب لا يعني أنّه فوق القانون". 

عبد الحميد المهاجر

وقبل ذلك بأسابيع قليلة، كانت وزارة الداخلية قد أعلنت أيضًا صدور مذكرة قبض وتحر بحق الخطيب جواد الإبراهيمي، على خلفية مقطع فيديو تضمن "إساءة واضحة وحمل مضامين تدعو إلى التفرقة"، مشيرة إلى أنّ "محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النشر والإعلام باشرت الإجراءات القانونية بحق المشار إليه، وفق أحكام المادة 372 من قانون العقوبات العراقي".

الإبراهيمي

ويرى الخبير القانوني حبيب عبد فيما يتعلق بقضية القزويني وغيرها من القضايا التي تلاحق رجال الدين، بأنه "تطور كبير من نزع الحصانة ممن يحملون صفة رجال دين أو وكلاء المرجعيات".

وفيما يتعلق بقضية القزويني التي ستجري المرافعة بشأنها في 17 أيار/مايو، يوضح عبد في حديث لـ"ألترا عراق"، أنها "دعوى مدنية عبر تبليغ وليست استقدامًا". 

وحسب ما ورد من المعلومات، فإنّ "الموضوع يتعلق بهبة من واهبة لغرض إنشاء دار أيتام وثم تغير الموضوع إلى مدرسة أهلية على غير إرادة الواهبة أو المتبرعة، وهو ما اعتبره الخبير القانوني "أمر غير أخلاقي ويخالف شروط عقد الهبة بين الطرفين".

واستدرك عبد: "لكن من الناحية القانونية هناك مشكلة في هذه الدعوى، وهي أن الهبة لا يجوز الرجوع عنها في حالات ذكرتها المادة 623 من القانون المدني العراقي، ومن ضمنها وفاة أحد طرفي الهبة، وهو متحقق بوفاة الواهبة، وأن تكون الهبة تبرعًا خيريًا، وحصول زيادة متصلة في الموهوب"، مشيرًا إلى أنّ "هذا النص يجعل هذه الدعوى سالبة بانتفاء الموضوع ويبقى القرار للقضاء أخيرًا".

وفي سياق "التطور" أو التحول في قضية ملاحقة رجال الدين في العراق، خصوصًا وأنها تتعلق بقضايا مادية أو تمس مكانة وسمعة رجال الدين، تطرح تساؤلات عن أسباب هذا التحول، وما إذا كان تحولًا في سياسة القضاء ذاته، أم هو تحول لدى المجتمع الذي بدأ يدخل بخصومة مع رجال الدين والمطالبة بحقوقه منهم دون خشية أو خجل لأسباب عقائدية ودينية، كما هو متعارف في العراق. 

ويرى رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات، أحمد الياسري، أن الحقب السياسية والعمليات السياسية المترادفة، تنتج مزاجًا سياسيًا عامًا، وهذا يكون في بعض الأحيان "مزاجًا ثوريًا مثل انتفاضة البصرة وتظاهرات الأنبار وصولًا إلى تشرين، أو أن يكون مزاجًا عسكريًا كأجواء الحرب على تنظيم داعش"، معتبرًا أنّ "تحركات استهداف فئات لم تستهدف سابقًا قضائيًا أو قانونيًا يصب نحو محاولة صناعة مزاج جديد". 

من هنا، يشير الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أنه "بعد تشكيل حكومة الإطار التنسيقي، هناك محاولة لصناعة مزاج يريد تقويض السلطات التي صنعت مزاجات مختلفة بالسابق، مثل تقويض المزاج الثوري، بالتالي يتم البحث عن التيارات المؤثرة التي كانت خارج تغطية المحاسبة القضائية، ومن بينها المؤسسات الدينية التي تنتمي إلى خطوط معارضة، وعلى سبيل المثال، فإنّ المهاجر والقزويني كلاهما ينتميان إلى الخط الشيرازي الثوري".

واستهداف مؤسسات دينية ـ والكلام للياسري ـ من الممكن أن "تكون معارضة ومحرضة وتمتلك جمهورًا، مثل الشيرازية، ستكون عملية موجهة لمؤسسسات وخطوط أخرى في المؤسسة الدينية"، واصفًا إياها بـ"رسائل مزدوجة تهدف لإضعاف مزاج المعارضة خصوصًا بعد أن نجحت فكرة إسكات الصدريين باستفزاز الصدر عبر قضية الحائري".

فئات من المجتمع بدأت تدخل بخصومة مع رجال الدين والمطالبة بحقوقها منهم دون خشية أو خجل لأسباب عقائدية ودينية كما في السابق

ويقول الياسري إنّ "المعطيات تفرض بأن المزاج الذي يجب أن يسود في هذه اللحظة هو مزاج الهدوء وكسر الأمزجة السابقة وإعطاء صفة القوة لمؤسسات الدولة عبر إجراءات استهداف خطوط أو أجنحة لم تكن مستهدفة لا قضائيًا ولا سياسيًا فيما سبق، وهذه الرسالة تعطي انطباعًا عن أن الدولة التي يقودها السوداني والإطار، دولة قوية ولا أحد فيها فوق القانون".