يهمل العديد من الباحثين العامل الإسرائيلي، عند دراستهم لطبيعة التنافس الأمريكي ـ الصيني، واضعين كل تركيزهم على العامل الاقتصادي، والتكنولوجي، على اعتبار أن الصين أضحت تشكل تهديدًا جديًا للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بهذا الخصوص، لا سيما وأنها تعد في الوقت الحاضر الاقتصاد الثاني عالميًا بعد الاقتصاد الأمريكي، إذ بلغ نحو (13.6) ترليون دولارًا، محققةً نمومًا كبيرًا في الناتج المحلي بنحو (10%)، وحصتها من التجارة العالمية بلغت (9%)، بينما تسيطر على ما نسبته (15,8%) من حجم الناتج المحلي العالمي. وعلى الصعيد التكنولوجي فتعد من أبرز المصدرين لها على الصعيد العالمي، وأكبر مصدر للولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بالأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية كأقراص الفيديو، والحواسيب وما شاكل ذلك(1).
العامل الإسرائيلي له تأثيره الكبير للغاية في تحديد بوصلة الهيمنة الدولية، وكفة المنافسة الإستراتيجية، والصراع على النفوذ في العالم، والمنطقة العربية على وجه التحديد
ولست في معرض التوسع في هذه الجوانب؛ وما أردت من المقدمة أعلاه، إلا أن أُبين بعض الحجج التي يستند عليها من يبحث في الجانب الأمريكي ـ الصيني، الذين يهملون عاملًا مهمًا أي العامل الإسرائيلي، الذي له تأثيره الكبير للغاية في تحديد بوصلة الهيمنة الدولية، وكفة المنافسة الإستراتيجية، والصراع على النفوذ في العالم، والمنطقة العربية على وجه التحديد. فالصين مثلًا وإن كانت لا تعلنها صراحةً، تبحث عن موطئ قدم لها في لعبة الهيمنة الدولية، التي انفردت بها الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب الباردة. وهي أي الصين لا تبتعد في ذلك عن بقية الدول، التي كلما زادت قوتها حاولت توظيفها في الخارج، لزيادة نفوذها، ورغبةً منها في البقاء إذا ما تم قياس ذلك وفقًا لمدركات المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، التي ترى أن الواقع يحتم على الدولة زيادة قوتها من أجل ضمان بقائِها.
اقرأ/ي أيضًا: عالم يحكمه الأقوياء!
بخصوص تأثير إسرائيل، عند العودة إلى التأريخ قليلًا سنجد أن اليهود الصهاينة، وعلى رأسهم (ثيودور هرتزل)، رأوا أن اليهود وحتى تكون لهم دولتهم الخاصة موقعها فلسطين، لا بد من وجود دولةٍ مهيمنةٍ ترعاهم، وتحمي مشروعهم "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ودولتهم التي يطمحون إلى قيامها، وهم في ذات الوقت يحققون لها مصالحها، لا سيما وأنهم معروفون بقوتهم الاقتصادية. لذلك في البداية حاول هرتزل عام (1898) الاعتماد على ألمانيا، لأنها كانت تتمتع بعلاقات متميزة مع الدولة العثمانية، محاولًا إقناع القيصر الألماني، من أجل تبني دولته القضية الصهيونية، وكذلك في أن يكون حلقة الوصل بينه، وبين السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) حتى يتوسط لديه، بخصوص منح الصهاينة ما يريدون في فلسطين، لأنها كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية في تلك الفترة، إلا أن القيصر رفض هذا الأمر؛ لأنه لا يريد التفريط بالمصالح الكبيرة التي تربط بلاده بالدولة العثمانية. مما حدا بهرتزل التوجه مباشرةً نحو أسطنبول عام (1902)، وأيضًا رفض السلطان ما آراده رفضًا قاطعًا، على الرغم من أن الصهانية تعهدوا له بتسديد الديون التي كانت ترهق كاهل دولته. ورفضْ السلطان هذا راجعٌ بالأساس باعتباره خليفة المسلمين، بالتالي لا يجوز له التفريط بأرض تابعةً للمسلمين، فضلًا عن أن فلسطين لها رمزيتها الدينية الكبيرة عند سائر أمة الإسلام، لا سيما فيما يخص المسجد الأقصى. ولنفترض مثلًا ماذا سيكون عليه الواقع، وحال الدولة العثمانية في المنطقة، فيما لو وافق السلطان العثماني على طلب اليهود الصهاينة!؟ عندها لم يتبقَ أمامه ـ هرتزل- إلا الذهاب نحو بريطانيا، من أجل إقناعها بالمزايا التي يمكن أن تتحصل عليها، إذا ما دعمت المشروع الصهيوني، وقد رأت بريطانيا أن في هذا المشروع ما يحقق مصالحها الإستراتيجية في منطقة الخليج العربي، والمشرق العربي(2).
لا سيما وأنها ـ بريطانيا - بدأت منذ عام (1800)، بالبحث عن إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة ـ الخليج العربي والمشرق العربي -، حتى تؤمن الطريق البحري المؤدي إلى الهند البريطانية "شبه القارة الهندية"، فضلًا عن إحكام السيطرة عليها لأنها تعد المنطقة التي تربط بين قارات العالم القديم (آسيا، أوربا، أفريقيا)، وكانت تتحين الفرصة التي يمكن عبرها تقسيم تركة "رجل أوروبا المريض" أي الدولة العثمانية، التي كانت تسيطر على هذه المنطقة الجغرافية المهمة للغاية إستراتيجيًا، لذلك التقت مصالحها مع المصالح الصهيونية، وجاءت الحرب العالمية الأولى لتمثل فرصةٍ سانحةٍ، لوضع الخطة البريطانية ـ الصهيونية موضع التطبيق، لا سيما وأن الدولة العثمانية وقفت مع ألمانيا في الحرب، التي خسرتها فيما بعد، ليتقاسم المنتصرين "بريطانيا وفرنسا" تركتها العربية، وهو ما أدى إلى أن تضع بريطانيا يدها على فلسطين(3).
ما إن تمت السيطرة على فلسطين، قامت بريطانيا بإعطاء وعدها للصهاينة "وعد بلفور"، الذي تعهدت عبره بأن تقوم بالعمل على إنشاء وطن قومي لليهود، لا سيما وأن (حاييم وايزمان) أحد زعماء الصهيونية، كان له دوره الكبير في إقناع وزير الخارجية البريطاني الأسبق (أرثر بلفور)، من أجل أن يصدر يعطي هذا الوعد، الذي يعد انتصارًا كبيرًا للحركة الصهيونية في وقتها، إذ وضعها على الطريق الصحيح، الهادف إلى الحصول على دولةٍ يهوديةٍ بمساندةٍ بريطانية. على الرغم من أن البريطانيين حاولوا فيما بعد التملص من وعدهم هذا، وهذا له أسبابه التي يطول شرحها، ولا مجال لذكرها هنا(4).
مقابل ذلك، كان اليهود الصهاينة يعملون على الضفة الأخرى من الأطلسي، حيث البلاد الأمريكية الجديدة أي الولايات المتحدة الأمريكية من أجل كسب مساندتها لهم، لا سيما وأنها كانت وما تزال تضم جالية كبيرة منهم، إذ تعد منذ البداية، وعلى الأقل من الناحية الدينية، والاجتماعية من أشد المساندين لفكرة إقامة دولة يهودية موقعها فلسطين، باعتبارها حقهم التاريخي، وأن على المسيحيين الوقوف إلى جنبهم، لتحقيق هدفهم المنشود، لا سيما وأن من يشفع لهم عند الرب هو يهودي! بتعبير أحد القساوسة الأمريكيين وهو (ليفي بارسونز)(5).
وكان مثلًا القنصل الأمريكي في تونس (كريسون موردخاي) ذلك في عام (1844)؛ يرى بأن الرب خلق بلاده لإنقاذ اليهود، وأن النسر الأمريكي يعد بمثابة مصداقٍ لنبوءة أليشع "سيغطي البلد بجناحيه"، وكان يعتقد مثله مثل العديد من النخب الأمريكية، أن لا خلاص لليهود إلا بقدومهم إلى إسرائيل، ويعني هنا فلسطين. وكانت جماعاتٍ مسيحيةٍ أمريكية مثل المنهجيين، والأبرشانيين، والمشيخيين، من أشد المساندين لمسألة الدولة اليهودية (6). واستطاع الصهاينة الأمريكيين، على قلتهم من الوصول إلى مراكز صنع القرار، والتأثير في الولايات المتحدة الأمريكية، وأضحت لهم لوبياتهم الخاصة "جماعات ضغط"، التي أخذت تضغط بشدة على مؤسسات الحكم الأمريكية أبرزها الكونغرس، والبيت الأبيض، بالتالي لا غرابة حينما نرى الرئيس الأمريكي الأسبق (ودرو ويلسون) يقول "إنني أنا ابن الأبرشية يجب أن أكون قادرًا على المساعدة في إعادة الأرض المقدسة إلى شعبها" (7).
التلاقي بين الأهداف الصهيونية، والأمريكية، لا يقتصر على تأثيراته الدينية، فالأمريكان على علم مسبق بمدى الأهمية الإستراتيجية للمنطقة العربية
بالتأكيد أن هذا التلاقي بين الأهداف الصهيونية، والأمريكية، لا يقتصر على تأثيراته الدينية، فالأمريكان على علم مسبق بمدى الأهمية الإستراتيجية للمنطقة العربية، وهم منذ أيام الدولة العثمانية أخذوا يسعون إلى تعزيز مصالحهم فيها، ومن يقرأ التأريخ جيدًا يجد أن أغلب الإمبراطوريات التي هيمنت على البسيطة، يرى أن أولى الخطوات التي تقدم عليها، هي العمل للسيطرة على هذه المنطقة، إذ تعد رقعةً لا غنى عنها في لعبة الشطرنج العالمية. فضلًا عن ذلك حاول الصهاينة العمل على ترسيخ فكرة أنهم يمثلون قمة الحضارة، والمدنية، والديمقراطية، قبالة الهمجية، والبربرية العربية، وأنهم سيكونون القاعدة التي تحفظ مصالح الميهمن في منطقة "الشرق الأوسط"، وأن أرض فلسطين "الأرض الموعودة" بحسب الدراسات التوراتية(*)، ونجحوا في ذلك، لأن المهيمن الخارجي لا يجد أفضل من هذه الفرصة التي تعد بمثابة "مسمار جحى"، باعتباره الحامي لهذه الدولة الصغيرة، في ظل بحرٍ هائجٍ بربريٍ يكن لها العداء الدائم، زيادةً على أن أبناء المنطقة في ظل ما يعانونه من جهلٍ كبيرٍ في تأريخ منطقتهم، فضلًا عن الضعف الذي تعيشه، أسهم في نجاح الدراسات التوراتية، والخطط الصهيونية المتلعقة بفلسطين.
اقرأ/ي أيضًا: نادي القمار الكبير
هذا ونجد أن اليهود الصهاينة، وبعد إدراكهم قضية أن الإمبراطورية البريطانية، سائرة نحو الاضمحلال، وانتهاء هيمنتها العالمية، بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها في الحربين العالميتين الأولى، والثانية، على الرغم من أنها خرجت منتصرةً في كلتيهما، إلا أنه انتصارٌ بطعم الهزيمة، لعظم الخسائر المادية، والبشرية، التي تكبدتها نتيجةً لهاتين الحربين، والأهم فقدت ريادتها الإمبراطورية العالمية بسببها، إذ تحولت من الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، إلى تلك الدولة التي تكاد ترى الشمس! بدأوا بتحويل بوصلتهم وكل تركزيهم نحو الولايات المتحدة الأمريكية، لأنهم يدركون أن مشروعهم لن ينجح، وإذا ما كتب له النجاح وهو ما حدث، لن يكتب له الاستمرار، إلا في ظل حماية خارجية من قبل قوة مهيمنة لها سطوتها الدولية، بالتالي أن مستقبل مشروعم مرتبط بالمهيمن الجديد، ألا وهو الأمريكي.
على الرغم من أن هنالك قوى دولية أخرى حاولت تبني المشروع الصهيوني، والكيان الإسرائيل فيما بعد، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، الذي يعد أول دولة اعترفت اعترافًا قطعيًا عقب ثلاثة أيام من قيام هذا الكيان، لإدراكه عظم المزايا الإستراتيجية التي سيحوز عليها، في حالة فوزها بهذه الجائزة الإستراتيجية، حتى أنه كان سباقًا في دعم إسرائيل بالأسلحة التقليدية، بينما ساعدتها فرنسا في مشروعها النووي، الذي أدى إلى امتلاكها للسلاح النووي.
هذا يحلينا إلى مسألة مهمة، وهي على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية، تدرك أهمية المنطقة، إلا أن الشكوك كانت تساورها، فيما يتعلق بمدى قدرة هذا الكيان الوليد، على مجابهة الأخطار المحدقة به، على رأسها وقوعه في وسط بيئة عربية تكن له العداء المطلق، بالتالي لا تريد التفريط بمصالحها مع الدول العربية، ولم تحسم أمرها التام حياله، إلا عقب حرب عام (1967)، التي هزمت فيها إسرائيل ثلاث دول عربية في ظرف ستة أيام، وهو ما كان بمثابة تحقق لنبوءة دينية "أرض إسرائيل الكبرى"، بالنسبة للتيار الأصولي الديني المسيحي "المسيحية الصهيوينة" في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يؤمن بضرورة دعم المسيحيين لإسرائيل، لأنهم يعتقدون أن المسيح لن يظهر، إلا عقب سيطرة إسرائيل على كل الأرض الموعودة "فلسطين". بالتالي أيقن الأمريكان أن هذا الكيان رسخ وجوده، والعرب لا يمتلكون القدرة على إزاحته، وهو ما أدى بهم إلى تبنيه بشكل تام، ومنذ تلك اللحظة لا نجد رئيسًا أمريكيًا يأتي للبيت الأبيض، إلا وأكد على محورية إسرائيل في الأمن القومي الأمريكي. لذلك نشأ هذا التخادم المصلحي بين الجهتين، والذي يحمل في طياته الأبعاد كافة سواءً أكانت ذات مضامين إستراتيجية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو دينية.
الحديث أعلاه يحفزنا على طرح الأسئلة الآتية: ماذا لو تراجع دور الميهمن الدولي أي الولايات المتحدة الأمريكية؟ ماذا سيكون الموقف الإسرائيلي عندها؟ وهذا يرجعنا إلى بداية المقال لنسأل، ماذا سيكون موقف الصين فيما لو تراجعت الهيمنة الأمريكية، وكذلك ما موقف إسرائيل في حالة تحققت الهيمنة الصينية في العقود القادمة؟
للإجابة على الأسئلة آنفة الذكر، أجد أن الهيمنة الأمريكية العالمية إذا ما تراجعت، لا سيما وأن إسرائيل تعتمد عليها لحفظ وجودها، وأدى هذا التراجع إلى حلول الصين محلها، سنجد أن الكيان الإسرائيلي يحول بوصلته حيال المهيمن الجديد، كما حدث مع بريطانيا عندما انتهت هيمنتها، لأن هذا الكيان لا يستطيع ضمان وجوده، بسبب عامل الوهن الجيوبوليتيكي الذي يعاني منه، فضلًا عن أنه قام على أساس اغتصاب أرض غيره وتشريد أهلها؛ إلا بحماية دولية من قبل قوة مهيمنة عالميًا، لديها القدرة على كبح جماح البيئة المعادية له، أي البيئة العربية، والإسلامية، فقوة إسرائيل التي نراها اليوم، لا تقتصر على ذاتها فقط، فعند قراءة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لا يمكن تجاهل العامل الأمريكي بكل ما يمتلكه من قدرات جبارة، والذي يعمل على ترجيح الكفة الإسرائيلية على حساب العرب، بالتالي من الخطأ اعتبار أن العرب لا يستطيعون الانتصار على هذا الكيان، إذ خلفه قوى دولية عالمية، لديها مصالحها الإستراتيجية في هذه المنطقة، مما يدفعها بكل قوتها، من أجل الدفاع عن إسرائيل، التي تعد قاعدتها المتقدمة الثابتة، والموثوقة لحفظ مصالحها.
لن تخالف الصين هذا الواقع، إذ تدرك عظم أهمية هذه المنطقة، وتحاول ترسيخ أقدامها فيها، إذا ما أرادت ضمان هيمنتها الدولية مستقبلًا، لا سيما وأن لديها مشروع، أو "مبادرة الحزام والطريق"، الذي يعد بمثابة إحياء لطريق الحرير القديم، ولكن، طبقًا لقياسات الزمن الحالي. هذا المشروع له ارتباطاته الكبيرة بالمنطقة سواءً عبر طرقه البرية، أو عقد اللؤلؤ الذي ينتشر في البحار، والمتمثل بضمان الصين لسيطرتها على الموانئ البحرية المهمة المطلة على البحار، والمحيطات، وإسرائيل ليست ببعيدة عن هذا المشروع، لا سيما وأن الصين تدير، وتستثمر في ميناء حيفا الإسرائيلي المطل على البحر البيض المتوسط، الأمر الذي يؤدي إلى فتح الجبهة الشرقية للبحر أمام الصين، وفازت شركة صينية بعقد لبناء ميناء إسرائيلي جديد في مدينة أسدود (8). فيما يبلغ حجم الاستثمارات الصينية في إسرائيل (25) مليار دولارًا، موزعةً على قطاعات عدة في الداخل الإسرائيلي، بينما يصل حجم التبادل الاقتصادي سنويًا بين الجانبين إلى (11) مليار دولارًا، ويميل الميزان التجاري لصالح الصين بنسبة (77%)، مقابل (23%) لصالح إسرائيل، ووصل حجم الزوار الصينيين إلى إسرائيل في عام (2018) إلى (200) ألف صيني(9).
تدرك القيادة الإسرائيلية، وتتحسس أن القوة الأمريكية أصابها بعض الوهن، والتراجع، مما يدفعها للبحث عن تعزيز مصالحها مع المارد الصيني
الأمر الذي آثار امتعاض، واستهجان الولايات المتحدة الأمريكية؛ لما لذلك من تهديدٍ لمصالحها الحيوية التي تربطها بإسرائيل، فضلًا عن تأثيره على هيمنتها على المنطقة تحديدًا، والعالم عمومًا، لا سيما وأن إسرائيل تستفيد سنويًا من المساعدات الأمريكية التي تبلغ (3,8) مليار دولارًا، كما وأن الإدارة الأمريكية ضربت عرض الحائط كل الآمال الفلسطينية، والعربية، وكانت سببًا مباشرًا للوقوف بالضد "اللجوء للفيتو"، من أية خطوات قد يتخذها مجلس الأمن الدولي، هدفها الحد من التجاوزات الإسرائيلية على الحقوق الفلسطينية؛ رغبة منها في ضمان المصلحة الإسرائيلية، زيادةً على أن الأمريكان يخوضون حربًا تجاريةً مستعرةً مع التنين الصيني، بالتالي لن يروق لهم حجم التعاون الصيني - الإسرائيلي الكبير، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال ذلك(10).
اقرأ/ي أيضًا: حروب الإمبراطورية الأمريكية المسكوت عنها.. غطرسة الجنرالات!
تدرك القيادة الإسرائيلية، وتتحسس أن القوة الأمريكية أصابها بعض الوهن، والتراجع، مما يدفعها للبحث عن تعزيز مصالحها مع المارد الصيني، الذي يرغب بقوة لتعزيز مصالحه مع إسرائيل، ولن يفرط بمثل هكذا فرصة إستراتيجية، لا سيما مع تزايد حجم التعاون بين الجانبين، الذي يُنبأ بأن المهيمن القادم الذي سيتعهد بحماية إسرائيل هو الصين، فيما لو ترجعت الهيمنة الأمريكية. بالمقابل يعتمد هذا الأمر على القرار الإسرائيلي، الذي لربما يستمر مع المهيمن الأمريكي، خصوصًا وأن اليهود الأمريكيين لديهم سطوتهم الاقتصادية، والسياسية، والإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا ينسون أن هذه الأرض استطاعت احتضانهم إبان فترة الاضطهاد الأوربي لهم، وقدمت لهم المساعدات الكبيرة في أحلك الظروف. ولكن، كما يُقال أن السياسة لا عداء، ولا صداقة دائمة فيها، الدوام للمصالح فقط، والدول مصلحتها الرئيسة تتمثل في مدرى قدرتها على ضمان بقائِها، وإسرائيل ليست بعيدة عن هذه القاعدة.
أخيرًا وليس آخرًا، أود التأكيد على أن الأسئلة التي طرحتها عبارة عن افتراضات ربما لا تحقق، وقد تتحقق في ذات الوقت، إذ أن كل الاحتمالات مطروحة للبحث، والاستنتاج، لا سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية، ما تزال متربعة على عرش الهرمية الدولية، وما تزال الصين تحث الخطى مسرعةً نحو إيجاد موطئ قدم لها في ألعاب النفوذ الدولية، ولم لا التربع على عرش العالم! فهذه هي طبيعة الدول، تكون طامعة وغير قانعة، لا سيما إذا ما تركمت لديها القوة، والقدرة، ودوري هنا كباحث التوقع، والاستنتاج فقط، لا التنبؤ؛ فهذا صعبٌ للغاية، بدليل أن في ستينيات القرن العشرين، تنبأ السوفييت بأن قوتهم ستتجاوز قوة الولايات المتحدة الأمريكية عند حلول عقد الثمانينيات من القرن ذاته، إلا أن العكس هو ما حدث، إذ عند نهاية عقد الثمانينيات، تفكك الاتحاد السوفيتي، ولم يستطع المحافظة على كيانه حتى! وخرجت الدولة الأمريكية مهيمنة على العالم، لذلك كل شيء وارد.
المصادر:
- 1- فيفك أرورا وأثاناسيوس فامفاكيديس، تقدير نفوذ الصين، صندوق النقد الدولي، 2010، ص ص1-2. وينظر: عبد الحافظ الصاوي، هل يستطيع الاقتصاد الصيني تجاوز تداعيات فيروس كورونا؟ الجواب إليك، موقع الجزيرة.
- 2- للمزيد ينظر: فلسطين تاريخها وقضيتها، المرحلة الثانوية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، شركة الخدمات النشرية المستقلة المحدودة، 1983، ص ص21-30.
- 3- روبرت ماكنمارا، الهاشميون وحلم العرب، ترجمة: منال حامد، العربي للنشر والتوزيع، ط2، القاهرة، 2018، ص ص35-54.
- 4- المصدر نفسه، ص ص104-105.
- 5- مايكل بي. أورين، القوة والإيمان والخيال: أمريكا في الشرق الأوسط منذ 1776 وحتى اليوم، ترجمة: آسر حطيبة، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2008، ص95.
- 6- المصدر نفسه، ص ص150-152.
- 7- المصدر نفسه، ص ص345-353.
- (*) يؤكد كيث ويتلام في كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التأريخ الفلسطيني"، إن الرواية التوراتية التي تتعلق بقراءة تأريخ الأرض الفلسطينية، لم تنصف الوقائع التأريخية التي تخص هذه الأرض، وجيرت الأحداث لما يخدم المصالح الصهيونية، ويرى أن العالم كله يعتمد على هذه الرواية، التي بالأساس تعتمد على أساطير دحضتها الدراسات الآثارية، فضلًا عن أنها أي ما تسمى بإسرائيل القديمة، لا تمثل إلا جزءً بسيطًا للغاية من التأريخ الفلسطيني الغني... للمزيد ينظر: كيث ويتلام، اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التأريخ الفلسطيني، ترجمة: سحر الهنيدي، مراجعة: فؤد زكريا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب "عالم المعرفة، الكويت، 1999، ص ص79-105.
- 8- الصين تدير موانئ إسرائيل... هل تصمت واشنطن؟ موقع الجزيرة.
- 9- محمد مهدي عبد النبي، استحوذت على شركات الألبان والاتصالات والبنية التحتية.. ماذا تفعل الصين فى إسرائيل؟ موقع عربي بوست.
- 10- المصدر نفسه.
اقرأ/ي أيضًا:
إستراتيجية ترامب للأمن القومي.. صورةٌ جديدة للغطرسة الأمريكية القديمة