شبح اسمه "المؤامرة" تلبس نوري المالكي. فرئيس مجلس الوزراء العراقي السابق، ونائب رئيس الجمهورية الحالي، لم ينافسه في الحديث عن مؤامرة تواجه العراق سوى صدّام حسين. ومثلما فعل الأخير حين هجم على الجيران لتبديد "المؤامرات" المُحاكة ضد البلاد، أخذ الأول المنحى ذاته وهو يصرخ بأعلى صوته "قادمون يا رقّة.. قادمون يا حلب.. قادمون يا يمن".
وعلى طريقة الدكتاتور في تصوير نفسه المُدافع الأول عن القوميّة العربيّة، يحاول المالكي تسويق نفسه باعتباره المُدافع عن الفكر الإسلامي المُهدَّد بالعَلمنة والتطرّف.
المالكي إذا ما أراد أحد استذكار مآثره، فيكفي الإشارة أن العراق غرق إبان سنوات حكمه الثمان في دوّامات الفساد والفشل والمَقاتل
وإذا ما كان صدّام مزهوًّا بجيش يعتبر خامس قوّة في العالم، فإن المالكي الآن يشعر بزهو أكبر بالحشد الشعبي الذي يظل يكرر أنه يقف خلف تأسيسه، وأنه يملك نفوذًا كبيرًا على فصائله.
اقرأ/ي أيضًا: ظنِّي سَيئٌ فيكِ أَيها الوطن
والمالكي إذا ما أراد أحد استذكار مآثره، فيكفي الإشارة إلى أن العراق غرق إبان سنوات حكمه الثمان في دوّامات الفساد والفشل والمَقاتل. أحال فئات المجتمع الفقيرة إلى مجموعات زبائنية. اشترى الكثير من شيوخ العشائر والقادة الأمنيين وأقصى من خالفه. عقد صفقات السلاح الفاسدة، وصنّع رجال أعمال مزيفين يعتاشون على الأدوية الفاسدة ومشاريع البناء الوهميّة المتعلقة بلب حياة العراقيين ومستقبلهم، ألا وهي المستشفيات والمدارس.
جرى كل هذا وأكثر في عهد الرجل الذي ينتمي إلى حزب الدعوة، والذي أحال الحكومة إلى مؤسسة عائلية لولده وانسبائه والمقرّبين منه، وبالرغم من ترديد الإعلام لأخطائه، وحنق المجتمع العراقي منه، إلا أنه لا ينفك عن الإعلان عن نجاحاته المزعومة على كل الأصعدة، وحين يواجه بالحقائق، سرعان ما يقفز إلى الحديث عن مؤامرات ضده: مكالمات هاتفية تلقاها من دول أجنبيّة وعربيّة هدّدته. حاول العالم بأجمعه رشوته، غير أنه رفض.
ثمّة أشباح عديدة تهمس للمالكي بكلّ هذه "المؤامرات"، ولا يعرف أحدًّا اسمًا أو شكلًا لها، وبعد خروجه من السلطة، ظلّت هذه الأشباح تلاحقه، توسوس له، أنْ هو الأفضل، أنْ هو القادر على حلّ الأزمات، أنْ هو العقل المدبِّر لخلاص البلاد من الويلات.
المالكي هو الرجل الذي منحت إبان حكمه ثلث مساحة العراق إلى تنظيم "داعش"، والذي تهجَّر خلالها نحو 3 ملايين من منازلهم
والرجل الذي حظي بتسمية "سبايكرمان" على خلفيّة مقتل 1700 جندي في قاعدة سبايكر الجويّة - كان قد وظّف أغلبهم إبان مرحلة الانتخابات وقتلوا على مرمى نظر قادته - والذي يوصف ابنه باسم "رامبو العراق" بسبب حديث والده عن بطولاته العنترية، تعرّض خلال 30 يومًا إلى الطرد من 3 محافظات، حيث حاصره عامّة الناس بالهتاف والإهانة، لكنه يرى أن شعبيته بازدياد.
الأدهى من كلّ هذا أن المالكي، الذي منحت إبان حكمه ثلث مساحة البلاد إلى تنظيم "داعش"، والذي تهجَّر خلالها نحو 3 ملايين من منازلهم، والذي قُتل الآلاف من المواطنين العزّل بسبب فساد أجهزة كشف المتفجّرات والخطط الأمنية الفاشلة، والذي، بالطبع، أدى إلى مقاتل بأفراد القوّات الأمنية، والذي أجج الانقسام المجتمعي بين الطوائف، يسّوق نفسه الآن على أنه زعيم "التسوية التاريخية" التي تحاول الأحزاب السياسية إقرارها مع اقتراب موعد الانتخابات المحليّة والبرلمانية في العراق. حيث يُحدّد الرجل مقاعد المُشاركين والمُبعدين منها، ويوزّع التّهم على خصومه وأصدقائه من الكتل والأحزاب السياسية، ليبقى وحده ناصعًا.
لكن المشكلة ليست بالمالكي فحسب، بل تتعلّق بالمُدافعين عنه، والمصدّقين لأشباح "المؤامرات" التي يتحدّث عنها، وهم الذين لم يخبروه، أنه كان عليه كشف "المؤامرات" وفك شفراتها بدلًا من الاكتفاء بالحديث عنها، والتلويح بالإطاحة بالمشاركين بها الذين هم أيضًا أشباح.
اقرأ/ي أيضًا:
الانتخابات المحلية في العراق.. إلى التأجيل
رغم الاعتراضات.."الحشد الشعبي" مقننًا في العراق