31-مايو-2020

(Getty)

تذكرني بعض المواقف التي تتبناها الحكومة أو الكتل السياسية التي تتحكم بمصير العراق بالمثل الشعبي القائل "أبوي ما يكدر بس على أمي" وقصته الشهيرة التي تقول  "إن رجلاً فقير الحال كان يقسو على زوجته ويعاملها معاملة سيئة، ويضربها ويهينها، وكان له ولد صغير كان يراقب ذلك باستمرار، وكان الولد يعتقد أن والده ذو بأس شديد وقوة لا تقهر وذلك لما يراه يتكرر في البيت، ثم كبر الولد وصار شابًا يلازم أباه ويرافقه في حله وترحاله، فصار يلاحظ أن أبيه كان يتقي شر الناس ويتفادى الاحتكاك بهم، ويجاملهم وينفذ أوامر ضعيفهم وقويهم، فخاب ظنه في أبيه، وقلت ثقته فيه وقال جملته (تره أبوي ما يكدر بس على أمي)".

على الحكومة إيجاد بدائل والاستغناء عن هذه الوصفة السحرية لان تخفيض الرواتب سيؤثر على أغلب فئات المجتمع

هذا المثل مصداق لما يجري في واقعنا الحالي المليء بالتناقضات التي باتت حقيقة واقعة لامحالة فما يجري اليوم من تصريحات  حول موقف الحكومة من رواتب الموظفين كمقدمة لما سيحصل في القريب العاجل كي تصب جام غضبها على الشعب المسكين الضعيف الذي يبحث عن رغيف الخبر، متجاهلة محاسبة حيتان الفساد الذي عاثوا بمقدرات البلد خوفًا من بطشهم بها، ومن هذا المنطلق نقول وبكل ثقة للذين يقولون إن الأمثال تضرب ولا تقاس إنها باتت "مفصلة علينا نحن العراقيين تفصال"!

إن حديث المسؤولين عن استقطاع الرواتب أثار سخط أغلب الموظفين لأنهم بالتأكيد سيحرمون وعوائلهم من العديد من متطلبات الحياة اليومية، فما بالك بالموظف المقترض من المصارف سواءً لبناء دار سكن أو شراء سيارة أو لوفاء دين بذمته وووو ...إلخ، حينها ماذا سيفعل إن أقدمت الحكومة على هذه الخطوة التي من المؤكد أن لا بديل عنها لأنها تخشى إرجاع أموال البلد المنهوبة من قبل أصحاب الكروش والعروش، ولا مخرج لديها سوى استقطاع رواتب الذين حصلوا عليها بعرق جبينهم وبخدمتهم الفعلية لا الجهادية ولا الرفحاوية، أولئك الذين منحوا رواتب وتعويضات "من غير وجع گلب"، ناهيك عن أبواب الفساد المشرعة.

على الحكومة إيجاد بدائل والاستغناء عن هذه الوصفة السحرية لان تقليل رواتب هذه الفئة سيؤثر على أغلب فئات المجتمع ويفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من المشاكل والتحديات، فما بالك ونحن نعيش في زمن الأزمات الكورونية والاقتصادية والمعيشية والفسداوية والنهباوية، علاوة على أن الشعب سأم من تلك الحلول الترقيعية والتي لايتحمل وزرها إلا الفقير في وطن يمتلك أغلب الخيرات التي وهبها الله سبحانه وتعالى للبشرية، فيا ترى أين ذهبت أموال العراق في حكم عبد المهدي وماقبله حتى نلجأ إلى هذه الحلول "وسكتة يا أم حسن سكتة"؟

إن أغلب الحلول التي يبحث عنها مفكرو البلد وجهابذته هي في متناول اليد وغالبيتها طرحها أبناء الشعب في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها بالتأكيد لن تجد آذانًا صاغية من قبل أصحاب القرار لأنها ستحرمهم امتيازاتهم التي توارثوها وكانت لهم اليد الطولى بتشريعها من أجل منافعهم الشخصية والثراء على حساب الفقراء، ولكن إذا ما كانت حكومة الكاظمي جادة في معالجة الأزمة الاقتصادية فعليها أن تبحث عن الحلول الناجعة، وكما قال السيد بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء العراقي السابق في إحدى تغريداته "إذا أراد الكاظميُّ الإصلاحَ الاقتصادي والمالي فعليه أن يبدأ بهيكلة المصارف الحكومية وشركات وزارة الصناعة التي أصبحت عبئًا على الاقتصاد الوطني وكذلك زيادة رأسمال المصارف الأهلية لنكون أمام مصارفٍ حقيقية لا دكاكين سمسرة مالية، مع إعادة النظر بمزاد بيع العملة للحدِّ من تهريبها".

والمنطق يقول أيضًا إن على الحكومة أن تعمد إلى التفكير أولاً وأخيرًا باستقطاع رواتب الكبار كالوزراء وأعضاء البرلمان والوكلاء وأصحاب الدرجات الخاصة وموظفي الرئاسات الثلاث وإعادة النظر في الامتيازات والرواتب التي يحصل عليها المشمولون بقانوني رفحاء والسجناء السياسيين الذين أغلبهم يشغلون مناصب بالدولة مع أأأبنائهم وأحفادهم وإلغاء ازدواجية الرواتب التي توازي رواتب المساكين من الموظفين والمتقاعدين، فضلا عن ضرب رؤوس الفساد واستثمار بوادر الانفتاح على المحيط العربي، وليس من خلال إصدار قرارات جائرة تمس بحياة المواطن الفقير ‏وبالتالي تفقدها صفة العدل والانصاف، لأن الشعارات الفارغة لن توفر الخبز للفقراء بل عليها أن تخطوا بكل ثقة لكي يستعيد العراق موقعه الطبيعي والتوجه للاحتماء بالشعب  لا بالكتل، لأننا نريد خطوات على أرض الواقع  لا "ألو ... عماد" وهذه الفيكات العبعوبية، فالوضع مازال ضبابيًا ولم يلمس الشعب شيئًا يذكر من حكومة السيد الكاظمي سوى التصريحات الرنانة والتغريدات المثبطة للمعنويات، نتمنى أن لا تصبح وعودكم كالمثل القائل "حجيك مطر صيف"!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رسالة إلى شاب عراقي

لعبة صراع الخارج وبيادق الداخل.. شهادة براءة تشرين