يتجدّد القلق بين فترة وأخرى داخل الأوساط المصرفية والاقتصادية، إثر العقوبات المتكررة التي تفرض من قبل الخزانة الأمريكية على مصارف عراقية، وآخرها ما حدث مع سبعة مصارف، سبقتها عقوبات على 14 مصرفًا خلال مدة لا تتجاوز الشهر.
تحدّث عضو في لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عن أن المصارف العراقية المحظورة لا تطبق المعايير المصرفية المتبعة في العالم
ومع تلقي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اتصالاً من نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، في 7 شباط/فبراير، تم تناول العقوبات التي تفرض على المصارف العراقية، وفق بيان أشار إلى أن حسين قال إنه "لم يتم بيان الأسباب التي تقف وراء فرض مثل هذه العقوبات، وما إذا كان فرض واشنطن لهذه العقوبات جاء بسبب عدم انضباط هذه المصارف في تنفيذ التعليمات وقواعد الامتثال المصرفية، أم لأسباب سياسية أخرى، سيما وأن وزارة الخزانة الأمريكية على تواصل مستمر مع البنك المركزي العراقي".
وقال فؤاد حسين وقتها أنّ "تلك المصارف لها دور مهم وكبير في تمويل نفقات البطاقة التموينية وتوفير السلة الغذائية للعوائل العراقية من ذوي الدخل المحدود"، مطالبًا "بشكل رسمي بإعادة النظر بقرار الخزانة الأمريكية بشأن الموضوع".
ومن غير المعلوم، ما إذا كان الطلب الحكومي للولايات المتحدة الأمريكية ينجح بإعادة النظر بهذه العقوبات، خصوصًا وأنها قد تشير إلى عدم التزام الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني بمسألة منع تهريب الدولار لإيران وسوريا.
وعدّ عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، النائب محمد الزيادي، حظر الخزانة الأمريكية لمجموعة مصارف أهلية عراقية، خطوة جديدة ستضر بالاقتصاد العراقي وتقويض القطاع المصرفي.
ويقول الزيادي لـ"ألترا عراق"، إنّ "القرار الأمريكي بحظر تعاملات بعض المصارف العراقية جاء نتيجة سياسات ممنهجة تتبعها واشنطن تجاه تطبيق المعايير المناسبة للقطاع المصرفي في العالم"، مبينًا أنّ "المصارف العراقية المحظورة اتضح عدم تطبيقها لتلك المعايير وفقًا لما أكده مجموعة من المختصين أيضًا".
وأشار إلى أنّ "تأثير الحظر على الاقتصاد العراقي مؤكد، لأن هذه المصارف لو كانت ملتزمة ومتعاونة مع الحكومة والبنك المركزي لما كان قد حصل ذلك"، معتبرًا أنّ "المصارف المحظورة لم تدعم الحكومة والإجراءات التي عملت عليها خلال الفترة الماضية، ولم تساهم حتى في خطط المشاريع بمختلف مجالاتها".
وتابع الزيادي أنّ "البرلمان ومن خلال اللجان المختصة يعمل مع الحكومة والبنك المركزي على إيجاد حلول مناسبة لتلافي الإجراءات الأمريكية بحق المصارف من أجل تطبيق المعايير اللازمة".
رأى خبير مصرفي أنّ عمل المصارف المعاقبة سيستمر في جوانب أداء التزاماتها مع زبائنها بشكل طبيعي
وفي الأثناء، تحدث مستشار رابطة المصارف الأهلية العراقية، والخبير المصرفي، عبد الرحمن الشيخلي، عن إدراج مجموعة من المصارف على لائحة الحظر الأمريكية، واصفًا الإجراء بـ"الاحترازي".
وقال الشيخلي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الخزانة الأمريكية عاقبت مصرفًا واحدًا فقط هذه المرة، بعدما ثبت لديها وجود تعاملات غير مطابقة للمعايير والقيود المفروضة على بعض الكيانات المعاقبة من الخزانة الأمريكية كالحرس الثوري الإيراني وغيره"، مضيفًا أنّ "رئيس مجلس إدارة المصرف الجديد المعاقب كان قد تم وضعه سابقًا على القائمة السوداء".
وفي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، مصرف الهدى العراقي المملوك لـ"حمد الموسوي"، على لائحة العقوبات، باعتباره مصدر قلق رئيسي فيما يتعلق بغسل الأموال، وعمله كـ"قناة لتمويل الإرهاب من قبل إيران"، كما أنّ "رئيس مجلس إدارته متواطئ في الأنشطة المالية غير المشروعة"، وفق الخزانة الأمريكية.
وتحدث الشيخلي أيضًا عن المصارف السبعة التي جرت معاقبتها في الحزمة الأمريكية الأولى ومنعها من التعامل بالدولار، قائلًا إنها "كانت ضمن الإجراءات الاحترازية ولأغراض تدقيق أعمالها من قبل المركزي العراقي"، معتبرًا أن "كل الاجراءات المتخذة غرضها دعم استقلالية البنك المركزي العراقي".
ولفت الشيخلي إلى أنّ "عمل المصارف المعاقبة سيستمر في جوانب أداء التزاماتها مع زبائنها بشكل طبيعي، وتقديم الدولار بالنسبة للمودعين لديها دون سحب أموال تلك الحسابات المودعة من المصارف عبر نافذة بيع العملة"، موضحًا أنّ "هذه الودائع ضمن العرف المصرفي هي موجودة وتدور ضمن القنوات الائتمانية وبنفس العملة، وممكن استعادتها وفق الشروط والضوابط المصرفية المتعارف عليها".
وبيّن المستشار أنّ "العمل بنافذة بيع العملة كليًا سيطبق خلال الفترة القادمة من العام الجاري 2024 وهذا سيحد من تهريب العملة للجهات المحظورة ضمن خطوات البنك المركزي لضبط الحوالات الخارجية عبر المصارف الأجنبية التي تم الاتفاق على أن تكون بمثابة المراسلة للمصارف الأهلية العراقية".
وفي الأثناء، قلل الأكاديمي والخبير الاقتصادي، همام الشماع، من إمكانية تأثير نتائج إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي بحظر مجموعة مصارف عراقية من التعامل بالدولار على الاقتصاد العراقي معتبرًا إياها "زوبعة سياسية" ستؤثر على "مالكي تلك المصارف بشكل كبير".
وقال الشماع لـ"ألترا عراق"، إنّ "معاقبة بعض المصارف الأهلية العراقية وحرمانها من الدولار قد جاء نتيجة زوبعة سياسية، لأن أغلب تلك المصارف تعتبر أدوات تعمل لمصالح الأحزاب أو مصالح خارجية"، مضيفًا أنّ "المصارف الأهلية في العراق عددها كبير جدًا، وقد توسعت أكثر من شراء العملة من البنك المركزي عبر نافذته المحددة ثم بيعها".
وأضاف أنّ "هذه المصارف قامت بتحقيق أرباح كبيرة بطرق سهلة، وهي في الواقع لا يمكن اعتبارها ضمن المصارف الرصينة، لأن المصارف تعد مؤسسات مالية ونقدية رصينة تقوم بجمع الادخارات من المواطنين وتقرضها للمستثمرين وتعمل على تنمية الاقتصاد".
قال خبير اقتصادي إن أغلب المصارف الأهلية تعتبر أدوات تعمل لمصالح الأحزاب أو مصالح خارجية
واعتبر أنّ "المصارف الأهلية في العراق ليس لها علاقة بالعمل المصرفي الحقيقي، وهي تنفذ متطلبات بسيطة لخدمة القطاع"، مضيفًا: "حتى عملها بتفعيل البطاقات الإلكترونية الذكية قليل جدًا".
ولكل ما ذكر، فإنه "لن يحصل أي تأثير واضح وكبير على مسار الاقتصاد العراقي نتيجة معاقبة هذه المصارف الأهلية، ولكن الأحزاب والفصائل والشخصيات التي تمتلك هذه المصارف هي من سيتأثر بالدرجة الأساس"، بحسب الشماع.