لا يأبه عامل النظافة رزاق عبيد (57 عامًا) لارتفاع معدل خط الفقر في العراق الى 30% من نسبة السكان المحليين. كما إنه غير قلق من انخفاض أسعار النفط العالمية أكثر، فهو يعتقد أن دخله الشهري الذي لم يتجاوز الـ 300 دولارًا أمريكيًا لن يتحسن، إن ارتفعت الأسعار أو انخفضت.
عبيد الذي يعيش في بيت من الصفيح بمنطقة المعامل ــ شرق العاصمة بغداد، يقول إنه لا يعلم أي شيء عن الوضع الاقتصادي في البلاد، ولا يعرف كم ينتج العراق من النفط، ولا يُريد أن يعرف. يعرف شيئًا واحدًا: "حال الفُقراء لا يتغير ، فقط تزداد رؤوس أموال الساسة من تحسن الوضع الاقتصادي".
بحسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية، فإن 30% من العراقيين البالغ عددهم 30 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر، بسبب الأوضاع التي يمر بها العراق بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في العاشر من حزيران/ يونيو 2014 على أجزاء واسعة من البلاد. وفيما يعزو نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية، روز نوري شاويس، أسباب ارتفاع معدل خط الفقر في البلاد، إلى "اضطراب الوضع الأمني والعمليات الارهابية وتلكؤ تنفيذ المشاريع، والبطالة"، لا يكترث عبيد وأمثاله لكل هذا.
وزارة التخطيط لديها خطة عمل بالتعاون مع البنك الدولي لمعرفة نسب الفقر بعد عملية النزوح
وعلى نقيض من العامل، يشير ساويس خلال حديثه لـ"الترا صوت" إلى "وجود إمكانية كبيرة بأن يتمتع الفرد العراقي بوضع معيشي إيجابي، اذا ما اجتاز العراق عدد من التحديات التي تواجهه، أبرزها الوضع الأمني الذي يُشكل عائقاً كبيراً أمام العراقيين في جميع المجالات". من جهته، يقول المتحدث بإسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن "عملية النزوح التي شهدها العراق من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، أثرت بشكل كبير على ارتفاع معدل خط الفقر في البلاد، وذلك بعد ان تراجع الوضع الإقتصادي لتلك المحافظات أكثر من مليون ونصف الميون شخص عمله".
ويؤكد الخبر: "نسبة الفقر في العراق الآن وصلت الى 30%، بعدما كانت حتى نهاية عام 2013، 23%، لكن الظرف الأمني عرقل الخطة التي كانت تعمل على الحد من الفقر".
ويضيف الهنداوي، أن "الوزارة لديها خطة مع الوزارات الأخرى للقضاء على الفقر، لكن هناك أسباب تُعرقل تنفيذ تلك المشاريع، أبرزها الوضع الاقتصادي الذي يتعرض له العراق الآن، والذي خفض تخصيصات بعض المشاريع".
ولم تكن عملية النزوح وحدها سببًا في ارتفاع معدل الفقر في العراق، بل ترافقها أسباب أخرى، أبرزها البطالة وعدم استقرار الوضع الأمني، الذي تسبب بإنقطاع الآلاف من المناطق الجنوبية والوسطى عن أعمالهم في إقليم كردستان العراق، كما أن تراجع أسعار النفط العالمية، أثر بشكل كبير، خاصة وأن العراق يعتمد في موازنته الإتحادية بنسبة 90% على النفط. وفي السياق، ذكر تقرير للبنك الدولي (فرع العراق)، في وقت سابق، أن "الازمة الحالية في العراق ستزيد الاوضاع سوءًا للمواطنين خاصة الفئات الاشد ضعفًا". واشترط البنك إرساء السلام وحفظ الأمن لتحسين النمو الاقتصادي وتجاوز العوائق الرئيسية التي تعترض سبيل الحد من الفقر".
إلى ذلك تقول المديرة العامة لإستراتيجية التخفيف من الفقر، في وزارة التخطيط، نجلاء علي، إن "الوزارة لديها خطة عمل ستُنفذ قريبًا بالتعاون مع البنك الدولي، لمعرفة نسب الفقر بعد عملية النزوح الكبيرة التي شهدها العراق، وسيكون ذلك عبر معايير خاصة تُسهم بالحد من هذه الآفة التي تفاقمت خلال السنة الاخيرة بسبب الظرف الأمني". وهذا ليس مطمئنًا كثيرًا، فالبنك الدولي مؤسسة تعمل وفقًا لأجندات يراها كثيرون "تفقيرية"!
بدوره، يلفت الباحث والأكاديمي الاقتصادي، عماد عبد اللطيف، إلى إنّ "جميع الحلول المطروحة الآن لظاهرة الفقر في العراق ترقيعيه تقوم على منظومات توزيع الريع النفطي، وعندما تنهار اسعار النفط تنهار معها، وتتسع دائرة الفقر والحرمان في العراق". برأيه، "لا معنى الآن لأية ترتيبات تقوم على الدعم الحكومي المادي المؤقت، حتّى وإن توفرت في الموازنة العامة التخصيصات اللازمة، لأنها قنوات لشرعنة الفساد وهدر المال العام". وهنا بيت القصيد، الذي يعرفه عامل النظافة، أكثر من غيره!
وفقًا لتقرير أصدرته وزارة التخطيط العراقية، مطلع شباط / فبراير الماضي، فإن عدد الفقراء في محافظة نينوى ــ شمال العراق يصل إلى 1,255,863، أما العاصمة بغداد فهي الثانية، بعددٍ وصل إلى 781120، أما في محافظة ذي قار ــ جنوب العراق، فقد بلغ 70191 فردًا.