ألترا عراق ـ فريق التحرير
منذ فترة طويلة لم يشهد البرلمان العراقي مناقشة قانون مثير للجدل وسط الأزمات السياسية المستمرة طوال السنوات الثلاث الماضية، لكن وبعد انقطاع وتعطيل البرلمان لأشهر، قرأ مجلس النواب قانون "معالجة العشوائيات" قراءة أولى خلال جلسته المنعقدة يوم السبت 8 تشرين الأول/أكتوبر، فيما أثار القانون جدلًا على مستويات مختلفة وتحفظات متعاكسة.
15 مليون مواطن لا يمتلكون منزلًا في العراق
أولى ردود الفعل برزت من بعض قوى ونواب "الإطار التنسيقي" الذين سجلوا تحفظاتهم ورفضهم على بعض الفقرات مثل فرض بدل أجار على المتجاوزين معتبرين أنهم "مضطرون لتشييد منازلهم على أراض متجاوز عليها"، فيما رصد "ألترا عراق" تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي تتهم حكومة مصطفى الكاظمي بأنها أرسلت القانون إلى البرلمان لـ"توريط الإطار التنسيقي" وإثارة حفيظة المواطنين الفقراء الذين يسكنون العشوائيات، وتتسق هذه السردية مع تغريدات نواب الإطار التنسيقي الذين وصفوا القانون بأنه "مرسل من الحكومة وسيتم تعديله"، فيما أصدر "الإطار التنسيقي" بيانًا رسميًا عبّر فيه عن تفاجئه من "إرسال القانون من قبل حكومة الكاظمي بشكل مفاجئ"، إلا أنّ مشروع القانون بالحقيقية مرسل إلى البرلمان من قبل حكومة حيدر العبادي ومن ثم أثير في حكومة عادل عبد المهدي وبقي في أدراج البرلمان منذ الدورات السابقة.
ويستهدف المشروع معالجة ما يقارب الـ522 ألف وحدة سكنية يقطنها قرابة 3.5 مليون مواطن، بحسب إحصائيات وزارة التخطيط، إلا أنّ هذه الإحصائيات تعود لما قبل عام 2017، حيث أن آخر الإحصائيات التقريبية للجنة الخدمات النيابية في الدورة السابقة، تشير إلى أنّ الوحدات السكنية العشوائية تقدر بـ700 ألف وحدة سكنية أو منزل يقطنها 6 ملايين مواطن، قرابة 20% منها في العاصمة بغداد وحدها وبواقع نحو 140 ألف وحدة سكنية.
وبينما يتحرك بعض أعضاء وقوى "الإطار التنسيقي" لتشريع القانون بإلغاء بعض الفقرات، منها إلغاء الإيجار لمدة 25 عامًا، فضلًا عن إمكانية شمول جميع الوحدات السكنية العشوائية بالقانون وتمليكها، حتى تلك التي انشأت بعد عام 2016، على خلاف مقترح القانون الذي يشير إلى أنه يشمل فقط المساكن المشيدة قبل عام 2016، وهو العام الذي شهد مسحًا من قبل وزارة التخطيط على المساكن العشوائية.
ويعتبر الباحث الاجتماعي أكرم الصفار أنّ تمليك المساكن العشوائية بلا قيد أو شرط لساكنيها وإلغاء شرط الأجار، هو أمر ينافي مفهوم "العدالة الاجتماعية".
ويقول الصفار في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "هناك ملايين المواطنين الذين لا يمتلكون سكنًا في العراق، إلا أنّ فئة قليلة منهم اختاروا التجاوز على أراضي الدولة أو أراضي بعض المواطنين وتشييد المنازل عليها، وإذا تم تمليك هذه المنازل للمتجاوزين بلا قيد أو شرط سيجعل ملايين العراقيين الذين اختاروا احترام القانون بالرغم من عدم امتلاكهم سكن ورضوا بمعايشة وضعهم طوال هذه السنين، سيجعلهم يشعرون بالغبن والندم على احترام القانون، كونهم لم يفعلوا كما فعل المتجاوزون والذين تمت مكافئتهم في النهاية بالتمليك بلا قيد أو شرط"، معتبرًا أنّ "إبقاء بدلات الأجار والشروط الصعبة في القانون أمر ضروري".
ويعاني ملايين العراقيين من عدم امتلاك سكن خاص لهم، حيث يقدر العجز بالوحدات السكنية بواقع 3 ملايين وحدة سكنية، وباحتساب معدل العائلة الواحدة كحد أدنى بواقع 5 أفراد، فإنّ 15 مليون مواطن لا يمتلكون منزلًا في العراق، أي قرابة 37% من العراقيين بلا سكن، لكنّ نحو 25% منهم اختاروا بناء منازل عشوائية والتجاوز على أراضٍ معظمها داخل المدن، الأمر الذي سيجعل قرابة 10 ملايين مواطن "نادمين" على احترامهم القانون في حال تمرير ما يخطط له بعض قوى "الإطار التنسيقي" بتمليك الوحدات السكنية المتجاوزة بلا شروط أو بدائل مالية.
من جانب آخر، اعتبر مختصون أنّ تقنين العشوائيات أمر صعب، حيث أنّ ملايين المنازل شيدت في أماكن قد تكون قريبة من محرمات السكك أو بطريقة غير منظمة لا يمكن معها إنشاء بنى تحتية أو طرق، وبعيدة عن التصاميم المطلوبة لإنشاء المدن.
وفضلًا عن تحفظات المراقبين والمختصين لهذا القانون وتبعاته الخطيرة في تقنين العشوائية والتجاوز، تحول الملف إلى تراشق سياسي وبطاقة انتخابية رابحة تتعلق بـ6 ملايين شخص، فالإطار التنسيقي بدأ يروج إلى أنّ المشروع مرسل من الحكومة وسيتم تعديله وإلغاء فقرات شروط الأجار وغيرها وتحويل الصيغة إلى "تمليك الوحدات السكنية"، ومن جانب آخر؛ بدأ بعض جماهير التيار الصدري بالترويج إلى تغريدة سابقة للصدر تعارض إزالة العشوائيات أو "تقنينها"، بل إنشاء مجمعات سكنية للمتجاوزين ونقلهم إليها، وإزالة المدن العشوائية، معتبرين أنّ "الإطار التنسيقي يحاول بهذه الخطوة استهداف القاعدة الصدرية كونهم أكثر من يسكن المدن العشوائية والتجاوزات".