13-يونيو-2022
مشروع

(Getty)

تعتبر الشركات الناشئة خيارًا يفضله الكثيرون، خاصة الخريجين الجدد في السنوات الأخيرة، لمواجهة البطالة أو الحصول على فرص عمل تضمن دخلاً ماديًا مستقرًا، أو استثمار فائض مادي متوفر، أو رغبة في تحقيق نجاحات اقتصادية، إلاّ أنّ هذا الخيار ما زال يواجه تحديات كبيرة وتعقيدات متفاقمة تحكم مستقبل هذا النوع من الشركات في العراق.

 

تحديات

ورغم اتجاه المزيد من الأشخاص في العراق نحو تأسيس الشركات الناشئة، وما يحمله مؤسسو هذه الشركات عادةً من تفاؤل كبير عند التخطيط لمشروعاتهم، إلاّ أنّ هذا المجال وفي مختلف دول العالم مليء بقصص الفشل، حيث تشير الإحصائيات في الدول المستقرة إلى أنّ حوالي 90% من الشركات الناشئة تفشل وتضطر لإعلان الإفلاس والانسحاب من السوق.

تواجه الشركات الناشئة في العراق جملة تحديات أشد تعقيدًا وخطورة من تلك المعتادة في البلدان المستقرة 

ويمكن تلخيص التحديات في عشر نقاط هي: 

  1. الروتين والفساد.
  2. المنافسة غير العادلة.
  3. قلة السيولة.
  4. غياب سياسات الحماية.
  5. عدم وجود دراسة للمشروع.
  6. غياب الخبرة.
  7. انعدام الجودة.
  8. ضعف الدعم والتمويل من الدولة.
  9. غياب الاستقرار.
  10. عدم تقبل المستهلكين للمنتجات الجديدة.

 

وتقول أستاذة مادة إدارة الأموال في الجامعة اللبنانية الكندية الدكتورة شاديا مالك صوايا لـ "الترا عراق"، إنّ "الملاحظ أنّ التحديات التي تواجه الشركات الناشئة لا تقتصر على مرحلة معينة في مراحل نمو الشركات الناشئة، إنما ترافق كل مرحلة تحديات مختلفة ومتنوعة وتكاد تكون مختلفة من اختصاص شركة إلى أخرى".

وتضيف، "هناك تحديات تكاد تكون مشتركة، وتكون عادة سببًا وراء فشل الشركات الناشئة، أبرزها المنافسة في الأسواق، وقلة السيولة، ومدى توفر سياسات الحماية للشركات الناشئة، إضافة إلى تجاهل مخاطر السوق وعدم دراسته بصورة جيدة، وانعدام الجودة"، مبينة أنّ "عدم توفر الخبرات اللازمة لدى الفريق، وعدم دراسة الخدمات المقدمة ومدى إشباعها للحاجة المطلوبة، أو معالجتها لمتطلبات السوق، وغياب عامل التمويل، بالإضافة إلى وجود خلل في نموذج العمل، تضاف إلى أهم الأسباب وراء فشل هذه الشركات".

2

وتشير أستاذة إدارة الأموال، إلى أنّ "وجود هذه الإحصائيات حول فشل الشركات الناشئة، لا يعني أن يتوقف الشباب عن الحلم بامتلاك شركة ناجحة في يوم من الأيام، لكن يجب أن تكون أحلام الشباب واقعية ومدروسة بعناية، مع الأخذ بالأخطاء الشائعة لدى الشركات الناشئة التي لم يحالفها النجاح".

 

السوق العراقي.. ما زال مبكرًا

على مستوى السوق العراقي، يبدو الوقت مبكرًا لهذا النوع من المشاريع التي تقوم على عوامل أساسية منها؛ الاستقرار والدعم الحكومي، والمعرفة اللازمة للإدارة، إضافة إلى مدى تقبل المستهلكين والسوق.

ويصف المدير المفوض لشركة "نزيزة" للتسوق والدعاية عماد الكحلي، العراق بـ "البيئة الطاردة للشركات الناشئة"، ويقول لـ "الترا عراق"، إنّ "هناك صعوبات ومضايقات عديدة منها عدم وجود تسهيلات أو إجراءات إدارية ملائمة لهذا النوع من الشركات، التي تتسم بالتسارع والإنجاز، بدءًا بإجراءات تسجيل الشركة في الوزرات العراقية، مرورًا بعمل الشركة وإيصال الخدمات للعملاء، إضافة إلى عدم ملائمة القوانين والتشريعات والرسوم والضرائب لهذا النوع من الشركات إن لم تكن سببًا في فشلها".

ويضيف، أنّ "عدم وجود ضمانات للمشاريع أو الشركات الناشئة توفر تحمي لحقوقها، أو تساهم بتسهيل سير أعمالها ولاسيما هذا النوع من الشركات والمشاريع القائمة على الابتكار، فضلاً عن قلة السيولة والخبرة خاصة لدى أصحاب هذه الشركات، يشكل عائق في تطورها وتقديم خدماتها بجودة عالية، في ظل عدم توفر مراكز متخصصة للتدريب أو تقديم استشارات تساهم في نجاحها".

يؤكد مختصون أنّ السوق العراقي ليس مهيئًا بعد لاحتضان المشاريع الناشئة التي تقوم على أفكار جديدة

من جانبه، يقول مدير تطبيق "المحبوب" لخدمات التسويق الإلكتروني صالح اللهيبي، إنّ "السوق العراقي غير مهيأ تمامًا، سواء من حيث الإجراءات الحكومية التي تكاد تكون معطلة، أو من حيث ثقافة الزبائن والعملاء التي لم تواكب التطور الرقمي خاصة ما يتعلق بالتسوق الإلكتروني".

ويضيف لـ "الترا عراق"، "على سبيل المثال، لم يوفر البنك المركزي بدائل دفع إلكترونية موثقة بين العملاء والشركات، في ظل تنامي التجارة الإلكترونية، في حين ما توفر هو خدمات تقدمها شركات الاتصال عبر بطاقات الشحن، إضافة إلى عدم وجود تسهيلات أو إجراءات تناسب اختصاص المشاريع والشركات الناشئة".

9

ويوضح اللهيبي، أنّ "تسجيل التطبيق يتطلب شركة محدودة المسؤولية في مسجل الشركات في وزارة التجارة عبر إجراءات معقدة لا تتناسب مع اختصاص أو حجم المشروع أبدًا، حيث يمكن تسجيله كمتجر إلكتروني في الوزارة مثلاً".

 

ضعف التمويل..

ومع ما تقدم من تعقيدات، يبرز العائق المادي كأحد أهم العقبات أمام المشاريع الناشئة، في حين يرى اقتصاديون أنّ توفير الدعم قد يمثل "حلاً جوهريًا" لمشاكل كبرى من بينها البطالة وتكدس الموظفين في مؤسسات الدولة.

ويقول المدير المالي لشركة "المسار العراقية" للخدمات اللوجستية عبد الملك أحمد لـ "الترا عراق"، إنّ "التمويل هو نبض أي عمل تجاري، فهو العامل الأساسي الذي يتركز عليه مشروع ناشئ، وبالتالي لابد من توفر مصادر تمويل لنجاح أي مشاريع من قبل الحكومة والجهات المالية في البلاد، لتشجيع هذه المشاريع على الاستمرار"، مشيرًا إلى "غياب مصادر التمويل الحكومية للمشاريع الناشئة وتلك التي تعاني تعثرًا ماديًا".

ويضيف، أنّ "مصادر التمويل الأخرى غير الحكومية، مثل القطاع المصرفي والمستثمرين، ما تزال ضعيفة في العراق وحذرة جدًا عندما يتعلق الأمر بدعم مشاريع ناشئة، وفي حال توفرت مصادر تمويل من هذه المصارف تكون ذات فوائد عالية أو تحكمها إجراءات معقدة ومكلفة"، مبينًا أنّ "الإقبال المتنامي من الشباب على إنشاء الشركات يصطدم بالواقع الذي يلخصه مؤشر البنك الدولي، إذ يقبع العراق في المركز 168 من أصل 190 دولة من حيث توفر بيئة مواتية للاستثمار".

 

كوفيد وسعر الصرف..

في السنوات الأخيرة، واجه قطاع الاقتصاد العراقي أزمات عدة من بينها تداعيات الجائحة وارتفاع سعر صرف الدولار، وقد تكبدت الشركات والمشاريع الناشئة الضرر الأكبر.

ويقول أستاذ مادة إدارة المشاريع في جامعة الفلوجة الدكتور زيد الخوام، إنّ "العديد من أصحاب المشاريع الناشئة لم يتمكنوا من تخطي تبعات جائحة كوفيد -19 المريرة، وفي وقت كانوا يترقبون فيه أي مبادرات تمويل أو دعم من الحكومة العراقية للتعافي، إذ لم يتلقوا استجابة على الرغم من إطلاق الحكومة العراقية برامج للتعافي على شكل مبادرات أو قروض، بل تلقوا صدمة أخرى متمثلة بارتفاع أسعار الصرف".

ويضيف الخوام، "من المؤسف غياب الفهم الكامل للدور الذي تمارسه الشركات الناشئة في تنمية الاقتصاد، ولاسيما أثناء الأزمات، فبغياب شركات مثل (واتساب، زوم، سكايب) وغيرها كان العالم سيبدو أقل إنتاجية وقدرة على تحمل العطل الذي أصاب المصانع والمؤسسات، على سبيل المثال"، مبينًا أنّ "التكنولوجيا التي ابتكرتها الشركات الناشئة مكنت من التخفيف من حدة تأثير الإغلاق الاقتصادي من خلال التواصل، عبر الخدمات التي توفرها هذه الشركات".

3

ويرى الأستاذ الجامعي، أنّ "تبعات هذه الأزمات المالية، والأزمات الأمنية هي الأخرى، ما زالت تعصف بالمشاريع والشركات الناشئة، وبالتالي يتوجب على الحكومة العراقية حمايتها عبر مجموعة من السياسات والاستراتيجيات التي تهدف إلى بقاء هذه الشركات حيوية وقادرة على تقديم خدماتها في الأزمات".

 

مستقبل الشركات الناشئة في العراق

في ظل التحديات التي تحيط بالشركات الناشئة وتعقيداتها، يتساءل كثير عن مستقبل هذا النوع من الأعمال في العراق وإمكانية ازدهارها في المستقبل، سواء أصحاب الشركات أنفسهم أو الراغبين بالاستثمار في هذا القطاع.

ويجيب أستاذ مادة إدارة الأعمال في جامعة الفلوجة الدكتور سعد الحمداني بالقول، إنّ "نجاح الشركات الناشئة في العراق، مع استمرار التحديات الحالية، يبدو صعب المنال، وقد يقتصر على مجالات معينة يكون رصيدها الأفكار الابتكارية والحاجة الماسة إلى نوع من الخدمات بتوفر كوادر ذات خبرة عالية".

يشترط خبراء توفر عوامل ومقومات يقع الجزء الأكبر منها على عاتق الحكومة لنجاح الشركات الناشئة بوصفها حلاً لأزمات كبرى

ويضيف لـ "الترا عراق"، أنّ "نجاح هذه الشركات اليوم في العراق يتوقف على عوامل ومقومات عديد منها؛ التمويل والخبرات والقوانين، وهذا ما يعتذر على السوق العراقي توفره اليوم إلاّ في حالة قيام الجهات المعنية في البلد بتبني مبادرات لدعم هذه الشركات وتشجيعها على الاستمرار، سواء من خلال توفير التمويل أيًا كان نوعه أو تزويدهم بالخبرات والمهارات اللازمة".

ويؤكد الأستاذ في جامعة الفلوجة، أنّ "خيار تأسيس الشركات الناشئة وإن كان غير مرغوب الآن، من قبل الأشخاص الذين يبحثون عن استثمارات آمنة، لكنها تعد خيارًا مثاليًا نحو التنمية الاقتصادية، حيث تساهم في الدورة الاقتصادية بشكل جيد، عبر الإنتاج والابتكار الذي ينهض بالاقتصاد، وهو أحوج ما تكون إليه البلاد اليوم".