20-أغسطس-2019

أكدت إدارة المدينة السياحية في الحبانية سعيها لإقامة سهرات غنائية ردًا على "الحملة" ضدها (Getty)

لم تكن المرة الأولى التي تشهد محافظة الأنبار عرضًا للأزياء أو نشاطًا فنيًا خلال 50 عامًا، فالمحافظة العراقية الغربية، عادةً ما كنت تستقبل على أرض مدينة الحبانية السياحية الكثير من النشاطات الثقافية والفنية طيلة العقود الماضية، حيث كانت قبلة السائحيين من الداخل والخارج.

أثار عرض للأزياء نظم على مسرح ضمن مدينة الحبانية السياحية "أزمة" جديدة وجدلًا واسعًا ضمن "مسلسل القدسية"!

لكنها المرة الأولى بعد سيطرة تنظيم "داعش" على المحافظة، وطرده منها بمساعدة العشائر التي تعد من الركائز المجتمعية ومن السمات الأساسية، حيث عادت الحياة إلى الأنبار ونظمت الكثير من المنتديات وأقيمت مسرحيات وجولات سياحية في مدن المحافظة ومن بينها الحبانية والتي ترتبط بالفلوجة كبرى مدن المحافظة.

اقرأ/ي أيضًا: بين الأسواق وصفحات فيسبوك.. سلطة الأنبار تبحث عن "القدسية" بثوب "داعش"!

جاء الحفل الذي أقامته دار الأزياء العراقي، ليعلن أزمة جديدة، بعد جدل واسع أثارته حملة شنتها الشرطة ضد "مرتدي البرمودا" بعد اتهامهم بـ "التخنث والتحرش"، وهو ما خلف استياءً واسعًا من قبل ناشطين، قبل أن ترد عليهم الشرطة بالاعتقال والتهديد، وسط مخاوف من قمع الحريات مجددًا في الأنبار، ما يعني ارتفاع صوت التطرف، وفق ناشطين.

بدأت القصة حين أصدرت مجموعة أطلقت على نفسها اسم "شيوخ وعلماء وأعيان وكفاءات الفلوجة"، بيانًا هجوميًا ضد منظمي الحفل، واعتبرته "إساءة متعمدة لمدينة المساجد والمقاومة والصمود ومدينة الشهداء"، وهددت بالملاحقتهم قانونيًا وقضائيًا، كما وصفتهم بـ "الساعيين للفساد في الأرض"، مشددةً أن "الفلوجة ستبقى بيضاء تقض مضاجع الفاسدين والخونة".

فتح البيان الذي لم تتبنه أي جهة أو شخصية معروفة باب الجدل حول الحفل، ففي حين أثار استهجان ناشطين أنباريين باعتباره "محاولة لقتل الحياة المدنية من جديد في المحافظة"، مستندين إلى أن العرض أقيم على أرض مدينة سياحية تابعة لوزارة السياحة والآثار تبعد مسافة بعيدة عن الفلوجة، وجدت أطراف أخرى من شكل الحفل وطريقة تنظيمه فرصة جيدة لانتقاده.

الأنبار.. بين زمنين!

يقول الصحفي من الأنبار قاسم محمد علي، إن "المحافظة كانت ولا تزال تتمسك بالعشيرة، وهذا ما يميزها عن باقي محافظات العراق، لكن الوضع في المحافظة خلال السبعينيات والثمانينيات كان مختلفًا، عما شهدته بعد ذلك وحتى اليوم"، مبينًا أن "الأنبار بصورة عامة تهتم بالعشيرة وتقيم وزنًا للأعراف المجتمعية و(العيب) أكثر حتى من الدين، وهذا ما تعودنا عليها، لكن بالمجمل في السبعينيات كانت الملابس القصيرة رائجة هنا كما في بغداد، وفي الثمانينيات دخلت العباءة النسائية من دون حجاب، كما أن الحبانية السياحية كانت قبلة السائحين العراقيين والأجانب، وكانت الأمور طبيعية، لكن في التسعينيات وأثناء الحملة الإيمانية دخل الحجاب وحظرت بعض النشاطات الفنية والثقافية لكنها لم تمنع بشكل كامل".

يقول مسؤولون وصحفيون إن العشيرة ركيزة أساسية في الأنبار لا يمكن "المساس" بأعرافها، لكنهم يؤكدون أن "الهجمة" ضد الأنشطة المدنية لا تمثل جميع أبناء المحافظة

يضيف علي، أن "أبناء المحافظة باتوا أكثر تمسكًا بالعشيرة بعد سقوط النظام السابق والأحداث التي شهدتها انتهاءً إلى سيطرة داعش وطرده، باعتبارها جزءًا من عوامل الاستقرار"، كما يرى أن التصريحيات التي تصدر بين حين وآخر و"الهجمات" ضد النشاطات خصوصًا في الحبانية، "لا تمثل أهل الأنبار جميعًا، فهم ليسوا مع منع مظاهر الحياة، على الرغم من تمسكهم العادات والتقاليد".

الحكومة المحلية صامتة!

وعلى غرار الأزمة السابقة التي أثارتها "البرمودا"، اختارت الحكومة المحلية الصمت عن الجدل الجديد، في حين قال عضو مجلس المحافظة كريم الكربولي، إن "عادات وتقاليد الأنبار المتوارثة هي أساس بناء المجتمع في المحافظة، لكن هناك من يحاول التصيد في الماء العكر"، مبينًا في حديث لـ "الترا عراق"، أن "الأنبار منذ 1800 عام وحتى الآن تعيش على أساس العادات والتقاليد العشائرية والتقاليد المورثة، وليس من السهولة إدخال نمط حياة جديد على المحافظة الآن".

اقرأ/ي أيضًا: قانون قدسية كربلاء.. "لمدينة أحلى وأجمل" بلا حياة!

وعن الحياة المدنية التي كانت تشهدها خلال العقود الماضية، رأى الكربولي، أن "الأنبار كانت تعيش كما بقية المحافظات والمدن في العراق، ولكن ضمن إطار تحدده العشيرة"، لكنه أشار أيضًا إلى أن "الحريات الشخصية مكفولة بالدستور، ويجب في مثل هذه الأمور الجلوس للحوار وإبداء الآراء، وليس التهجم والتحرك بطريقة خاطئة كما حدث في ملف البرمودا والآن في موضوع عرض الأزياء".

الحبانية: نريد إقامة سهرات!

رد إدارة مدينة الحبانية السياحية، جاء بالمثل على البيان "المجهول"، حيث اتهمت شخصيات "دعمت الإرهاب" سابقًا بالوقوف وراء ما وصفتها بـ "الهجمة" ضدها. وقال مدير الحبانية السياحية مؤيد مشوح، إن "الحبانية بنيت كمدينة سياحية، تقام عليها العروض وفق طلبات تقدم لإدارتها"، مبينًا أن "عرض الأزياء جرى بطلب رسمي وبموافقة وزارة السياحة الاتحادية، على أرض المسرح البابلي، من قبل دار الأزياء العراقية".

وأضاف مشوح، أن "الأزياء التي عرضت كانت طبيعية جدًا، كتلك التي تباع في أسواق الفلوجة والرمادي"، مؤكدًا أن "العرض لم يشهد أي شيء مثير"، فيما شدد أن إدارة المدينة السياحية تسعى في الأساس لجذب الأنظار والسائحين، لذلك هي مع هذه النشاطات، "ولو كان بالإمكان لأقمنا السهرات الغنائية، ونحن نعمل على ذلك، وسنبقى مستمرين في الأمر".

اتهمت إدارة الحبانية شخصيات "ساهمت" بسقوط المحافظة بيد "داعش" بالوقوف وراء الحملة ضدها، مؤكدة سعيها لإقامة سهرات غنائية مستقبلًا

كما اتهم، "أشخاصًا محددين يدعون التدين ويحاولون منع عودة الحياة" بالوقوف وراء الأزمة الجديدة، محملًا إياهم مسؤولية "سقوط الأنبار سابقًا بيد تنظيم داعش، ومنهم المتحدث باسم ساحات الاعتصام سابقًا، عبد القادر النايل".

سجال الأنبار جاء ضمن مسلسل "القدسية" سواءً كانت دينية أو عشائرية، تفرضها أطراف وفق مقاييس مجهولة، لتمنع أنشطة مدنية كالاحتفالات بالأعياد والمناسبات غير الدينية أو إقامة الفعاليات والأنشطة المسرحية، هدفها "تقييد" المجتمع وفرض سلطتها عليه، مع غض النظر عن الفساد والأزمات الحقيقية التي تواجهها البلاد، كما يقول نشطاء ومراقبون، في حين توجه اتهامات بالمقابل للمدافعين عن تلك الفعاليات بـ "الدعوة إلى الانحلال والإلحاد وجر المجتمع إلى الرذيلة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتهاكات وسوء الخدمات في مواجهة الموسيقى.. أيهما "يخدش" قدسية كربلاء؟

قانون قدسية النجف.. تقديس المقدس