يزداد الحديث في الآونة الأخيرة، عن مساعٍ تركيا لإعادة رسم الحدود مع العراق، مستغلةً بذلك العمليات العسكرية التي تنفذها أنقرة في المحافظات الشمالية ضدّ حزب العمال الكردستاني بين الحين والآخر، فضلًا عن المشاكل والخلافات القديمة ـ الجديدة بين البلدين.
ويرتبط العراق بتركيا شمالًا عبر شريط حدودي يبلغ من الطول 367 كم يمر بمناطق جبلية وعرة ومرتفعات عديدة، في حين تمتد هذه الحدود باتجاه سوريا غربًا، وإيران من الشرق، ويعود تاريخ رسمها إلى العام 1926 وفقًا لمعاهدة أنقرة وبقرار من محكمة العدل الدولية في لاهاي.
معاهدة أنقرة التي نظمت الحدود بين العراق وتركيا غير قابلة للتعديل والتجديد وفقًا لباحثين ومراقبين للشأن السياسي
ومن المعروف أن معاهدة أنقرة وقعت في 5 حزيران/يونيو 1926، بين تركيا والمملكة المتحدة (بريطانيا)، والعراق، وتهدف المعاهدة إلى حل ما يسمى بـ"قضية الموصل" من خلال تحديد حدود مرضية للطرفين بين تركيا والعراق وتنظيم علاقات الجوار بينهما، فيما نصّت الاتفاقية على أنه "سيكون لتركيا الحق في الدخول بنزاع عسكري في المنطقة الحدودية في حالة زعزعة استقرارها"، ويغطي مجال النفوذ هذا الذي يتجاوز الحدود الحديثة لتركيا الجزء الشمالي من العراق بشكل رئيس ولا سيما منطقة الموصل وكركوك.
جذور النزاع
وتعود جذور مشكلة الحدود العراقية – التركية إلى السنوات الأولى لظهور الدولتين على أنقاض الحرب العالمية الأولى، وفقًا للأكاديمي في التاريخ السياسي، حيدر شاكر خميس.
ويقول خميس لـ"ألترا عراق"، إنه "بعد إنشاء المملكة العراقية في عام 1921 وجمهورية تركيا عام 1923، بدأت المباحثات في مؤتمر القرن الذهبي في أسطنبول لترسيم الحدود بينهما وبين بريطانيا الدولة المنتدبة على العراق وتركيا، إلا أنها باءت بالفشل، وأحيل الموضوع إلى عصبة الأمم التي شكلت لجنة في أيلول 1924 أوصت بأن يكون خط بروكسل الذي يمثل الحدود الشمالية لولاية الموصل القديمة هو الحد الفاصل بين البلدين".
وتبنى هذا الرأي من قبل عصبة الأمم والمحكمة الدولية، وفي 5 حزيران/يونيو 1926 تم توقيع معاهدة أنقرة، بحسب خميس الذي أضاف أنّ "المعاهدة رسمت الحدود رسميًا في عام 1927".
ووفقا لحديث الأكاديمي، لـ"ألترا عراق"، فإنّ هناك بعض الأوساط التركية الشعبية والحزبية ترى الاتفاقية "غير منصفة"، رغم مرور عقود على توقيعها، متحججة بذريعة أن "تركيا وافقت على توقيعها مضطرة بعد هزيمة الدولة العثمانية التي تعد تركيا الوريث الشرعي لها".
ويتحدّث خميس قائلاً إنّ "المشكلات بين البلدين كانت تتأجج بين مدة وأخرى لعدة أسباب أبرزها القضية الكردية، إذ إن توزيع الأكراد الجغرافي على تركيا والعراق وإيران وسوريا جعل المشكلة الكردية مشتركة في هذه الدول، وفي مقدمة تلك الخلافات تمحورت حول الملاحقة التركية داخل الأراضي العراقية لعناصر حزب العمال الكردستاني والتي تعدها حق طبيعي لها وفق المعاهدة الموقعة مع النظام العراقي السابق".
والأوضاع الدولية الراهنة شجعت تركيا على إثارة الموضوع حاليًا كما يقول خميس الذي يرجع ذلك إلى رغبة أنقرة لأداء "دور مهم في حلف الناتو بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ترى حكومة تركيا أن ما يجري الآن من أحداث يعد فرصة سانحة للخروج على معاهدة لوزان الموقعة في 24 تموز/يوليو 1923، وتوسيع نطاق الحماية التركية خارج الحدود المتفق عليها في تلك المعاهدة".
أسباب الانتشار في نينوى
وفي هذا الصدد، يشير الأكاديمي والباحث السياسي العراقي يحيى الكبيسي، إلى عدم وجود معطيات على أرض الواقع تذهب صوب تغيير الحدود بين العراق وتركيا.
وبحسب الكبيسي، فإنّ "معاهدة أنقرة لعام 1926 الموقعة بين تركيا والعراق وبريطانيا رسمت خلالها الحدود وفق لما يعرف بخط بروكسل"، مؤكدًا أنّ "المعاهدة نهائية وغير قابلة للتعديل أو المراجعة، وبالتالي كل الادعاءات المتعلقة بتغيير الحدود لا يمكن التعامل معها بجدية، وهي مجرد بروباغاندا سياسية لا أكثر".
وبشأن وجود القاعدة التركية في محافظة نينوى، يقول الكبيسي لـ"ألترا عراق" إنّ "القاعدة افتتحت بالاتفاق مع إقليم كردستان من جهة، ومع بعض السياسيين الفاعلين السنة من جهة أخرى في العام 2014 في سياق الحرب على تنظيم داعش".
أما فيما يتعلق بالتحركات داخل الأراضي العراقية فهي نتيجة لبروتوكول موقع بين العراق وتركيا في الثمانينات يتيح للقوات التركية الدخول مسافة 10 كم داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني، بحسب الكبيسي.
تعليق تركي
إلى ذلك، استبعد الأكاديمي التركي يوسف كاتب أوغلو، مساع بلاده لإعادة رسم الحدود مع العراق رغم وجود العمليات العسكرية سواءً الجوية أو البرية، معتبرًا في الوقت نفسه أن هذه العمليات جاءت لحماية بلاده من تحركات الـ"pkk".
تريد تركيا أن تحصل على 1400 كيلو متر مربع من العراق
وبشأن اختيار توقيتات هذه العمليات العسكرية وتأثيرها، يقول أوغلو في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "حكومة أنقرة تسعى من خلال هذه العمليات إلى اجتثاث جميع عناصر حزب العمال وليس بهدف تغيير الاتفاقيات الخاصة برسم الحدود".
ويرى أوغلو أنّ حزب العمال الكردستاني "يهدد الأمن القومي التركي وبالتالي لا بد من الانتهاء منه، مشيرًا إلى أنّ "حكومته ستعمل على فتح ملف الحدود بين العراق وتركيا بالنسبة لبعض المدن العام المقبل عقب انقضاء 100 عام على معاهدة لوزان".
وثائق عراقية
تطالب تركيا رغم مرور السنوات على ترسيم الحدود مع العراق بنحو 1400 كيلومتر مربع من العراق، وفقًا للباحث السياسي وللأكاديمي في الجامعة الأمريكية، عقيل عباس.
ويقول عباس لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراق يمتلك وثائق تثبت ملكية هذه المساحات، مستدركًا "لكن الحكومات العراقية بحثت هذه المطالبات التركية ولم تحسم إلى الآن، في حين أن العراق لا يسيطر على هذه الحدود منذ 35 عامًا".
وبحسب عباس، فإنّ حكومة صدام حسين، سمحت لتركيا بالدخول إلى العراق خلال عام واحد خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، في حين أنّ هذه المساحات "لم تعد تحت سيطرة حكومة بغداد مما سمح لحزب العمال وبعض الجهات الأخرى بالتوسع فيها، ما أعطى تركيا حجة قوية بالتوغل واستهداف تلك المجاميع".
وبشأن الحديث عن مساع تركيا لأخذ بعض الأراضي العراقية من خلال تلك العمليات العسكرية، يوضح عقيل، أنّ "حكومة أنقرة لديها اعتراض علني بشأن رسم الحدود مع العراق، لكن استبعد الاستحواذ على الأراضي العراقية الآن بواسطة عمليات ملاحقة عناصر حزب العمال".
تأثير إيراني
وتمثّل قضية الخلاف على حدود البلدين خصوصًا من جانب محافظة نينوى عقدة أزلية مستمرة منذ سنوات بين بغداد وأنقرة، بحسب الباحث السياسي دريد الناصر الذي يقول إنّ "الأوضاع التي يعيشها العراق سواءً على الصعيد السياسي أو الأمني وحتى الاقتصادي ساعد تركيا على اتخاذ قرار التوغل والتحرك على الأراضي العراقية، فضلاً عن وجود ضغوطات إيرانية تمارس على تركيا".
يستبعد باحثون نية تركيا بالاستحواذ على أراضي العراق من خلال ملاحقة حزب العمال الكردستاني
وبحسب تحليل الناصر، فإنّ هناك رغبة حقيقية الآن لإيران بشأن إخراج التواجد العسكري والسياسي الموجود في العراق، خصوصًا في إقليم كردستان مما يشكل تخوفًا لطهران من إعادة رسم تلك الحدود بين العراق وتركيا.