في وسط مدينة تكريت يقع ثاني أكبر مجمع للقصور الرئاسية في العراق، أنشئ تلبية لرغبة رئيس النظام السابق صدام حسين، حينما أراد تحويل تكريت إلى عاصمة أخرى تنافس بغداد التي تبعد عنها 170 كم جنوبًا، لكن "الجنة" التي قامت فوق المدينة القديمة كانت شاهدًا على قصص ومآسي وحوداث وثقت تحولات البلاد.
أسس صدام حسين القصور الرئاسية في تكريت على الجزء التاريخي من المدينة وحولها إلى "جنة تجري من تحتها الأنهار"
يشير خبراء إلى إن صدام حسين، حافظ على بعض المباني التي تمثل تكريت القديمة لكنه حول الجزء التاريخي إلى مجمع رئاسي خاص، توالت عليه الحقب والجهات المسيطرة من نظام دكتاتوري إلى قوات محتلة ومجاميع غازية، ثم انتهت إلى سيطرة الحشد الشعبي.
اقرأ/ي أيضًا: هكذا بدأت "النكبة".. قصص لم ترو من "سقوط" الموصل وتكريت!
يقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين سبهان الملا جياد، إن "نية لاستثمار تلك القصور سياحيًا كانت هناك، وفعليًا قمنا بدعوة المستثمرين قبل 2014 لغرض تحوليها إلى منتجعات سياحية كما هو الحال في قصور جنوب البلاد"، عازيًا في حديث لـ "الترا عراق"، فشل المشروع إلى حاجة قانون الاستثمار إلى تعديل، والوضع الذي لم يكن مُهَيَّئًا حينها في تكريت من ناحية الأمن والخدمات اللازمة لإنشاء مناطق استثمارية سياحية.
ويضيف، أن أغلب القصور الرئاسية في تكريت باتت مدمرة اليوم بسبب سيطرة "داعش" على المدينة، ثم تحول ما تبقى منها إلى "مقار أمنية أغلبها للحشد الشعبي"، كما أنها أصبحت "رمزًا ومزارًا لذوي شهداء حادثة سبايكر الذين أعدم المئات منهم فيها".
كان تنظيم "داعش" قد عمد بعد فرض سيطرته على تكريت، إلى تحويل القصور إلى سجون ومنصات إعدام، للجنود المختطفين من قاعدة سبايكر العسكرية، كما وثقت ذلك مقاطع مصورة وصور بثها التنظيم في أولى إصدارته بعد اجتياح نحو ثلث مساحة البلاد في عام 2014.
تنقسم القصور إلى مجمعين جنوبي وشمالي، وتضم نحو 75 قصرًا ومبان أخرى، أشهرها قصر ذوالفقار والفاروق والسجود والوطن العربي، إضافة إلى عشرات القصور الأخرى الفارهة التي تجري مياه نهر دجلة من تحتها وتحيط بها الغابات الخضراء، وشوارعها المتعرجة، التي توحي بأنها "جنة خارج العراق".
شهدت القصور الرئاسية على تحولات البلاد بعد 2003 بدءًا من الاحتلال مرورًا بـ "جرائم داعش" وانتهاءً باستحواذ الحشد الشعبي عليها
تشمل القصور أيضًا، مواقع تاريخية حتى الآن من ضمنها المنزل الذي ولد به القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي وأقدم الكنائس المسيحية في العالم وهي الكنيسة الخضراء.
قصة التأسيس
لا يخفي الباحث التكريتي رياض الجابر حسرته على "ضياع" فرصة الانتفاع من القصور الرئاسية على الرغم من أنها أسست على أهم جزء في المدينة، وهي الأحياء التاريخية وأبرزها ما يعرف بمنطقة الحي.
اقرأ/ي أيضًا: من تفجير العسكريين إلى "الجاموس المتوحش".. قصة سامراء و"الطائفية"!
يروي الجابر لـ "ألترا عراق"، أن "الجزء التاريخي من تكريت تحول في التسعينيات الى مشروع القصور الرئاسية وشرع صدام حسين ببنائه وتشيده بطرز راقية جدًا، كمقر بديل للعاصمة، أو قصور لاستقبال أرفع الوفود القادمة إلى العراق، والتي تنوي الإقامة في شمال البلاد".
يضيف، أن "القوات الأمريكية سكنت في القصور لعدة سنوات بعد 2003 حتى سلمتها للحكومة المحلية التي اتخذتها مقرًا للسلطة المحلية متمثلة بمجلس المحافظة ومفوضية الإنتخابات وغيرها، لكن سيطرة تنظيم داعش والحرب تسببت بدمارها"، فيما يرى أن الصرح تعرض لدمار جزئي وهي بحاجة إلى إعادة إعمار ومن ثم تأهيل، ومن بعدها يمكن أن تتحول إلى مدينة سياحية كبيرة يمر خلالها نهر دجلة، مع إمكانية استغلال القصور الرئاسية فيها كفنادق فخمة.
"كنز اقتصادي"!
كان يمكن للصرح الفخم أن يؤمن أموالًا طائلة للمحافظة التي "قصم ظهرها" دمار المنشآت النفطية والبنى التحتية وأهمها مصفاة بيجي، شمالي المحافظة، وفق الخبير الاقتصادي غسان العلي.
يقول العلي لـ "الترا عراق"، إن "القصور الرئاسية إضافة إلى آثار سامراء العباسية، والمزارات الدينية في سامراء وبلد، هي مشاريع سياحية رابحة، ولكن الجماعات الإرهابية وإهمال الحكومات جعلها في أسوأ أحوالها".
يرى اقتصاديون أن القصور الرئاسية كانت ستمثل "كنزًا اقتصاديًا" لو أنها استثمرت كمواقع سياحية
أضاف العلي، أن "المنشآت النفطية والأراضي الزراعية الشاسعة كانت العمود الفقري الاقتصادي للمحافظة، لكن دمار الأولى والكوارث التي حلت بالثانية، جعلت من الواجب البحث عن بديل، ولربما استغلال القصور الرئاسية وباقي الآثار والمزارات أصبح لزامًا".
اقرأ/ي أيضًا:
"صورني وي الشهداء".. سبايكر "تدين" حكومة جديدة بالفساد وحماية "المجرمين"!
ماذا تعرف عن المنطقة الخضراء؟ قوانينها وشوارعها المفتوحة وساعات الفتح