يمتد تاريخ المطبخ الموصلي من الإرث الآشوري إلى الروح العربية والتركية والإنجليزية، التي أثرت على أطباق المدينة الشهيرة نظرًا للاحتلالات التي شهدها العراق، وباتت هذه الأطعمة أبرز ما يجذب القادمين إلى الموصل فضلًا عن السكان المحليين.
في الأطعمة الموصلية مزيج من العادات الآشورية والعربية والتركية والانجليزية
المطبخ الموصلي يعتبر فريدًا من نوعه لعدة أسباب، أبرزها اعتماده بشكل رئيسي على مادة البرغل، ولحم العجل الذي يتوفر في أغلب الأطباق الشهيرة، وبقية اللحوم الحمراء، بكافة صنوفها. وعلى الرغم من الحروب والأزمات التي مرت على المدينة، إلا أن المطبخ الموصلي ظل محافظًا على عراقته وتميزه.
وللمطبخ الموصلي 10 أصناف من الأطعمة تعد الأشهر يستعرضها لكم "ألترا عراق" هنا:
1- القلية
تتكون "القلية" من البصل الأحمر ولحم العجل الهبر، إضافة إلى شحم العجل "اللية" والتي تعرف محليًا بـ"الطرف"، مع القليل من دبس الرمان، حيث تخلط وتوضع على النار لساعات حتى تصبح جاهزة. وتقدم كوجبة إفطار، لكن المطاعم تخلو منها بعد الساعة الثامنة صباحًا، لإقبال الموصليين عليها منذ الفجر.
2- البرمة
تعد "البرمة" من الأكلات الشتوية التي تتفرد بها الموصل، وتتكون من اللوبيا والعدس غير المطحون والحبية والبرغل والكمون واللحم، مع قليل من الفلفل والملح، حيث تقدم عادة في المساء، وقد نقلها الموصليون إلى بعض المدن المجاورة مثل أربيل.
3- العروق
تتكون وجبة العروق، من الجريش والطحين والقليل من الخميرة واللحم المثروم جيدًا، مع الطماطم والبصل والفلفل الأخضر، وتوضع تلك المكونات في الفرن حتى تنضج.
4- الباجة
شأنها شأن بقية مدن البلاد، تتميز الموصل بطبق "الباجة"، وهي رأس الخروف المسلوق المقدم مع الخبز المقطع. ولا تقتصر هذه الوجبة الدسمة على العراق فقط بل تمتد إلى مدن عربية أخرى، وحتى غربية.
لكن اللافت، في "الباجة الموصلية"، هي إضافات تقدم مع رأس الخروف مكونة من أجزاء أخرى منه، مثل: الكيباية والممبار والكرشة والمقادم، حيث يتم تحشيتها باللحم إلى جانب الباجة، فيما يشتهر بطبخ تلك الوجبة بجودة قل نظيرها، هم المسيحيون في الموصل.
5- الباسطرما
هي عبارة عن لحم عجل وشحم وبهارات وثوم، يتم خلطها ومن ثم تصنيعها على شكل حبال، وتباع في المحال وتقدم في وجبات الإفطار عند الصباح، مع البيض المقلي، وتنتشر في محيط الموصل والمدن الكبرى مثل بغداد وأربيل ودهوك وتكريت.
6- الكبة
تعتبر الكبة واحدة من أشهر اطباق الموصل، حيث تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الكبة الكبيرة وتتكون من الجريش أو البرغل واللحم الهبر أو المثروم، إضافة إلى البصل والفلفل الأسود المطحون والكشمش واللوز.
أما الثانية فهي كبة حلب، نسبة لمدينة حلب السورية القريبة من الموصل، وتتكون من الرز واللحم المثروم والكرفس والكشمش، فيما يعرف النوع الثالق بـ"البتيتة جاب"، وتتكون من البطاطا والطحين واللحم والكشمش.
وتلقى الكبة الموصلية رواجًا كبيرًا في جميع مدن البلاد، حيث تباع في أغلب الأسواق، لكن أهالي الموصل يفضلون منها ما تطبخه النساء الموصليات في منازلهن. كما تقدم الكبة كوجبة رئيسية للمسلمين والمسيحيين في الأعياد وشهر رمضان.
7- تشريب كص
هو عبارة عن قطع لحم، أو كما يعرف في سوريا ودول أخرى بالشاورما، مع خبز مقطع صغيرًا، ومرق حمراء، يوضع جميعًا ويقدم في الصباح، فيما يقدم عادة في محال متخصصة، ويصل الطبق إلى عشرة آلاف دينار، وهو سعر مرتفع قياسًا إلى بقية الأطباق.
8- البرغل
هو البرغل المطبوخ مع الطماطم ومعجون الطماطم والفلفل، ولا يخلو منزل موصلي من هذا الطبق في الأيام العادية، وكذلك يقدم في المطاعم إلى جانب الرز، وتشتهر مناطق غرب الموصل ومنها تلعفر بهذا الطبق، حيث يقدم هناك مع لحكم الغنم.
9- الدولمة
تعد الدولمة من الأطباق الشهيرة في العراق، ويعشقها البغداديون، إلا أنها في الموصل تعد جزءًا من الإرث التاريخي للمدينة، وتنقسم إلى نوعين: الملفوف المكون من السلق الملفوف جيدًا، وبداخله خليط من بصل وطماطم وكرفس ولحم، أما الثاني وهو المعروف عراقيًا، ويتكون من الطماطم والباذنجان والبصل والسلق، وورق العنب المحشية، مع ضلوع اللحم والباقلاء، والمطبوخة جيدًا.
10- القوزي
القوزي هو جزء من المطبخ العراقي، لكنه يعد من أكثر الأكلات الشعبية المنتشرة في الموصل، والتي تباع في المطاعم أو تطبخ في المنازل، والتي تعتمد على لحم الخروف. ويمتاز الموصليون بوضع كامل الخروف مع الرأس حيث يتم حشيه بالمكسرات والخضروات والبهارات فوق صحن كبيرة مليء بالرز والبرغل سوية.
لماذا اللحم في كل الطعام؟
يقول خبير التغذية وشيف الطبخ محمد الطائي لـ"الترا عراق" إن "الأكلات المصلاوية تعتمد على اللحم الأحمر بمختلف أطباقها أكثر من الأبيض والسمك، لعدة أسباب أبرزها، هو وفرة المواشي في المدينة، مبينًا أن "الموصل باعتبارها مدينة زراعية، ما يجعل ثمنها مناسبًا لغالبية أبنائها، فضلًا عن مذاقه اللذيذ".
تعتمد الأكلات الموصلية على اللحم الأحمر بمختلف أطباقها نظرًا لطبيعة المدينة الزراعية وكثرة المواشي فيها
أوضح الطائي، أن "هناك أطباق من السمك والدجاج في الموصل، لكن الناس هنا في الغالب يفضلون اللحم، حيث تتقن النساء مقادير طبخه في الأطباق الرئيسية التي تشتهر بها المدينة".
تاريخ المطبخ الموصلي
من جانبه يقول الباحث والمؤرخ الموصلي الدكتور إبراهيم العلاف لـ"التر عراق" إن "المطبخ الموصلي استمد الأفكار والذوق من المطبخ الآشوري بشكل رئيسي، حيث يعد البرغل امتدادًا للتراث الآشوري، وكذلك الكبة"، مشيرًا إلى أن "المطبخ التركي، حاضر بقوة أيضًا في الموصل، والمستمد أصلًا من المطبخ اليوناني، ومن أبرز أطباقه الدولمة، كما أن المطبخ الإنجليزي حاضر ومن وجباته الباجة مثلا".
عن أوضاع المطبخ الموصلي في فترات الحرب، وآخرها حرب ضد "داعش" يقول العلاف، إن "الموصلين معروفين منذ القدم بخزن المواد الغذائية، وأهمها البرغل وخبز الأرقاق في أقبية المنازل، لاستخدامه في الشتاء وفي أيام الحرب، والحصار، وهو ما شهدناه فعليًا في الحرب الأخيرة، حيث حافظ الموصليون على كمية كافية من الأطعمة التي يمكن تخزينها، داخل السراديب وتم استخدامها فعليًا في المناطق التي استمرت فيها الحرب لمدة طويلة مثل المدينة القديمة".
الموصليون حافظوا على تميّز مطبخهم بالرغم من الدمار والنزوح، والأخير أدى إلى أن ينقلوا أطباقهم إلى المدن التي نزحوا إليها
يؤكد العلاف، أن "أبناء الموصل، حافظوا على تميز مطبخهم رغم ذلك الدمار والنزوح، حيث تمكنوا من نقل أطباقهم إلى المدن التي غادروا إليها، مثل أربيل ودهوك وسامراء وبغداد، بل وحتى في تركيا وأوروبا، ومن ثم عاد البعض منهم إلى الموصل لاحقًا، وأعاد احياء مطاعمها"، مبينًا أن "سمعة المطبخ الموصلي وجودة أطباقه، وصل قديمًا حتى الأندلس".