هبط موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" مرّة واحدة على العراقيين. وكأنّهم اكتشفوه مجتمعين، وصار الجميع يمتلك صفحته على الموقع الأزرق. ورواد الفيس بوك من العراقيين يميزون بين الطارئ والخبير.
فالأوّل مشغول بنشر الصور، والتعليق طوال الوقت على أصدقائه القليلين بعبارات محدّدة، فضلًا عن خلطه الدائم بين الرسائل الخاصة والصفحة العامّة، إلا أن هذا الطارئ سرعان ما يندرج في الحفلات الجماعية التي تقام كل يوم بين العراقيين بشأن حدث واحد. يُطبخ الحدث على نار هادئة، ويصبح له مشتهون كثر، مُزيدين البهارات على طبخة "الحدث"، أو متذوّقين له.
النقاش على الفيسبوك العراقي والتهديد بتعالي تجعل البعض يندم على افتراضية الموقع، فغضبه يجعله يتمنى أن يمسك خوانيق خصمه ليؤدبه
وعلى هذا الأساس، يكتب مازن الزيدي، الصحفي العراقي -صباحًا- بين الفينة والأخرى متسائلًا عن "المنيو" على فيس بوك لهذا اليوم أو ذاك، ويأتي تعليق الزيدي بعد أن يكون الفيس بوك العراقي قد مرّ بيوم صاخب تجاه حدث أو تعليق أو فيديو، وشهد "تحليلات" مطوّلة، وتفسيرات لا يتوانى البعض من الانجرار خلفها بخفّة معهودة.
اقرأ/ي أيضًا: أشباح تلاحق المالكي
فمثلًا، تثير أغنية هابطة شهيّة ناقد، ليخضعها لمجاهر النقد والتحليل، وهو بطبيعة الحال لا يتعدى أن يكون كلامًا خاليًا من أي معنى إذا ما أخضع للمعايير النقدية، وسوى شهوة الحديث لدى الكاتب، فليس هناك أي تفسير للذي دفعه إلى كتابة مطوّلته.
ومن الحسن إلى الآن أن "الفيس بوك" فضاء افتراضي، فقسوة النقاش على أوجها، والتهديد يتعالى، وثمّة من يتندّم على "افتراضية" هذا الموقع، إذ إن غضبه يجعله يتمّنى أن يمسك خصمه من "خوانيقه" ليؤدبه، وثمّة من لا ينسى نقاش أو حديث متوتّر، فيتوعّد خصومه بعذاب أليم على أرض الواقع.
لكن هذا كلّه لا يختلف عن أيّ فضاء افتراضي آخر في هذا العالم المتقزّم، غير أن الجديد، الذي عرفته الأحزاب السياسية خلال العامين المنصرمين، هو أهميّة "الفيس بوك" في السجال والتناحر السياسي، إذ هكذا صار لغالبيّة الأحزاب جيوش وموظفون على "فيس بوك"، يشتمون كل من يعارض حزبهم، ويسوقون مآثر رئيس الحزب وبراعته وإنسانيته من خلال فيديوهات أو صور منتقاة بعناية، في الفضاء الإلكتروني.
الفيس بوك العراقي يبدو منصّة "مشاع" لممارسة التسقيطات أو الحرب التشويهية
ومآثر رئيس الحزب هذا، تثير غيرة رئيس الحزب ذاك، فينطلق السباق بين الجيشين الإلكترونيين، وتدّب المعارك بينهما، ويدخل المدنيون بينهما -تمامًا كما يحصل على أرض الواقع- إما مؤيدين لصالح طرف ضد طرف آخر، أو شاتمين للطرفين، وفي الواقع "منيو" الفيس بوك العراقي لا يبدو في الكثير من الأحيان عفويًا، فلطالما وقف خلف إثارة حدث ما جهة سياسية عراقية.
هناك تسقيط متعمّد من بين الجهات المتناحرة، وبما أن الإعلام الحزبي، والإعلام العراقي في عمومه المرئي منه والمسموع والمكتوب، منتميًا إلى، أو مقربًا، من/إلى جهات سياسية، ما ينفي عنه صفة الموضوعية، وفقدان الثقة من المتلقين، فإن الفيس بوك يبدو منصّة "مشاع" لممارسة التسقيطات أو الحرب التشويهية.
وصار لـ"منيو" الفيس بوك العراقي وجبات دولية، فبعض السفارات أصبح لها جنود في جيوشها يدافعون عن سياسات بلدانها، أو الداعين إلى سياسات "مفيدة" لها في بلاد ما بين النهرين، وهكذا أخذ "المنيو" يتسع، والكل يغرف منه، ويشترك في صناعة الأحداث التي تشغل العراقيين، والحال، فإن الواقعين، الحقيقي والافتراضي، باتا ملوثين، فأين المفر؟
اقرأ/ي أيضًا:
فتاة الدراجة الهوائية
مهند حيال.. في "شارع حيفا" البغداديّ
الطلاق في العراق.. أزمة مستجدة فوق الدم