ألترا عراق ـ فريق التحرير
بين الحين والآخر يحج مثقفون وكتاب عراقيون إلى منزل الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان الذي ولد في بغداد عام 1927، وتوفي في موسكو عام 1990، وبما لم يأتِ هذا الجذب الذي يتمتع به منزل فرمان من فراغ، بل بفعل ما يتمتع به منزل فرمان ومنطقته من مكان وتصوير داخل رواياته وذكره الدائم لها.
تحوّل منزل الروائي العراقي غائب طعمة فرمان إلى "مكب نفايات"
وعلى هذا الأساس، دفعت رواية النخلة والجيران لفرمان بعدد من الكتاب للذهاب بحثًا عن هذه النخلة في منزل فرمان بمنطقة (المربعة) في شارع الرشيد.
اقرأ/ي أيضًا: أزمة الاستبداد.. اغتيال الصحافة في الرواية العراقية
ونشر الروائي خضير فليح الزيدي مقطع فيديو، وهو يرثي النخلة والجيران بعد أن لم يجدهم على أرض الواقع، وهو واقف وسط أنقاض منزل فرمان الذي تحوّل إلى خرابة.
وكتب الزيدي في تدوينة اطلع عليها "ألترا عراق" معلقًا على الفيديو: "يوم حزين، تم إزالة النخلة وهاجر الجيران يا فرمان، 15 عائلة فقط ما تبقى من حي المربعة على وفق تصريح المختار"، وأضاف مخاطبًا فرمان: "فلا تحزن، فالمربعة في الروايات أجمل بكثير من الواقع".
وبيّن أن مقطع الفيديو خلال زيارة ثانية وسريعة عصر يوم 21 آب/أغسطس 2021 إلى (البيت/ المتحف) للروائي المرحوم غائب طعمة فرمان، أنا وصديقي الصحفي عبد الجبار العتابي، مضيفًا: "صدمنا بردم ما تبقى من بيته، صعقة غير متوقعة، انتهى الحلم وأفقنا على الواقع الرث".
ونشر الكاتب والصحفي العراقي، علي حسين، منشورًا قارن فيه بين بيوت شخصيات مصرية، وبين بيت الروائي العراقي، غائب طعمة فرمان، وقال إن "الصورة الأولى ما تبقى من بيت غائب طعمة فرمان، أشهر روائي عراقي وقد تحوّل إلى مكب للنفايات، الصورة الثانية في مصر حيث أطلقت وزارة الثقافة مشروع "عاش هنا"، وضعت لافتات رقمية لتوثيق المباني التي سكنها يوسف إدريس ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وزكي نجيب محمود وتحية كاريوكا ومئات غيرهم.. هذا إلى جانب متاحف بأسماء طه حسين والعقاد وأحمد شوقي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وأم كلثوم".
ويعتبر غائب طعمة فرمان مؤسسًا للرواية العراقية الحديثة، بحسب الكاتب شاكر الأنباري، والذي يقول في منشور له، إنه "من أعمدة الرواية العربية المعاصرة، مضيفًا "لا أعتقد أن الحبربش الذين يحكمون اليوم بسلطة المال المسروق، والسلاح، وكواتم الصوت، والتدين الكاذب، قد سمعوا باسمه، وإن سمعوا فلم يقرأ أحد منهم حرفًا واحدًا من ثمار عقله المنحاز للفقراء، والمظلومين".
وأشار الأنباري إلى أن "بغداد التي تجلت صورها في رواياته، كشخصيات وأمكنة وهموم، كانت أجمل من الحاضر، كما يقول الروائي خضير فليح الزيدي الذي التقط هذه الصورة ونشرها على صفحته الفيسبوكية. وكانت أحداث روايات غائب جرت قبل أكثر من سبعين سنة تقريبًا. وما زال العراقيون يتذكرون أسماء شخصياتها جيدًا. أثر بسيط ينم عن مأساة هائلة".
وينقل عبدالجبار العتابي في مقال سابق واقع منزل فرمان وهو مذهول، مستغربًا من عدم انتباه أي من المؤسسات الثقافية إلى هذا البيت لتمنحه بعض الاهتمام مما يجعله علامة مميزة في تلك المحلة مثلما يمنح الكاتب الراحل قيمة اعتبارية".
ويقول: "حين ذهبت إلى تلك المحلة لاستطلعها فوجئت بمن يدلني على بيت غائب طعمة فرمان، شعرت بالذهول وأنا اقف أمام (خرابة) ونفايات في أحد الأزقة الضيقة المتهالكة الخالية من سكانها بسبب عدم صلاحية البيوت للسكن، حتى أنني لم أصدق ذلك لولا أن الرجل الذي دلني على المكان أخبرني أنه ابن عم الكاتب غائب وأن غائب ولد في هذا البيت كان يعيش هنا قبل سفره إلى الخارج، فوجدتني أسأله إذا ما كان أحد من أية مؤسسة ثقافية، حكومية أو غير حكومية، يعرف المكان أو زاره أو استفسر عنه، فنفى الرجل نفيًا قاطعًا".
وأضاف متسائلًا: "كيف لمثل هذا البيت لروائي عراقي كبير يهمل بهذه الطريقة، وكان من الممكن أن يكون متحفًا أو مركزًا ثقافيًا يضفي على المحلة البغدادية زهوًا وحضورًا مثلما يمنح الحركة الثقافية حافرًا مهمًا، والأهم؛ أن في ذلك تكريم للكاتب الراحل وما حقق من إنجازات إبداعية لها أثر في المجتمع العراقي، لكنني سرعان ما سخرت من نفسي وحرقة دمي وهززت يدي وهمست: على أساس المؤسسة الثقافية أو الحكومة لم تهملا شيئًا وما بقي إلا الاهتمام بروائي ميّت لا يعرفون عنه شيء".
وفي العام 2020، وقع اختيار جائزة "كتارا" للرواية العربية بدورتها السادسة، على غائب طعمة فرمان ليكون شخصية العام، كونه أحد رواد الأدب العربي وساهم بإبداعات أدبية وفكرية انتشرت بالمجتمعات العربية.
وكانت روايات غائب تؤرخ لوقائع مرحلة تاريخية معينة تشمل الحقبة الملكية، والتأريخ الذي تناوله مثبت في مكان محدد هو: المحلة الشعبية البغدادية. وعداها فما من مكان آخر، عدا أرض الغربة، التي تحدث عنها في رواية (المرتجى والمؤجل).
ويقول الناقد العراقي علي حسن الفواز: "لا أعرف لماذا أتذكر غائب طعمة فرمان كلما جرى الحديث عن بغداد، المدينة الموغلة في حميميتها، المدينة الحزينة وبغداد الذكريات وبغداد الشاطئ والليالي الملاح، إذ تبدو هذه المدينة وكأنها أصبحت جزءًا من تاريخ حكواتي حافل بالأسرار".
قال عبد الرحمن منيف إن من يريد التعرف على مرحلة أواخر الأربعينيات والخمسينيات لا بد أن يعود لغائب طعمة فرمان
من جهته، كتب الروائي الشهير عبد الرحمن منيف عن غائب، قائلًا: "لا أعتقد أن كاتبًا عراقيًا كتب عن بغداد كما كتب غائب، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، وربما إذا أردنا أن نعود للتعرف على أواخر الأربعينيات والخمسينيات لا بدّ أن نعود إلى ما كتبه غائب".
اقرأ/ي أيضًا: 4 روايات عراقية جديدة
وترك فرمان 10 روايات وقصص، هي: حصاد الرحى (مجموعة قصص) 1954، مولود آخر (مجموعة قصص) 1959، النخلة والجيران (رواية) 1966، خمسة أصوات (رواية) 1967، المخاض (رواية) 1973، القربان (رواية) 1975، ظلال على النافذة (رواية) 1979، آلام السيد معروف (رواية) 1980، المرتجى والمؤجل (رواية) 1986، المركب (رواية) 1989.
أما الترجمات، فترجم الروائي الراحل نحو 30 كتابًا، ومن أبرزها: أعمال تورجنيف في خمسة مجلدات، القوزاق لتوليستوي، مجموعة قصص لدستويفسكي، مجموعة قصص لغوركي، المعلم الأول لايتماتوف، مجموعة أعمال بوشكين، لاشين عملاق الثقافة الصينية.
اقرأ/ي أيضًا: