ألترا صوت ـ فريق التحرير
لم يكن صباح 10 كانون الثاني/يناير الجاري عاديًا، حيث وجدت جثة مصور صحفي ملقاة على قارعة الطريق في العاصمة العراقية بغداد، ليعلن بعد ساعات مقتل مالك مطعم ليمونة الشهير، الواقع في شرقي بغداد، وبأسلحة كاتمة للصوت.
قال مصدر أمني إن عصائب أهل الحق اغتالت صاحب مطعم في بغداد لأنه رفض دفع الأتاوة كما يدفع غيره من أصحاب المطاعم والمحال التجارية
الحادثتان وقعت مسؤوليتهما على مجهولين كسياق تقليدي متبع عند الاغتيالات من هذا النوع، والذي تعلن القوات الأمنية فيه أنها تفتح تحقيقًا، لكن نتائج التحقيق تظل غامضة لا يكشف عنها أحد، وتنسى مع الأيام.
اقرأ/ي أيضًا: مع بداية 2019.. الاغتيالات مستمرة في بغداد
لكن حادثة مقتل صاحب المطعم، فتحت جدلًا كبيرًا وأزمة غير مسبوقة بين قطبين شيعيين في النظام السياسي العراقي هما: تيار الحكمة الوطني برئاسة عمار الحكيم، والذي تشير مصادر سياسية إلى أن علاقته بإيران متوترة في السنوات الأخيرة، وعصائب أهل الحق، وهو فصيل مسلّح، ومقرّب من إيران، برئاسة أمينه العام، قيس الخزعلي.
وفي المساء الذي أعقب حادثة اغتيال صاحب المطعم، نشرت قناة الفرات، التابعة لتيار الحكمة الوطني، خبرًا عاجلًا، أفاد بـ"القبض على قاتل صاحب مطعم ليمونة في مدينة الصدر وبحوزته هويات تعريفية تثبت انتماءه لعصائب أهل الحق".
نتشر الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرته وكالات أنباء، ووقع حوله نقاش وجدال محتدم، لتعرض القناة بعد العاجل مباشرةً، تسجيل يهدّد فيه أحد أعضاء حركة عصائب أهل الحق، أستاذ في جامعة البصرة.
جاءت وزارة الداخلية العراقية في محاولة إنقاذ عصائب أهل الحق، حيث نفت اعتقال قاتل صاحب مطعم "ليمونة"، بحسب بيان اطلع عليه "ألترا صوت". لكن مصدر أمني، رفض الكشف عن اسمه لذات الأسباب التي قتل بسببها صاحب المطعم، أكد لـ"ألترا صوت" أن "قاتل صاحب المطعم ألقي القبض عليه فعلًا"، موضحًا: "لكن وزارة الداخلية تتحرك بأوامر الحشد الشعبي، ولهذا السبب يصرون على وضع وزير منهم".
وأضاف المصدر الأمني أن "توجيهًا من الحشد جاء للناطق باسم الداخلية، وقام بنفي الخبر لوضع قناة الفرات في موقف محرج ومقاضاتها لاحقًا"، موضحًا، أن "عصائب أهل الحق قامت باغتيال صاحب المطعم لأنه امتنع عن دفع إتاوة إليهم كما يدفع أصحاب المطاعم والمحلات الكبيرة في المناطق التجارية".
ولم يتوقف الأمر عند قناتي الفرات التابعة لتيار الحكمة، والعهد التابعة لعصائب أهل الحق، إنما وصل لتبادل الاتهامات علنًا بين كبار قادة الحركتين، إذ نشر الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر، وصف فيها من نشروا الخبر بـ"الدناءة" واتهمت بـ"العمالة"، وقال إنهم "مأجورين"، وهو يقصد تيار الحكمة الوطني.
وجاء الرد سريعًا من القيادي في تيار الحكمة، وعضو المكتب السياسي في التيار، صلاح العرباوي، بتغريدة رصدها "ألترا صوت"، قبل أن يحذفها، قال فيها: "لم أكن يومًا تحت إمرة جنرال"، في إشارة إلى قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، فيما يعتبر تعريضًا بتبعية عصائب أهل الحق للجنرال الإيراني.
وأضاف العرباوي: "ولم أكن يومًا مؤتمًا في صلاتي بمسجدي"، في إشارة إلى السفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي. وتابع العرباوي: "إذا كانت العمالة للعراق تعد مثلبة، فليشهد الكون أني للعراق عميل".
اتهامات بـ"السرقة والفساد"
استمرت المعركة بين الطرفين، لتصل إلى أن يتهم كل منهما الآخر بـ"سرقة العراق"، وبالفساد في قضايا كثيرة، إذ جاء في رسالة بعثها المتحدث باسم عصائب أهل الحق، جواد الطليباوي، إلى عمار الحكيم، في اليوم نفسه، أن "من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة، وإن اتهاماتكم لمجاهدي أهل الحق عبر قناة الفرات هي محض افتراءات وأكاذيب وتحتاج إلى دليل وبرهان لإثباتها، وهي نفس الاتهامات التي كان سياسيو داعش يطلقونها ضد من حرّر الأرض والعرض". معتبرًا ما أطلق عبر قناة الفرات رسائل تحريض في الوقت الذي تنتشر فيه القوات الأمريكية في العراق.
وأضاف الطليباوي مخاطبًا الحكيم، أن "الأولى بك يا سيد إن كنت حريصًا على الوطن، أن تحاسب اتباعك الذين سرقوا ونهبوا قوت الشعب بغير وجه حق. ولولا دماء مجاهدينا لكنت الآن طريدًا مشردًا ذليلًا منكسرًا"، متهمًا الحكيم بأنه "ذبح الجهاد على فروج النساء" مختتمًا بـ"من بذل نفسه لأجل حماية الأرض أشرف ممن نهب وسرق وارتمى بأحضان العاهرات".
وبعد هذه الرسالة، كتب القيادي في تيار الحكمة، ومدير قناة الفرات الفضائية، أحمد الساعدي، رسالة حادة إلى الأمين العام لعصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، اعتبر نشطاء أن مضمون الرسالة كان من بين ما لم يستطع أحد البوح به خوفًا من سطوة عصائب أهل الحق.
وجاءت الرسالة أيضًا بفضائح كان الإعلام العراقي يشير إليها من بعيد أو يغض النظر عنها، حيث بدأت الرسالة بذات السياق الخطابي الذي استخدمه الطليباوي: "من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة"، قائلًا، إن "اتهامكم الشخصي لنا في التغريدة التي أطلقتها من على الموقع الأمريكي تويتر، وتطاول قناتكم التي خانت عهدًا كان مقطوعًا"، في إشارة إلى قناة العهد الممولة من العصائب والمقربة من إيران.
وأضاف الساعدي أن "قياداتكم المليشياوية الفاقدة لأي كياسة ودراية، وبأسلوب العصابات، تكيل الشتائم والاتهامات لمشروعنا الوطني"، متهمًا عصائب أهل الحق بأنهم "جماعة لا تفقه بالسياسة، وكل ما لديهم هو القدرة على إرهاب وابتزاز الناس العزل والأبرياء"، قائلًا إن "سلاحهم كان للإيجار واستغلوه للدخول في الحشد لأهداف خاصة".
الساعدي عاد ليخاطب الخزعلي بذات اللغة التي خاطب بها المتحدث باسم عصائب أهل الحق، جواد الطليباوي، عمار الحكيم، فقال:"إن كنت حريصًا يا شيخ العصائب على هذا الوطن، فالأولى بك أن تحاسب أتباعك الذين يشتبه في أنهم نهبوا مصفى بيجي ومعداته التي تقدر بالمليارات، حاسبهم إن كنت صادقًا على ما يراج حول سرقتهم لبيوت المسيحيين واستيلائهم عليها في الكرادة وزيونة، وقائمة الموبقات تطول والله المستعان".
العراقيون في فيسبوك: "تقاتلوا"!
لعصائب أهل الحق في العراق سطوة توازي سطوة مؤسسة الدولة الأمنية. وتتهم العصائب بضلوعها في اختطاف نشطاء مدنيين، والصحفية العراقية أفراح شوقي.
وتفاعل عراقيون في مواقع التواصل الاجتماعي مع الأزمة الواقعة بين تيار الحكمة وعصائب أهل الحق، بطريقة ساخرة، لكونهم لا يستطيعون انتقاد العصائب بشكل علني، فجاء من يهاجمهم سياسيًا بالنيابة.
رضا الشمري، وهو كاتب وصحفي عراقي، قال متسائلًا بسخرية: "فيما لو تشاجر عمار الحكيم وقيس الخزعلي، من ينتصر على من؟"، مجيبًا بنفسه: "أنا أقول قيس".
وكتب الشمري تدوينة أخرى قال فيها بنفس السخرية: "من موقعي هذا، بصفتي ناصحًا أمينًا محبًا للطرفين، أدعو جماهيرهما للتدخل، لأن الكبار يخجلون ولا يفعلون شيئًا".
وسام إبراهيم وضع مقطعًا للفنان المصري يحيى الفخراني، وهو يضحك معبرًا عن سعادته عندما كان جالسًا بعزاء في فيلم الكيف، وقال إبراهيم: "هذه حالتي وأنا أشاهد صراع تيار الحكمة والعصائب".
فيما يرى حيدر المرواني أن المستفيد الوحيد من خلافات العصائب والحكمة هم المواطنون، لأن الأزمة برأيه أظهرت ملفات وفضائح بين الطرفين مفيدة للمواطنين، متمنيًا استمرار الأزمة إلى شهر في شاشات التليفزيون والمواقع. بينما يعتقد منتظر الموسوي أن التراشق بين العصائب والحكمة يتوقف باتصال من الجنرال، في إشارة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
وبالفعل، كتب القيادي في تيار الحكمة، صلاح العرباوي، تغريدة مساء الجمعة، 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، قال فيها، إن "الأمور تتجه للحل، العقلاء أكبر من المشاكل، المندفعون تنحوا جانبًا"، خاتمًا تغريدته بقوله: "الشجاعة في الصلح وليس خيار الحرب".
لكن كما يبدو فإن "خيار الحرب" لا يزال قائمًا، خاصة بعد الاجتماع الذي عقد في مكتب قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق، مساء الجمعة، وجمع قيادات فصائل الحشد الشعبي لبحث الأزمة ومحاولة لحل الخلافات مع تيار الحكمة.
وقال بيان صدر عن الاجتماع، إن المجتمعين توصلوا إلى أنه على "هذه الجهة التوقف عن هذه السياسة فورًا والحذر من الفتن والأضرار التي يمكن أن تلحق وضع البلد الأمني والمجتمعي، وإعطاء فرصة لمبادرة فخامة رئيس الجمهورية في تحقيق في هذه الإساءات واتخاذ الإجراءات اللازمة تبعًا لذلك"، في إشارة إلى تيار الحكمة الذي لم يذكروه بالاسم.
وأضاف البيان: "الحشد الشعبي سيبقى صمام الأمان والمدافع عن الوطن والشعب والمقدسات، ولن تستطيع المحاولات المكشوفة النيل من هذا الكيان المقدس".
اعتبرت السوشيال ميديا في العراق أن الأزمة بين تيار الحكمة وعصائب أهل الحق مفيدة للمواطنين لأنها كشفت عن ملفات وفضائح كانت مستترة
ورأى مراقبون أن البيان دليل على أن الأزمة لم تحل، وأنهم رموها في ملعب رئيس الجمهورية، ما يبقي جميع الخيارات مفتوحة حتى الآن، وغير متوقعة في وجود السلاح غير المسيطر عليه.
اقرأ/ي أيضًا:
حلف المليشيات وسلطة المحاصصة.. جدار الحرس القديم ضد الشارع العراقي