01-أغسطس-2024
تاجيل نصف ساعة لعدم اكتمال النصاب  خلافات على حلبجة

المشرّع لم يقرأ القانون  (فيسبوك)

اطّلعتُ على مسوّدة مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية التي يعتزم مجلس النواب إقراره، إذ تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تلك المسوّدة، وفي الحقيقة صُدمت بمقترح التعديل الذي  كنت أتوقّعه أن يكون بمستوى دقيق وينم عن دراسة مستفيضة وشاملة للمشاكل والإشكالات المثارة بشأن قانون الأحوال الشخصية؛ إذ كشف مقترح التعديل عن جهل عظيم لمن اقترحه وأعده؛ كما يتبين أن صاحب فكرة التعديل ليس له خبرة واطّلاع على عمل محاكم الأحوال الشخصية وكيفية تطبيقها لنصوص قانون الأحوال الشخصية النافذ، ولم يقرأ نصوص القانون جيدًا، ناهيك عن أنّه يرسخ الطائفية والمذهبية في قوانين الدولة العراقية، فمقترح التعديل جاء بعيدًا كل البعد عن معالجة المشاكل التي تعاني منها الأسرة العراقية، والتي سببها قانون الأحوال الشخصية، وعبر التمعّن في مقترح التعديل سنجد أنّ فيه ملاحظات كثيرة، بل أن المواد المراد إضافتها إلى القانون الحالي لا حاجة لها أصلًا. 

وتلك الملاحظات يمكن إجمالها بالآتي: 

  • 1-ورد في المادة الأولى لمقترح التعديل (للعراقي والعراقية أن يختار عند إبرام عقد الزواج المذهب الشيعي أو السني الذي تطبّق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية). ولقد فات على مقترح التعديل أنّ المعمول فيه في محاكم الأحوال الشخصية؛ أنّ العراقي حرّ في اختيار المذهب الذي يطبق عليه عند إبرام عقد الزواج، فالقاضي يسأل الطرفين عن مذهبهم، فإذا كانت الإجابة أنّ مذهبهم هو الجعفري يثبت في عقد الزواج  (إن المهر يستحق عند القدرة والميسرة) أمّا إذا كانت إجابتهم أنّ مذهبهم هو السني تثبت عبارة (إن المهر يستحق عن أقرب الأجلين) – أي الوفاة أو الطلاق-  ويترتب على ذلك أن الأحكام الفقهية للمذهب الذي اختاره الزوجان هي التي ستطبق على آثار العقد من (نفقة وخلع وبنوة ونسب وميراث وحرمة المصاهرة والدخول)  والقاضي يستند في ذلك إلى نصّ المادة الأولى/ الفقرة الثانية من قانون الأحوال الشخصية النافذ  التي تنصّ (إذا لم يوجد نصّ تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون) ونستنتج من ذلك أنّ العراقي حرّ  في اختار المذهب، فالقانون قد منحه ذلك، وهذا يجعل من مقترح التعديل مجرد تكرار ولغوٍ لا أكثر  لأنّ ما جاء به موجود في القانون النافذ.
  • 2- إن المشرع العراقي الذي شرّع قانون الأحوال الشخصية الحالي عام 1959م، كان أذكى وأكثر أفقًا ووعيًا من المشرّع الحالي، لأنه أخذ بالقواعد العامة للشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية، وأيضًا (أخذ المشتركات بين المذاهب الإسلامية قدر المستطاع مع بعض الاستثناءات الذي أخذ بها برأي المذهب الجعفري  مثل اعتبار الطلاق ثلاثةً طلاقًا واقعًا لمرّة واحدة، أمّا المذهب الحنفي فأخذ منه الإشهاد عند إبرام عقد الزواج، وأخذ من  المذهب الظاهري حكم الوصية الواجبة، لذا فإن الرأي القائل بأن قانون الأحوال الشخصية قد ظلم فئة أو مذهبًا معينًا بذاته غير صحيح، ومدّعي هذا الرأي جاهل تمامًا ،ولم يقرأ موادّ قانون الأحوال الشخصية.
  • 3- الدليل الآخر على أن قانون الأحوال الشخصية النافذ مَنحَ حقّ اختيار المذهب للعراقي أو للعراقية، وهو ما مطبق في أحكام الميراث فقد تطرّق القانون إلى الأحكام العامة في الميراث، وترك التفاصيل وتوزيع الأنصبة على الورثة للأحكام الشرعية على وفق نصّ المادة (90) من القانون التي نصت (مع مراعاة ما تقدم يجري توزيع الاستحقاق والأنصبة على الوارثين بالقرابة وفق الأحكام الشرعية التي كانت مرعية قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 كما تتبع فيما بقي من أحكام المواريث).
  • 4- ورد في مقترح التعديل   قيام الوقفين السني والشيعي بأعداد (مدونة الأحكام الشرعية) خلال مدة ستة أشهر بعد قرار مقترح التعديل من قبل مجلس النواب، والتساؤل الذي يُطرح: هل أن الوقفين جهتين تملكان إصدار حق الأحكام الشرعية؟ إذا ما علمنا أن الوقفين هما جهتان إداريتان رسميتان تتوليان إدارة أموال الأوقاف والمراقد المقدسة للطائفتين في العراق، وأيضًا طرح بعض من المختصين بالجانب القانوني تساؤلًا عن الطبيعة القانونية للمدونة التي سوف يصدرها الوقفان هل هي قانون أم نظام أم تعليمات؟ وما الطريقة التي سوف تُشرّع بها هذه المدونة من قبل مجلس النواب؟ هل هي بنفس الطريقة التي تُشرّع بها القوانين، من قراءة أولى وثانية ومن ثمّ التصويت أم ماذا؟  أيضًا ما هو موقف العراق أمام المجتمع الدولي، ولا سيما أنه قد انضمّ إلى الاتفاقيات الدولية الخاصّة بحماية حقوق المرأة والطفل، وكيف ستكون النظرة إلى العراق في مجال حقوق الإنسان؟ فضلًا عن أنّ هذا التعديل سيسبب تشتيتًا، وفوضى كبيرة في القواعد القانونية التي تخضع لها الأسرة العراقية.
  • 5- ورد في المادة الثانية من مقترح التعديل ما نصّه: (تصدّق محكمة الأحوال الشخصية عقود الزواج التي يبرهما الأفراد البالغون من المسلمين على يد من لديه تخويل شرعي، أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين..) وهذا النص جاء ليفاقم مشكلة موجودة أصلًا وهي مشكلة الزواج خارج المحكمة؛ إذ إنّ محاكم الأحوال الشخصية الآن تصدّق عقد الزواج الخارجي عبر دعوى تسمى (دعوى تصديق الزواج) ومعروف لدى الجميع ما هي المشاكل التي تتنج عن عقد الزواج خارج المحكمة، هذا من جانب، ومن جانب آخر؛ إنّ هذا النصّ  هو بمثابة مصادرة  لسلطة المحكمة، ويجعل دورها ينحصر في تصديق عقد الزواج الخارجي ويجعل دورها روتينيًا وشكليًا لا أكثر،  فضلاً عن إقحام الوقفين في مسألة إصدار تخويل  لأشخاص يبرمون عقود الزواج، وهذا النص سوف يخرج لنا مهنة قديمة جديدة هي (العاقد الشرعي أو المأذون الشرعي) ولا حاجة لنذكر بالسلبيات الكبيرة لهؤلاء (العاقدين أو المطّلقين) المنتشرين أمام المحاكم  الذين يعتبرون جزءًا، بل سببًا رئيسيًا في زيادة حالات الطلاق في المجتمع العراقي بشكل خطير، ثم هل الوقفان جهتان شرعيتان تفقهان بالأحكام الشرعية حتى تزكّي وتخوّل شخصًا ليعمل في هذا المجال؟ هذا  الأمر يدعو إلى التأمل فيه كثيرًا، ثمّ إنّ عقد الزواج إذا أبرمه (المأذون أو العاقد) فما الداعي إلى وجود المحاكم؟
  • 6- إذا كانت المدونة التي سوف يصدرها الوقفان ستتضمن كافة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية، إذًا ما الداعي إلى وجود القانون الحالي بعد ذلك؟ إذ إنّ الأحكام التي يتضمنها سوف لن تطبّق، لأنّ المدونة هي التي تُعتمد في المحاكم، وهنا تنتفي الحاجة إلى وجود قانون الأحوال الشخصية النافذ، فكان الأفضل هو أن يتمّ إلغاء القانون الحالي وإصدار قانون خاصّ لكل طائفة من الطائفتين الشيعية والسنية.

وعمومًا، فإنّ الملاحظات  كثيرة بشأن مقترح التعديل هذا، والجدل كبير فيه، فالقانون الحالي قانون يعتمد في جلّ أحكامه على الشريعة الإسلامية الغراء، ولكن فيه بعض المواد المخالفة للشريعة، والبعض الآخر أخذها المشرع من مذهب إسلامي مندثر مثل حكم الوصية الواجبة الذي أُخذ المشرع عند تشريعها برأي المذهب الظاهري، وهو المذهب الوحيد من بين المذاهب الإسلامية الذي يورث الابن المتوفى قبل أبيه، وهذا حكم نادر جدًّا ومخالف لإجماع بقية المذاهب، فكان الأجدر بمن تبنى مقترح التعديل أن  يدرس القانون جيدًا ويعيش الواقع في سوح المحاكم ويطّلع على المشاكل والثغرات، وأن يستعين بنقابة المحامين ومجلس القضاء، والباحثين القانونيين ويخرج لنا بتعديل رصين يسهم في إنقاذ الأسرة العراقية من المشاكل التي يسببها تطبيق بعض نصوص القانون النافذ، والتي هي أغلبها نصوص مخالفة للشريعة مثل (حق السكن للمطلقة) المشرع بقانون مستقل، فضلًا عن (أحكام الحضانة والتعويض عن الطلاق التعسفي وأحكام النفقة وأحكام التفريق)  فهذه الأحكام مخالفة للشريعة كلها، أو في جزء منها، فالقانون الحالي بحاجة إلى موازنة عادلة بين حقوق الزوج والزوجة، بعد أن جعل الزوج أشبه بالبقرة الحلوب من قبل الزوجة، لكي تقوم بتجريده من  ماله وأطفاله من دون سند شرعي. 

أنا لست ضد مشروع التعديل  الذي أصبح  ضرورة ملحة، لكن ليس بهذه الطريقة التي طُرح بها وكأنه صراع طائفي، فحن بحاجة إلى تعديل دقيق يعبّر عن فهم لنصوص القانونية  النافذة ودراستها، وكذلك مشاكل  المجتمع العراقي عبر الانخراط في الواقع وفي سوح المحاكم، فالمجتمع العراقي موبوء بالمشاكل العائلية والتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق والجريمة وانتشار المخدرات هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإنّ المجتمع العراقي بحاجة إلى قوانين ترسخ مفهوم الوحدة الوطنية والمواطنة والتعايش السلمي  بين أفراده لا قوانين ترسخ الانقسام والمذهبية والطائفية،  إذ لم يبق شيء سوى القوانين التي لم تصل إليها الطائفية التي تمارسها الأحزاب والقابضين على السلطة منذ 2003 إلى يومنا هذا، والخاسر الأكبر في ذلك هو المواطن العادي، ثمّ  لماذا يُختزل  تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مجال الأحوال الشخصية فقط، فالأولى هو تطبيق أحكام الشريعة على السرّاق والفاسدين الذين نهبوا البلد عن بكرة أبيه واختيار أناس شرفاء يتحلون بأخلاق الإسلام، لإدارة البلد واتباع منهج الإسلام القويم في الحكم، فالتعديل أمر طبيعي للقوانين، لأنّها ليست جامدة ولا تستجيب للتطورات التي تعيشها المجتمعات، وهي وجدت لكي تنظم حياة البشر، و لا تفرّق بينهم وتزيد مشاكلهم.