ألترا عراق ـ فريق التحرير
مرت ثلاثة أيام دون حادث يُذكر بعد استهدافات شبه يومية لأرتال الدعم اللوجستي التابعة للتحالف الدولي، والسفارة الأمريكية في بغداد، ومطار بغداد الدولي بجانبه العسكري الذي يضم قوات للتحالف إلى جانب العراقيين فضلًا عن قواعد أخرى كالتاجي.
تقول منصات الفصائل المسلحة الإعلامية إن بلاسخارت حملت رسالة من الإدارة الأمريكية إلى أبو فدك لغرض وقف عمليات الاستهداف وهدنة لمدة 60 يومًا مع الفصائل المنبثقة حديثًا
ورغم الحديث عن تهديد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لقادة عراقيين بإغلاق سفارة بلاده لدى العراق والقيام بعمليات "معالجة" ضد الفصائل المسلحة، إلا أن استهداف التواجد الأجنبي لم يتوقف بعد سلسلة من بيانات التبرؤ من تلك العمليات أصدرتها أحزاب سياسية بعضها يمتلك فصائل مسلحة.
اقرأ/ي أيضًا: بغداد "قلقة".. العراق يتلقى اتصالاً من واشنطن حول أزمة السفارة الأمريكية
آخر حادث أمني يقترب من هذا النوع كان صباح الأربعاء، نهاية أيلول/سبتمبر الماضي حين انفجرت عبوة ناسفة على عجلة مدنية نوع Jeep في طريق مطار بغداد باتجاه المنطقة الخضراء بحسب خلية الإعلام الأمني، فيما أشارت مصادر لـ"ألترا عراق" إلى أن العجلة تابعة لأحد المترجمين في الشركات الأمنية. ثم ساد الهدوء الأمني على المشهد.
عاصفة بلاسخارت
لكن الهدوء سبق العاصفة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بعد لقاء مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت مع رئيس أركان الحشد الشعبي أبو فدك، الذي عيُّن بهذا المنصب لتصريف الأعمال دون تثبيت بأمر ديواني بما تقتضيه صلاحية القائد العام للقوات المسلحة، وذلك في آيار/مايو الماضي كما قال رئيس الهيئة فالح الفياض، وتعدّ المنابر الإعلامية للفصائل المسلحة أبو فدك خليفةً لأبو مهدي المهندس الذي قتل بغارة أمريكية رفقة قاسم سليماني.
أثار اللقاء حفيظة مدونين عراقيين الذي وجهوا لها انتقادات لاذعة وتصدرت "ترند" موقع تويتر، ما أجبر بعثة الأمم المتحدة في العراق على نشر تغريدة قالت فيها إن : "الحياد والاستقلال في صميم تفويض الأمم المتحدة يعني أننا نتعامل مع مجموعة واسعة من أصحاب الشأن في السعي لتحقيق السلام"، مضيفة: "عملنا في العراق ليس استثناءً. الحوار هو الحل الوحيد، والتخويف والعنف ليسا الطريق للمضي قدمًا أبدًا".
وتحدث بيان الاجتماع عن بحث الطرفين تطورات الأوضاع الأمنية وملاحقة بقايا تنظيم داعش وتأكيد أبو فدك على ارتباط هيأة الحشد الشعبي بالدولة والخضوع لقرارات القائد العام للقوات المسلحة واحترام قرارات الدولة وهيبتها.
رسالة وهدنة لشهرين
ليس هذا ما حمله اللقاء، تقول منصات الفصائل المسلحة الإعلامية، بل إن بلاسخارت حملت رسالة من الإدارة الأمريكية إلى أبو فدك لغرض وقف عمليات الاستهداف وهدنة لمدة 60 يومًا مع الفصائل المنبثقة حديثًا.
وتنقل تلك المنصات عن مصادر خاصة نفي أبو فدك علاقة الحشد بتلك العمليات، وتكشف عن مفاتحة الأمم المتحدة لجهات وأطراف متعددة منذ يومين [أي مع توقف العمليات] لغرض التدخل في هذا الأمر.
يأتي ذلك في قبل شهر تقريبًا من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الوقت الذي تخشى فيه إدارة البيت الأبيض من حوادث قد تؤثر على حظوظ دونالد ترامب أمام منافسه جو بايدن. الأمر الذي فجّر جدلًا حول غلق سفارة واشنطن في بغداد وحديث عن تهديدات باقتحامها على طريقة ما حدث في إيران بعد ثورة 1979.
وكان الوزير بومبيو قد أخبر مسؤولين أمريكيين أنه لا يريد أي "بنغازي" جديدة في إشارة إلى مقتل أربعة أمريكيين بمن فيهم السفير في مجمع دبلوماسي بليبيا عام 2012، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
كما نقلت شبكة NBC News الأمريكية عن بومبيو تحذيره لقادة العراق من خطط لإغلاق السفارة في بغداد "ما لم تمنع الحكومة الميليشيات الشيعية من استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق"، وفقًا لمسؤولين عراقيين وأمريكيين.
خلال الثلاثة أشهر الماضية زادت الفصائل المسلحة من عملياتها التي لم تقتصر على إطلاق صواريخ كاتيوشا باتجاه السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية بل استهدفت أرتال التحالف الدولي
في السياق، نشرت وزارة الخارجية العراقية صباح السبت 3 تشرين الأول/أكتوبر بيانًا يكشف تفاصيل اتصال هاتفي بين وزيرها ونظيره الأمريكي مساء الجمعة، أي بالتزامن مع لقاء بلاسخارت بأبو فدك. وأشار البيان لأول مرة عن "القرار المبدئي للإدارة الأمريكية بسحب السفارة من بغداد"، وهو التصريح الرسمي الأول من جانب الأمريكي.
اقرأ/ي أيضًا: بغداد تكشف نتائج مفاوضات خاضها الكاظمي لمنع إغلاق السفارة الأمريكية
تحدث الوزير العراقي عن "عدد من الإجراءات الأمنيّة، التنظيميّة، والسياسيّة، والدبلوماسيّة التي اتخذتها الحكومة العراقية لوقف الهجمات على المنطقة الخضراء والمطار، وسوف تكون هناك نتائج إيجابيّة ملموسة في القريب العاجل".
مفاوضات تحت القصف
كشفت منصات الفصائل المسلحة عن مفاوضات تجري منذ ثلاثة أشهر بين الجانب الأمريكي المتمثل بالقائم بأعمال السفارة في بغداد، وجينين بلاسخارت، وبين أطراف عراقية أبرزها رئيس تيار الحكمة عمّار الحكيم ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي ورئيس هيأة الحشد الشعبي فالح الفياض.
وخلال الثلاثة أشهر الماضية زادت الفصائل المسلحة من عملياتها التي لم تقتصر على إطلاق صواريخ كاتيوشا باتجاه السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية بل استهدفت أرتال التحالف الدولي، وانفجرت عبوة ناسفة على موكب دبلوماسي تابع للسفارة البريطانية في بغداد، وأخرى على معهد أمريكي لتعليم اللغة الإنجليزية في النجف.
تخلص المفاوضات المذكورة إلى عشرة محاور تهدف لـ "تسوية شاملة ثمن رئاسة ترامب"، عبر جدول انسحاب أمريكي دون استهداف الأرتال أو قصف السفارة إلى ما بعد الانتخابات بضمان بلاسخارت، وعدم تولي شخصية موالية لإيران أي جهاز أمني بما فيهم منصب رئاسة أركان الحشد، والذي رُفض من الجانب العراقي بحسب المصادر، والتزام العراق بالعقوبات الاقتصادية على إيران، وغيرها من الملفات.
وعلى الرغم من تأكيد الخارجية العراقية لمسألة غلق السفارة الأمريكية على لسان بومبيو إلا أن المصادر التابعة للفصائل تشير إلى نقل رئيس الجمهورية برهم صالح لـ"تهديدات مزيفة" عن بومبيو إلى الأحزاب الشيعية بهدف جرها للتصعيد والانسحاب من المفاوضات، بحسب تعبيرهم.
كما أكدت المصادر عدم تصديق بعض "فصائل المقاومة" للتعهدات الأمريكية واستمرارها في قصف مصالحهم للضغط باتجاه خسارة ترامب في الانتخابات المزمع عقدها بتشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
ضغوط أمريكية فحسب!
إن الحديث عن اتفاق بين الحشد الشعبي والأمريكيين برعاية الأمم المتحدة بهدف عدم ضرب الأهداف الأمريكية "أمر غير واقعي" بحسب الكاتب والمحلل السياسي د.هاشم الكندي كون الحشد "ليس له دور في هذه الاستهدافات" والتي هي "جزء من مخطط أمريكي لإلصاق التهم والافتراءت التي اعتبرها الحشد والفصائل جزءًا من خلط الأوراق الأمريكي".
ويرى الكندي في حديث لـ"ألترا عراق" عدم إمكانية اتفاق الحشد الشعبي مع الأمريكان كونه جزءًا من المؤسسة العسكرية التي تنفذ ما يتفق عليه القائد العام للقوات المسلحة. أما اللقاء ببلاسخارت، فاعتبره الكندي "فتحًا لجسور العلاقة" حيث أن الأمم المتحدة "تثمن جيدًا دور الحشد في محاربة الإرهاب"، كما عدّه "اعترافًا بدور الحشد بحفظ الأمن في العراق وبالتالي استقرار المنطقة".
عدم وجود ضربات خلال ثلاثة أيام ليس بدليل على الاتفاق كما يعتقد المحلل السياسي، بقدر ما هو "محاولة أمريكا بتوجيه الاتهامات لخلط الأوراق لأهداف انتخابية وأخرى، حيث توزع الأدوار ما بين ضرب السفارة ثم منطقة مدنية وبعد ذلك قاعدة الحرير وهي مؤشرات تخدم المخططات الأمريكية لاتهام أطراف عراقية بهذا الأمر الذي يحقق مصلحة الأمريكان بالبقاء".
تخلص المفاوضات المذكورة إلى عشرة محاور تهدف لـ "تسوية شاملة ثمن رئاسة ترامب"، عبر جدول انسحاب أمريكي دون استهداف الأرتال أو قصف السفارة إلى ما بعد الانتخابات
يقول الكاتب المقرب من أوساط الفصائل إن الولايات المتحدة تبتز العراقيين بمسألة سحب السفارة وتهويل الدور الأمريكي والحديث عن انهيار العراق في حال الانسحاب، إضافة إلى الضغط على عدد من الممثليات الدبلوماسية التي يُراد منها أن تطابق الدور الأمريكي"، والهدف من ذلك بحسب الكندي هو الضغط على السياسيين "للقبول بالتصرفات الأمريكية التي تنتهك السيادة دون اعتراض والعودة لاحتلال العراق بصورة تطبيعية بلا رفض".
اقرأ/ي أيضًا:
ضغط أمريكي للحد من "الكاتيوشا".. ومواقف منقسمة بين السياسة و"المقاومة"
صواريخ الفصائل "تتلطخ" بدماء الأطفال.. غليان ونُذر حرب في العراق