يشكو العديد من العراقيين الذين يتسلّمون رواتبهم عبر حوالات خارجية، على عدم تسلّمها بالدولار، رغم أنّ عقودهم ورواتبهم تأتي ومنذ سنوات بالدولار.
رأى خبراء اقتصاديون أن امتناع المصارف عن تسليم حوالات الدولار للمستفيدين في العراق سيؤدي لعدم تشجيع الحوالات المالية من الخارج مستقبلًا
وجاء الأمر استنادًا إلى قرار حكومي يقضي بالتعامل بالدينار العراقي، حتى بالنسبة للرواتب، سواء للعراقيين أو الأجانب الذين يتسلمون رواتبهم من شركات أو منظمات غير عراقية.
وعلّق الباحث في القطاع المصرفي، مروان القيسي، على عدم تسليم المصارف للحوالات الواردة بالدولار لمستفيديها في العراق، معتبرًا أنّ "هذه الطريقة ستؤثر على سمعة البلد في التعاملات المالية والمجال الاستثماري".
وقال القيسي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "مجلس الوزراء قام بإصدار كتابه المرقم ش.ز.ل/ 10 / 1 / اعمام / 17589 في 18 نيسان/أبريل 2023، ويلزم الشركات والمصارف كافة باستخدام الدينار فقط في تعاملاتها، ومن ضمنها رواتب موظفي الشركات الأجنبية التي كانت بالدولا،ر وأن تدفع بالدينار والسعر الرسمي 1320 باستثناء البعثات الدبلوماسية والتي يتم دفعها بالدولار، وبدوره قام البنك المركزي العراقي بتعميم هذا القرار على المصارف العراقية للالتزام به والتي قامت بتنفيذ القرار وإجبار الشركات باستلام جميع حوالاتها الواردة بالدينار وبالسعر الرسمي".
ولفت القيسي إلى أنّ "إجراء كهذا يؤثر على سمعة البلد في مجال الاستثمار، لكون الشركات التي تتسلم بالدولار أغلبها أجنبية ولديها استثمارات وعقود كبيرة في العراق، وهذا يترك انطباعًا سلبيًا بهذا الخصوص، إضافة إلى وجود فرق كبير بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي، والذي هو المتحكم بأسعار السلع والخدمات في العراق".
أما عن تهريب العملة من العراق، يرى القيسي أنّ "الوصف العلمي الصحيح لهذا هو غسيل الأموال، وهي جريمة ثانوية ومتحصلة من جريمة أولية، أي يوجد جريمة أولية مثل أموال المخدرات والفساد وغيرها، والتي تحتاج إلى غطاء قانوني لإضفاء الشرعية عليها، فيتم غسلها عن طريق المصارف وإرسالها إلى الخارج بواسطة الحوالات أو إبقائها في النظام المصرفي العراقي".
ووفقًا للباحث، تتم عملية غسل الأموال بثلاث خطوات وهي:
- 1- الإيداع وهي إيداع الأموال في المصرف بدون إبراز مصادرها.
- 2- التمويه: وتعني قيام غاسل الأموال بمجموعة من العمليات والتحويلات المصرفية من أجل إخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال.
- 3- الإدماج وهي المرحلة الأخيرة والتي تكون فيها الأموال قد أخذت الجانب الشرعي.
أما بخصوص إجراءات البنك المركزي بشأن غسيل الأموال، يفصّلها القيسي كالتالي:
- 1- إنّ صدور الضوابط الجديدة من البنك المركزي بموجب كتابه الرقم 5 / 11/ 1083 في 19 شباط/فبراير 2023، هي بسبب تدقيق الجانب الأمريكي (المالك للدولار العراقي) على عمليات التحويل بسبب وجود شبهات غسل أموال في نظامنا المصرفي، ويقصد بها الجانب الأمريكي مساعدة إيران وسوريا في تجنب العقوبات الأمريكية، لذا أصدر هذه التعليمات والتي لا تختلف كثيرًا عن السابقة، سوى أنه أضاف إليها وجود فاتورة وبوليصة شحن، كشرط لقبول طلبات التحويل للتجار في المصارف العراقية، وهي أيضًا ضمن متطلبات التدقيق اللاحق الذي تقوم به لجان البنك المركزي على المصارف.
- 2- الجانب الأمريكي لم يقم بإضافة أهم وثيقة للتدقيق اللاحق والتي تمنع غسيل الأموال أو مساعدة الدول المعاقبة، وهي التصريحة الجمركية والتي هي وثيقة رسمية صادرة من جهة حكومية تثبت دخول البضاعة إلى العراق مقابل الحوالات التي قام بها التاجر.
- 3- لم يحدد بأن تكون عمليات التحويل للشركات ملائمة مع رأس المال ومطلوباتها حيث يوجد شركات رؤوس أموالها مليون دولار، وتدخل بمبالغ ضخمة، ونحن نعرف أن مصدر تمويل الشركة الرئيسي هو رأس المال أو القروض أو الاحتياطيات، وهذه المصادر تقيد في حسابات الشركات ويتم التحقق منها وفق قانون غسل الأموال.
- 4- من أجل إيجاد حلول ترضي الطرف الأمريكي ولو بشكل مؤقت، قام المركزي العراقي بالتعاقد مع شركة تدقيق دولية لتدقيق الحوالات تدعى K2 وحث المصارف من أجل التعاقد معها لتدقيق حوالاتها قبل إرسالها إلى الفيدرالي الأمريكي.
وبشأن إمكانية طرح ضوابط أو تسهيلات جديدة لتعاملات الدولار، قال القيسي إنّ "الوضع الحالي بسبب تراكمات سابقة لسياسة نقدية ومالية خاطئة لفترة طويلة من الزمن تبدأ منذ 2003، فإنه ليس من المنطق إيجاد حل لمشكلة متجذرة خلال وقت قصير"، مؤكدًا "الحاجة إلى إصلاحات حقيقة وجريئة وبعيدة عن المجاملات، إضافة إلى ذلك، إصلاحات مستديمة وليست وقتية".
وبالنسبة للقيسي، فإنّ "الجهات ذات العلاقة يجب عليها أن تكون شفافة في موضوع الإصلاح ووضع خطة زمنية ونشرها للرأي العام تبيّن الحلول التي تعالج موضوع غسيل الأموال المرتبط مع سعر الصرف، فالحكومة والبنك المركزي لم يقوما بوضع أي خطة واضحة المعالم من أجل إيجاد الحلول وإنما اكتفوا بتطبيق سياسة التصريحات والشعارات الثورية مثل دينارنا أقوى وتخفيض السعر السابق من 1450 إلى 1310، وهي أسهل الإجراءات ولا تحتاج إلى أي مجهود أو بالأحرى، هي ليس إجراءات وإنما قرارات فقط وليس حلولًا موضوعية وواضحة المعالم".
رأى خبير اقتصادي أن الحكومة والبنك المركزي لم يقوما بوضع أي خطة واضحة المعالم من أجل إيجاد الحلول لأزمة الدولار
وفي الأثناء، اعتبر الأكاديمي والخبير الاقتصادي، أحمد صدام، امتناع المصارف عن تسليم حوالات الدولار للمستفيدين في العراق سيؤدي لعدم تشجيع الحوالات المالية من الخارج مستقبلًا.
وقال صدام في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "امتناع بعض المصارف عن تسليم حوالة قادمة بالدولار لمستفيد في العراق بمحاولة منها لإجبار المتعاملين بالتعامل بالدينار العراقي، مستدركًا بالقول: "لكن هذا الإجراء سوف لا يشجع على قدوم التحويلات المالية من الخارج للمستفيدين في العراق"، مؤكدًا أنّ "هذا الإجراء ليس بصالح الاقتصاد العراقي وسيؤثر على التعاملات المالية تحديدًا".
وأشار صدام إلى أنّ "ضوابط البنك المركزي لا يمكن أن تحد من تهريب العملة بشكل كبير، لأن الحد من تهريب العملة ورقيًا وإلكترونيًا بواسطة البطاقات المصرفية هو من مسؤولية المنافذ الحدودية البرية والجوية"، مبينًا أنّ "كل هذه الإجراءات لم تسهم في ضبط سعر الصرف بسبب الطلب المتزايد على الدولار في السوق الموازي لتمويل التعاملات التجارية داخليًا وخارجيًا".
وبالنسبة لصدام، فإنه "في الوقت الحاضر لا يمكن إصلاح النظام المصرفي بالضوابط فقط، بقدر ما يجب أن يترافق مع ذلك تطوير الجهاز المصرفي وزيادة عدد الفروع المصرفية ووضع أطر وتسهيلات وخدمات مصرفية لتشجيع أصحاب المصالح في التعامل مع المصارف"، مضيفًا أنه "عمليًا فهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن تكون هناك ثقة في النظام المصرفي وفي العملة العراقية".
رأى خبير اقتصادي عدم إمكانية إصلاح النظام المصرفي بالضوابط فقط بقدر ما يجب أن يترافق مع ذلك تطوير الجهاز المصرفي
وهذه الثقة ـ والكلام لصدام ـ يمكن أن "تشجع في التعامل بالدينار بدل الدولار لأغراض التجارة الداخلية بما يسهم في تحقيق استقرار نسبي في سعر صرف الدولار".