07-يوليو-2022
دوري

يهدف المشروع تحويل الأندية إلى شركات استثمارية مستقلة عن مؤسسات الدولة (فيسبوك)

بالتوازي مع إطلاق مشروع نظام دوري المحترفين في العراق، واستكمالًا له،  يسير مشروع تأسيس رابطة الأندية المحترفة في ذات الاتجاه كجزء من مشروع كبير وطموح يهدف إلى إحداث تغيير جذري على الواقع الكروي عبر تحويل الأندية إلى شركات استثمارية مستقلة قانونيًا وماليًا عن مؤسسات الدولة الراعية لها.

ترتبط معظم الأندية العراقية بشكل أو آخر بمؤسسات الدولة ما يفرض خطوات استثنائية قد تستمر لسنوات عديدة تمهيدًا لوضع التجربة ككل في محاكاة للتجارب العالمية

ويعود تاريخ طرح الفكرة إلى شهر نيسان/أبريل 2020 بعد أن بادر فراس بحر العلوم عضو الهيئة الإدارية لنادي نفط الوسط بطرحها على إدارات الأندية لترفع موقعة من قبلها إلى الهيئة التطبيعية والتي ردت بالموافقة على لسان رئيسها إياد بنيان، بعد أن طالبت الأندية باستكمال المبادرة عبر وضع نظام داخلي مقترح للرابطة في حزيران/يونيو من العام ذاته.

ولكن قرار الهيئة التطبيعية بإلغاء منافسات الدوري لموسم 2019 ـ 2020 بسبب تداعيات جائحة كورونا، ومن ثم انشغال الأندية والهيئة التطبيعية بتحضيرات انتخابات الاتحاد العراقي لكرة القدم، وما أفرزه من انقسامات على الخارطة الكروية، حال دون إدخال مقترح تأسيس رابطة الأندية المحترفة حيز التنفيذ، ليبقى مشروعًا على الورق فقط ليعاد طرحه بجدية أكبر مع وصول عدنان درجال إلى رئاسة الاتحاد في أيلول/سبتمبر من العام الماضي.

نظام الرابطة.. وفق أي نموذج سيشكل؟

تمثل روابط المحترفين في الدوريات العالمية سقفًا يضمن استقلالية المسابقات والفعاليات الكروية عن سياسات الاتحادات الكروية على مستويين: الأول (قانوني) بوصف أعضاء هذه الروابط أندية تعمل كشركات خاصة، والثاني (مالي) متعلق بحقوق الرعاية والتسويق والنقل التفزيوني، ففي الدوري الإنجليزي على سبيل المثال هناك رابطة للأندية، تم تأسيسها منذ العام 1907، تعمل كمؤسسة ممولة ذاتيًا نظرًا لاستحواذها على الحقوق المادية للمسابقات، ما يجعلها مستقلة تمامًا عن الاتحاد الانجليزي لكرة القدم.

ظروف وسياقات نشوء وانتشار كرة القدم في الدول المتقدمة إضافة إلى النمط الاقتصادي القائم فيها، فرض سياقًا خاصًا من الصعب اتباعه في نقل التجربة  الاحترافية إلى دول بلدان العالم الثالث، إذ أن معظم أندية هذه الدول ترتبط بشكل أو آخر بمؤسسات الدولة في أحد الجانبين القانوني أو المالي، أو كلاهما أحيانًا كما هو الحال في العراق، ما يفرض خطوات استثنائية قد تستمر لسنوات عديدة تمهيدًا لوضع التجربة ككل في محاكاة للتجارب العالمية.

وفي سياق سعي الاتحاد العراقي إلى نقل التجربة الاحترافية المتبعة في بعض دول المنطقة والخليج العربي تحديدًا، يقول أحمد الموسوي، الناطق الإعلامي للاتحاد العراقي، "في كل دولة هناك سياق متبع مختلف لتطبيق التجربة الاحترافية. في قطر مثلًا يكون رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم رئيسًا لرابطة الأندية المحترفة مع عضوية عضوين منتخبين من قبل الأندية القطرية إضافة إلى اختيار مختصين لتسيير الملفات الإدارية والمالية".

يطرح تساؤل حول مدى قدرة الأندية على التحول من كونها أندية مؤسسات تعتمد على التمويل المباشر  إلى أندية تعمل بوصفها شركات استثمارية خاصة تموّل ذاتيًا

"بينما في دولة الإمارات يكون نظام الرابطة مختلف حيث تنتخب الأندية الإماراتية رئيسًا للرابطة يكون بشكل أوتوماتيكي نائبًا لرئيس اتحاد الكرة"، كما يشرح الموسوي، الذي يذكر في حديثه لـ" ألترا عراق" أن "التجربة الإماراتية في تأسيس رابطة الأندية المحترفة بدأت بتشكيل لجنة تدير المسابقات تحت إشراف الاتحاد الإماراتي استمرت في العمل لمدة سبع سنوات ثم تحولت تدريجيًا إلى رابطة مستقلة عن الاتحاد".

وكان الاتحاد العراقي لكرة القدم قد أعلن في نيسان/أبريل الماضي عن إرسال وفد إلى دولة الإمارات لبحث أفق التعاون مع الاتحاد الإماراتي للاستفادة من التجربة الإماراتية ونقلها إلى العراق بمشاركة عدد من الخبراء الإماراتيين.

أما عن التصور الذي يطرحه الاتحاد العراقي عن النموذج المفترض لتشكيل رابطة الأندية المحترفة، يقول أحمد الموسوي: "نحن في الاتحاد سنشكل لجنة لإدارة المسابقات خلال الموسم الأول لتطبيق التجربة، ثم نبدأ بطرح مجموعة إجراءات ستعمل على دفع هذه اللجنة نحو الاستقلالية التامة بوصفها رابطة للأندية المحترفة".

ويضيف الموسوي موضحًا لـ "ألترا عراق" كيفية توزيع صلاحيات إدارة المسابقات الكروية، أن "رابطة الأندية ستدير دوري المحترفين بشكل كامل إضافة إلى مسابقة مستحدثة تحت عنوان كأس رابطة المحترفين، فيما سيتفرغ الاتحاد لإدارة دوري الفئات العمرية".

وعلى الرغم من إدارة دوري المحترفين ستكون حصرًا من صلاحيات رابطة الأندية، إلا أن هناك ترابطًا في بعض المفاصل سيبقى مع لجنة مسابقات الاتحاد، كما يبين أحمد الموسوي أن "أربعة لجان ستبقى كلجان مشتركة بيننا وبين الرابطة وهي لجنة الحكام ولجنة الإشراف على المباريات إضافة إلى اللجنتين الأمنية والإعلامية".

مشروع طموح وعقبات في الطريق

وتواجه فكرة استقلال الرابطة بمسابقاتها عن الاتحاد مجموعة من العقبات الكبيرة التي من الممكن جدًا أن تجهض المشروع في مهده، فهناك محددان اثنان هما شرطا النجاح من عدمه: أولهما هو مدى قدرة الأندية على التحول من كونها أندية مؤسسات تعتمد على التمويل المباشر من مؤسساتها الراعية إلى أندية تعمل كشركات استثمارية خاصة تعتمد على التمويل الذاتي.

تشير ترجيحات إلى أن الأندية ستلجأ لإتباع بعض الحيل القانونية والمالية لتغيير صيغة تلقي الدعم المالي من مؤسسات الدولة وتعديل للتكيف مع لوائح الآسيوي

أما المحدد الآخر، فهو قدرة الرابطة على جلب الرعاة للمسابقات التي تديرها وقدرتها على التسويق وبيع حقوق النقل التلفزيوني بمبالغ قادرة على سد احتياجات تنظيم المسابقات من جهة، واحتياجات الأندية من جهة أخرى.

وبحسب التجارب السابقة مع الشركات الراعية للدوري فأغلب الظن أن المسابقات لن تحظى برعاية بمبالغ تسد الحاجة، كما يقول صفوان عبد الغني، عضو لجنة الخبراء في اتحاد الكرة، والذي يرجح في حديث لـ "ألترا عراق" أن "العوائد المادية المتوقعة من عقود الرعاية والتسويق وحقوق النقل التلفزيوني ربما لن تتجاوز الخمسة ملايين دولار أمريكي".

عضو لجنة الخبراء يقول أيضًا، إن "هذه العوائد لن تسد حاجة الأندية حتى مع سعي الإدارات لجلب استثمارات خاصة إلى الأندية وهذا يعني أنها لن تغطي تكاليف التعاقد مع لاعبيها الحاليين".

ووفقًا للظروف الحالية، يشير صفوان عبد الغني إلى أن "المؤسسات الراعية للأندية ستستمر بتمويلها بشكل مباشر، وبدون هذا الدعم لن تستطيع هذه الأندية المواصلة بل أن مشروعي رابطة الأندية ودوري المحترفين سيكونان أمام تحدٍ وجودي كبير".

ومن المتوقع أن تواجه الأندية العراقية ورابطتها المؤمل تأسيسها في الموسم المقبل أزمة مالية كبيرة نظرًا للفجوة الضخمة بين ما هو متوقع من مردودات مالية وبين سقف إنفاقها، فعقود لاعبي الأندية الجماهيرية الأربعة  تراوحت في الموسم الماضي بين 120 مليون دينار عراقي (80 ألف دولار أمريكي) و500 مليون دينار عراقي (حوالي 330 ألف دولار أمريكي) بينما ستضطر بعض الأندية التي لا تملك ملعبًا مطابقًا للمواصفات الدولية لدفع مبالغ بين 30 ـ 100 ألف دولار أمريكي لقاء استئجار أحد ملاعب الأندية الأخرى أو أحد الملاعب التابعة لوزارة الشباب والرياضة.

ولعل سعي الأندية لردم الفجوة المالية الحاصلة سيصطدم بمعايير اللوائح الآسيوية الصارمة إزاء الجوانب المالية والقانونية والتي تحظر استلام الأندية الرياضية لأي دعم مادي من مؤسسات الدولة.

عن هذه الإشكالية، يتوقع صفوان عبد الغني أن " الأندية ربما ستلجأ لإتباع بعض الحيل القانونية والمالية لتغيير صيغة تلقي الدعم المالي من مؤسسات الدولة وتعديل وضعها القانوني للتكيف مع اللوائح الآسيوية".

 

هل ستتجه الأندية للحلول الترقيعية؟

للإفلات من كماشة المعايير الصارمة التي تفرضها اللوائح الآسيوية والتي تعتبر المعيار الأساس لقبول عضوية الأندية داخل رابطة المحترفين، "تسعى بعض إدارات الأندية لتسجيل بعض مرافقها التجارية التابعة لها كشركات استثمارية خاصة ومن ثم ربط النادي ككل بهذه الشركة، وهي حيلة قانونية للالتفاف على اللوائح الآسيوية" بحسب مصدر يعمل في إدارة أحد الأندية الجماهيرية في بغداد.

يمكن للأندية أن تستلم أموالها من مؤسسات الدولة بوصفها تبرعات بحسب مصدر في نادٍ جماهيري

ويضيف المصدر لـ" ألترا عراق"، وقد طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب وظيفية، "بخصوص مسألة التمويل فمن الممكن تحويل الأموال التي تتلقاها الأندية ضمن موازنات تخصص سنويًا من قبل مؤسسات الدولة إلى نظام دفعات شهرية تعطى بوصفها تبرعات".

وتتلقى الأندية العراقية منذ تأسيس الاتحاد العراقي لكرة القدم تمويلًا مركزيًا من الدولة عبر مؤسساتها الراعية، حيث تتراوح موازنات الأندية بحسب اختصاص المؤسسة وتمويلها بين الثلاث مليارات دينار عراقي (مليونا دولار أمريكي تقريبًا) واثني عشر مليار دينار عراقي (ثمانية ملايين دولار أمريكي تقريبًا).

وعلى الرغم من أن هذه "الحيل القانونية والمالية" يمكنها الالتفاف على المعايير القارية، ويمكنها أيضًا أن تمكّن الأندية من اكتساب عضوية رابطة المحترفين، لكنها "لن تدفع باتجاه تطوير الواقع الكروي بل سترسخ عوامل تراجع مستوى رياضة كرة القدم بشكل عام" بحسب المصدر.