ليس الغش وتقليد المنتجات بالظاهرة جديدة على المجتمعات عمومًا، والمجتمع العراقي تحديدًا، إذ تنتشر بحسب مستوى التقدم الذي تعيشه المجتمعات، وطبيعة المنظومة الاجتماعية، فضلًا عن مديات تدخل الدولة في حماية السوق والمستهلكين من هذه الظاهرة السلبية، وقد انسحب الأمر إلى تقليد مستحضرات التجميل في العراق.
ينتشر تقليد مستحضرات التجميل في العراق وسط مخاطر صحية كبيرة
وفي ظل ضعف رقابة السلطات العراقية، تنتشر في السنوات الأخيرة متاجر إلكترونية، وغير إلكترونية، كثيرة، مختصة ببيع منتجات التجميل والمستحضرات النسائية.
ويغلب على هذه المتاجر الترويج لمنتجات مقلدة، إضافة إلى المنتجات المصنعة محليًا والتي لا تخضع لمعايير وشروط الصحة والسلامة، بسبب التهاون في تطبيق التشريعات والقوانين التي تستهدف حماية المستهلك العراقي، بحسب مختصين.
مشكلة مزدوجة
وتساهم عوامل عديدة في اتساع نطاق ظاهرة تقليد منتجات ومستحضرات التجميل النسائية، حيث يأخذ بعضها جانبًا قانونيًا، وبعضها الآخر يأخذ جانبًا اجتماعيًا واقتصاديًا، إذ يرى قانونيون أن المشكلة مزدوجة وتنقسم إلى جانبين: أولهما التصنيع المحلي، والثاني تقليد الماركات والعلامات التجارية.
يقول، حسام رعد، وهو حقوقي يعمل في مجال المحاماة وتسجيل الشركات التجارية، إن "عدم تفعيل وتطبيق قانون الجمارك بشكل صارم أدى إلى التهاون في استيراد بعض المواد الأولية الداخلة في صناعة مستحضرات التجميل في العراق من دون أن تستحصل الجهة المستوردة على رخصة إنتاج مثل هذه المستحضرات".
ويضيف حسام رعد في حديثه لـ"ألترا عراق"، "بإمكان أي شخص يعمل في مجال التجميل أن يحصل على المواد الأولية ومن ثم تصنيع المستحضرات بشكل غير متخصص وغير مرخص قانونًا".
يتضمن القانون العراقية معايير صارمة في ما يتعلق بحماية المستهلك؛ لكن التهريب عبر الحدود ما يزال مستمرًا
وتعاني المنافذ الحدودية العراقية من ضعف كبير في ضبط عمليات الاستيراد والتصدير، فضلًا عن التهريب وإدخال المواد غير المسموح بها، على الرغم من وجود مدونة قانونية ضخمة بهذا الخصوص، والتي تعمل على السيطرة على هذه العمليات عبر إنفاذ المعايير القانونية التي فرضها المشرع العراقي في قانون الجمارك رقم 23 لسنة 1984 المعدل.
أما عن الجانب القانوني الآخر، يقول المحامي حسام رعد، إن "التشريعات العراقية عبارة عن ترسانة كبيرة من القوانين التي تعالج مثل هذه الحالات"، وأهم هذه القوانين بحسب المحامي هو "قانون حماية المستهلك الذي يفرض معايير صارمة للحد من مثل هذه الظواهر ولكن مؤسسات الدولة المعنية غير ملتفتة لمعالجة الظواهر السلبية في السوق العراقية وبالتالي سيكون المستهلك العراقي عرضةً للاستغفال وعمليات الغش التي يمارسها ضعاف النفوس".
سهولة الطباعة
"يلجأ مقلدو الماركات، ومصنّعو مستحضرات التجميل في العراق، وتحديدًا في المعامل المحلية، إلى بعض أصحاب المطابع لتقليد الأغلفة والملصقات الخاصة ببعض الماركات العالمية، أو تصميم وطبع أغلفة لمنتجات غير مرخصة للاستخدام من الجهات الصحية"، كما يقول حسن البطاط، وهو صاحب مطبعة في شارع المتنبي.
ويضيف البطاط في حديثه لـ"ألترا عراق": "ربما أحد أسباب انتشار ظاهرة التقليد والغش هي كثرة الطارئين على هذه المهنة إضافة إلى التنافس الشديد في السوق والذي يدفع كثير من أصحاب المطابع إلى تناسي أخلاقيات هذه المهنة".
ويستدرك حسن، مشخصًا عاملًا آخر يعدّه السبب الرئيس لانتشار هذه الظاهرة، وهو "ضعف الرقابة على المطابع الأهلية ساهم كثيرًا في انتشار ظاهرة التقليد والتزييف، وكل ما تقوم به الجهات الأمنية في مجال الرقابة هو في الغالب للاحترازات الأمنية ولا يصب في مصلحة مكافحة التزييف والغش".
تقليد أغلقة "الماركات" في المطابع العراقية لا يكلّف أكثر من دولارين للقطعة الواحدة
ويعتبر تزييف العلامات التجارية أو تقليدها فعلًا مُجرمًا وفقًا للقوانين العراقية النافذة والتي يعالجها بشكل واضح قانون حماية حقوق الملكية الفكريةرقم 3 لسنة 1971، إلا إن ضعف الاهتمام بهذا الجانب من قبل السلطات فسح المجال لـ"فوضى"، بحسب أصحاب مطابع.
أما عن التكلفة الإجمالية لتزييف العلامات التجارية والمطبوعات الخاصة بمنتجاتها، يقول المطبعي حسن البطاط، إن "عملية تقليد العلب والأغلفة والملصقات لا تكلف أكثر من 3000 دينار (حوالي 2 دولار أمريكي) للقطعة الواحدة، وحسب الجودة".
ويضيف قائلًا: "يمكن الطباعة بجودة أعلى بطابعات متطورة مثل طابعات (الأوفسيت) مع فارق في تكلفة الطبع بين 1000 _ 2000 دينار عراقي (حوالي 1 _ 1.5 دولار أمريكي)".
ماركات عالمية بأسعار زهيدة
تتراوح أسعار مستحضرات التجميل النسائية المقلّدة في المتوسط بين 2000 ـ 10000 دينار عراقي (حوالي 1.5 _ 7 دولار أمريكي)، بينما تتراوح أسعار المنتجات الأصلية لذات الماركات بين 30000 _ 60000 دينار عراقي (20 _ 40 دولار أمريكي) في المتوسط.
تقول مريم كريم، وهي طالبة جامعية، صاحبة تجربة في استخدام مستحضرات التجميل، إن "كثير من النساء يضطرن لشراء الماركات المقلدة في بعض الحالات بسبب غلاء الماركات الأصلية، ما سمح لانتشار ظاهرة التقليد، إضافة إلى سبب آخر هو محدودية الماركات الأصلية المطروحة للبيع وقلة نقاط بيعها في العراق".
تُقبل بعض النساء على شراء الماركات المقلّدة لأسعارها الزهيدة، فضلًا عن غياب مراكز البيع المعتمدة للأصلية
وتضيف مريم في حديثها لـ"ألترا عراق": "الماركات الأصلية آمنة جدًا للاستخدام. كل مكوناتها معروفة ومكتوبة بالنسب على العلبة، فضلًا عن أماكن تصنيعها، وهذا يعطي ثقة أكبر بالمنتج وقيمة للأموال التي ننفقها، وبالتالي نتمكن من اقتناء ما يناسب أنواع البشرة المختلفة".
وعلى العكس من ذلك، فأن "الماركات المقلدة غالبًا ما تكون محلية الصنع أو مصنوعة في معامل دول لا تراعي معايير الصحة والسلامة باستخدام مواد رخيصة ورديئة وغالبًا ما تعطي نتائج عكسية"، بحسب مريم كريم.
مخاطر صحية كبيرة
تنتشر في الآونة الأخيرة في كثير من المناطق الشعبية محال بيع "خلطات التجميل"، والتي تباع بأسعار مناسبة لذوي الدخل المحدود، حيث يعمد بائعو هذه "الخلطات" إلى أساليب الترويج والتسويق الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكسب الزبائن.
ويؤكد عاملون في مجال الطب التجميلي أن هؤلاء البائعين لا يدركون مخاطر استخدام المستحضرات غير المنتجة تحت إشراف مختصين، والتي تؤدي غالبًا إلى أضرار صحية كبيرة.
عن الأضرار التي يسببها الاستخدام الخاطئ وإنتاج المستحضرات بشكل محلي غير متخصص، تقول شهد عماد، وهي معاونة طبية تعمل في أحد مراكز التجميل التخصصية في بغداد، إن "مادة الرصاص تستخدم في مجال تصنيع مستحضرات التجميل بنسبة معينة، بينما المنتجات المقلدة لا تصنع بمراعاة هذه النسب للمواد ما يؤدي إلى أضرار كبيرة للبشرة، ومع تراكم فترة الاستخدام قد يسبب التسمم".
تعرضت نساء إلى حالات تسمم وأُخريات إلى أضرار كبيرة في الوجه بسبب الاستخدام الخاطئ للمستحضرات
وتضيف شهد عماد في حديثها لـ"ألترا عراق": "كما أن صانعي المنتجات المقلدة لا يضعون تحذيرًا من بعض المواد المستخدمة التي لا تناسب بعض أنواع البشرة، وبالتالي يؤدي الاستخدام المستمر إلى بعض أنواع الحروق".
وترى المعاونة الطبية، أن "وزارة الصحة تتحمل المسؤولية الكاملة بالنسبة للأضرار التي يتعرض لها المواطن في هذا الجانب، وتقول إن "كل من يرغب بالدخول إلى عالم صناعة مستحضرات التجميل في العراق سيدخل من دون أن يضطر لتوفير أي معايير مهنية أو معايير سلامة صحية، بينما تطبّق السلطات الصحية في الدول المتقدمة أعلى مستوى من المعايير على مجال تصنيع مستحضرات التجميل، وهذا ما لا تطبقه وزارة الصحة في العراق رغم أنه يمس سلامة المواطنين بشكل مباشر وخطير".
إحدى التجارب الشخصية، ترويها المعاونة الطبية لـ"ألترا عراق"، مع متضررة من المستحضرات المقلدة، وتقول: "صادفت حالة في المركز الذي أعمل فيه لفتاة استخدمت عدسات عيون تجميلية مقلّدة. كان الضرر كبيرًا جدًا لدرجة حصول تقرح في العين أدى إلى ضرر في الشبكية ما اضطرها لاحقًا إلى مراجعة طبيب عيون أجرى لها عملية جراحية، ولكن ورغم ذلك لم تستعِد نظرها الطبيعي بسبب الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها".
وتعالج التشريعات العراقية ظواهر إنتاج وبيع المواد غير المرخصة عبر قانون حماية المستهلك رقم 1 لسنة 2010.
وعن إمكانية إنفاذ هذا التشريع من قبل السلطات الصحية، حاول "ألترا عراق" التواصل مع المسؤولين في وزارة الصحة للاستيضاح حول جهود الوزارة للحد من هذه الظاهرة، إلا أن المسؤولين في الوزارة فضّلوا عدم الرد على الاتصالات المتكررة.