الترا عراق - فريق التحرير
لم تزحزح "المذابح" شبه اليومية مواقف القوى السياسية المهيمنة على السلطة والتي تتصدرها منظومة زعامات دينية وحركات مسلحة تناهض مشروع قانون يهدف إلى الحد من العنف الأسريّ في العراق، ليبقى قابعًا تحت قبة البرلمان عامًا آخر، وتستمر الجرائم المروعة بحق النساء والأطفال.
شهد عام 2020 حوادث عنف مروعة طالت أطفالاً ونساءً فيما ترفض غالبية القوى السياسية تشريع قانون رادع
تقول الأطراف الرافضة لتمرير القانون، والتي تضم شخصيات نافذة بعضها لا يجاهر علنًا بموقفه وأخرى تبدو متحمسة لوأده كزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ورئيس كتلة حزب الفضيلة عمار طعمة، إنّ القانون "يخالف الإسلام ويهدف إلى تحطيم قيم المجتمع"، محذرة من سيطرة "السفارة الأمريكية على مراكز إيواء ضحايا العنف الأسري في حال إقرار القانون".
10 سنوات!
مشروع القانون "ليس متكاملاً"، على حد تعبير مختصين، ويحتاج إلى إثراء ومزيد من المناقشات للوصول إلى صيغ تحقق الهدف وتنسجم مع المجتمع، لكن غالبية أعضاء مجلس النواب يرفضون قراءته داخل البرلمان حتى.
وتقول رئيس لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب ميسون الساعدي، إنّ "نسبة تأييد القانون في البرلمان ضعيفة، وهناك عراقيل لمنع إقرار القانون الذي بقي في أدراج المجلس من 2010 ولغاية الآن، بداعي حاجته إلى التعديل وجعله يتناسب مع العادات والتقاليد والأعراف والشرع".
وتحذر الساعدي، في تصريح، من إفراغ القانون من محتواه كما حدث في دول مثل الأردن والكويت، مشيرة إلى أنّ "تشريع القانون سيمنح غطاءً قانونيًا لكل الجهات المختصة لحماية الأسرة والطفولة من أي عنف".
"عام المذابح.. والخيانة"!
وشهد عام 2020 حوادث عنف ضد نساء وأطفال أثارت التفاعل والغضب وامتد تأثيرها إلى خارج البلاد، على الرغم من تزاحم الأزمات والأحداث المدوية، لوحشيتها وغرابة أساليب تنفيذها.
وتشير إحصائية رسمية نشرتها وزارة الداخلية، إلى تسجيل أكثر من 15 ألف حالة عنف أسري تقع لأسباب عدة أبرزها "الشك الذكوري والمشكلات الاقتصادية وتعاطي الكحول والمخدرات، فضلاً عن سوء استخدام التكنولوجيا الحديثة وغيرها".
شهد عام 2020 15 ألف حالة عنف أسري تضمنت جرائم القتل والاغتصاب والاتجار بالبشر
وتصنف الحوادث ضد النساء والأطفال، بحسب الإحصائية، إلى "عنف جسدي ونفسي وجنسي، يشمل الضرب والقتل والاغتصاب والاتجار"، وهو ما يؤدي غالبًا إلى "حالات الانتحار أو الهروب".
اقرأ/ي أيضًا: أرقام صادمة للعنف الأسري في العراق: أكثر من 1300 قضية خلال أشهر
كما أشارت الإحصائية، إلى تسجيل "227 حالة خيانة زوجية"، فيما أعلن مدير حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية العميد علي محمد سالم في تصريح، صدور أكثر من 4 آلاف أمر اعتقال في قضايا تتعلق بالعنف الأسري خلال عام 2020.
وقال الضابط، إنّ "حالات اعتداء الزوج على زوجته بلغت أكثر من 9 آلاف حالة، في بغداد والمحافظات، وتم إلقاء القبض على مرتكبيها، وقد انتهت بعضها بالتراضي والصلح"، مؤكدًا تسجيل 15 ألف حالة للعنف الأسري 2020، مقارنة بـ17 ألف حالة خلال العام الماضي.
لا أرقام دقيقة!
وسجلت مئات حالات الانتحار وجرائم القتل التي طالت نساء وأطفال، في ظل غياب إحصائية رسمية دقيقة، حيث تشير تقارير صحافية إلى أنّ العاصمة بغداد لوحدها سجلت في أقل من شهرين 36 حادثة، بينها 10 حالات انتحار ذكور، و26 حالة انتحار أو قتل إناث، وهي أرقام غير نهائية.
فيما ارتفعت نسب حالات الانتحار في محافظة ذي قار بنسبة 23%، إذ سجلت المحافظة 73 حالة انتحار خلال عام 2020، وفق بيان لمفوضية حقوق الإنسان، كان آخرها انتحار عنصر في الجيش في 27 كانون الأول/ديسمبر.
سجلت البلاد في 2020 المئات من حالات الانتحار وجرائم قتل الأطفال والنساء في ظل غياب إحصائية رسمية دقيقة
وتوزعت حالات الانتحار بين 40 حادثة للذكور و33 للإناث، وكانت غالبية الضحايا من الشبان والذين أنهوا حياتهم بأساليب مختلفة أبرزها إطلاق النار والحرق، فيما تعزا أغلب تلك الحوادث إلى الخلافات العائلية والمشاكل النفسية وصعوبة المعيشة.
أبرز الحوادث..
ومع صعوبة حصر جميع الحوادث يمكن هنا سرد عدد منها والتي أثارت تفاعلاً ساخنًا وغضبًا عارمًا، حيث تصاعدت الأصوات بعد كل واحدة منها مطالبة بوضع حد لحوادث العنف والجرائم ضد الأطفال والنساء بتشريعات وعقوبات رادعة.
ففي نيسان/أبريل الماضي، هزت حادثة في محافظة النجف، العراق عمومًا، بعد أنّ أقدمت ملاك الفتاة ذات العشرين عامًا على حرق نفسها، احتجاجًا على تعنيف طالها على يد زوجها وأسرته، بحسب إفادة الضحية وأسرتها، لتفارق الحياة بعد أيام قليلة من الحادثة في تفاصيل ومشاهد مروعة غزت مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى طريقة ملاك، هزت صور لحادثة مشابهة ضحيتها الفتاة العشرينية حنين الزبيدي، التي توفيت حرقًا هي وجنينها، بعد أن قام زوجها بسكب مادة البنزين عليها إثر شجار عائلي اندلع بينهما، فيما تشير معلومات إلى أنّ الفتاة قد تعرضت لعنف أسري متواصل من قبل زوجها طيلة فترة زواجها.
اقرأ/ي أيضًا: #عدها_حق.. لماذا يرفض إسلاميو البرلمان تشريع قانون ضد العنف الأسري؟
شمالاً وتحديدًا في محافظة أربيل، هاجم رجل، أواخر نيسان/أبريل الماضي، منزل ابنته بـ "قنبلة يدوية" ما أسفر عن مقتلها فورًا وجرح زوجها، قبل أن يقدم على الانتحار، في منطقة بنصلاوة وسط المدينة.
وفي تموز/يوليو، شهدت محافظة كربلاء حادثة أشعلت الغضب، حيث أقدم رجل على قتل أطفاله الأربعة حرقًا، على خلفية خلافات مع زوجته، قبل أنّ تعتقله قوات الأمن.
كما اعتقلت قوات الأمن، في أيلول/سبتمبر، "امرأة وعشيقها" اشتركوا بقتل زوج المرأة طعنًا بالسكاكين، ثم ألقيا جثته في محطة صرف في إحدى مناطق العاصمة بغداد، حيث اعترفت المرأة بوجود علاقة غرامية بينها وبين الجاني والاتفاق معه على تنفيذ الجريمة بحق زوجها.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هزت حادثة مروعة الرأي العام داخل وخارج البلاد، عندما أقدمت امرأة على رمي طفليها الذين لاتتجاوز أعمارهما 5 أعوام، في نهر دجلة من أعلى جسر الأئمة.
سجل عام 2020 حوادث مروعة وصفت بـ "المذابح" أثارت غضبًا عارمًا ومطالبات بقانون رادع
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع مقطعًا مصورًا وثق الحادثة، فيما أشارت التحقيقات إلى أنّ المرأة أقدمت على الجريمة انتقامًا من طليقها الذي حاز حضانة الطفلين منذ نحو عام.
وأعلنت مديرية شرطة محافظة السليمانية، في تشرين الثاني/نوفمبر العثور على جثة شابة في قضاء كلار، معلقة في سقف أحد المباني، مشيرة إلى اعتقال أربعة متهمين، ثلاثة منهم أشقاء الشابة المقتولة".
وفي 21 كانون الأول/ديسمبر الجاري، شهد العراق حادثة مفجعة أخرى حيث أقدام شاب على قتل شقيقتيه "زهراء وحوراء" بإطلاق الرصاص عليهما في مدينة الصدر شرقي العاصمةبغداد، قبل أنّ يتم إلقاء القبض عليه في محافظة كربلاء.
وتشير تقارير أمنية، إلى أن الجاني والذي يدعى رافد، حاول وضع الحادثة ضمن "جرائم الشرف" ليفلت بفعلته، لكن التحقيقات قادت إلى أنّه أقدم على الجريمة تحت تأثير الكحول.
ويتضمن قانون العقوبات العراقيّ مواد تتيح محاسبة المعتدي بل وحتى المشجع على الانتحار، ومن بينها المادة 408.
إلا أن الراغبين بتشريع قانون مختص بمناهضة العنف الأسري، يسجلون اعتراضهم على المادة (41) من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969، والذي يعطي للزوج حقًا بنص القانون يخوله استخدام الضرب في عملية التأديب، ويعتبره سببًا من أسباب الإباحة وحقًا للزوج يستخدمه حين يوجب الأمر ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: تنبيه قانوني حول تسمية قانون "العنف الأسري"
وتشترط المادة أنّ "يكون الضرب بحسن نية وبالحدود المقررة شرعًا أو قانونًا أوعرفًا، وغيرها من القيود التي لا تتيح الضرب بكل أشكاله"، إلا أن المعترضين على هذه الفقرة يعتبرون أنّ المادة "فضفاضة" تتيح الضرب دون حدود، فضلاً عن اعتراضهم على أصل المادة بشكل تام وفكرة إتاحة ضرب المرأة، الأمر الذي يُعتبر مهينًا لمكانتها.
ووسط اعتراضات الأطراف المتناكفة على كلا القانونين، يُطرح سؤال بشأن إمكانية تجاوز النقاط الخلافية من خلال إجراء تعديلات على المواد القانونية الموجودة حاليًا بما يتناسب مع الوضع العام ومتطلبات التغييرات الزمنية، مقابل الاستغناء عن تشريع قانون جديد مخصص للعنف الأسري.
حل وسط
ويقول الخبير القانوني علي التميمي لـ"ألترا عراق"، إنّ "المادة 41 من قانون العقوبات يقول لا جريمة إذا وقع الفعل استخدامًا للحق في تأديب الزوجة وتأديب الأبناء ومن في حكمهم"، مبينًا أنّ "القانون هنا اعتبر المرأة قاصرة وساواها في الصغار والقصارين وهو ما يعارض الدستور والشريعة".
يمكن تعديل القوانين النافذة لحماية الأطفال والنساء دون الحاجة إلى تشريعات جديدة لكن المعترضين يرفضون ذلك أيضًا
ويؤكد التميمي، أنّ "القاضي سيجد مشكلة في تطبيق هذه المادة ومعيار الوصول إلى أنّ ما بين يديه تأديب لا يعاقب عليه القانون أم تعنيف يوجب العقوبة"، فيما يقترح "تعديل هذه المادة بطريقة تتيح تبيان الحدود المسموحة من الممنوعة في التأديب"، مشيرًا إلى أنّ "تعديل القانون يتطلب قانونًا جديدًا يقر في مجلس النواب".
ويوضح التميمي، أنّ "قانون الأحوال الشخصية وقانون رعاية الأحداث أيضًا يحتاج لتعديل فيما يتعلق بالتفريق والطلاق والخلع والطلاق التعسفي"، مبينًا أنّ "قانون الأحوال الشخصية صدر عام 1959 وقانون العقوبات صدر عام 1969 وقانون رعاية الأحداث الذي يحمي الصغار صدر عام 1983، لهذا هذه القوانين تحتاج إلى لمسات جديدة من قبل البرلمان".
ويرى الخبير القانونيّ، أنّ "الحد من حوادث العنف لا يتطلب قانونًا جديدًا، بل تعديلات على القوانين النافذة تمنح الحماية للضحايا وتحصن الأسرة".
المناهض يرفض التعليق!
ويبدو أنّ الأطراف المناهضة لقانون "الحد من العنف الأسري" ترفض أيضًا دعوات تعديل القوانين النافذة كحل وسط.
ويقول القيادي البارز في حزب الفضيلة، الذي غير اسمه مؤخرًا إلى "النهج الوطني"، لـ "الترا عراق"، إن "هذه المواضيع تحتاج إلى شرح تفصيلي مطول".
وامتنع طعمة، من الإجابة بشكل مختصر حول اعتقاده ومدى موافقته على إجراء تعديلات على القوانين الحالية وخصوصًا فيما يتعلق بـ"حق التأديب" مقابل عدم تشريع قانون جديد للحد العنف الأسري.
"نشر الغسيل"!
وتواصل ناشطات ومنظمات معنية بحقوق الإنسان محاولات لتسليط الضوء على حوادث العنف التي تطال النساء والأطفال والتي يبقى معظمها طي الكتمان، إذ شهدت مدينة السليمانية شمالي البلاد، في تشرين الأول/أكتوبر، مشهدًا غير مألوف حين اغترق "حبل غسيل" بطول 5 آلاف متر يحمل ملابس نساء، قلب المدينة، مرورًا بأحد أهم الجسور والشوارع التجارية الرئيسية، في تحرك احتجاجي للنساء.
وقالت منظمة التحرك تارا عبد الله في تصريح حينها، إنّ "العمل يستهدف إحداث صدمة من نوعٍ ما لدى السكان، من أجل تسليط الضوء على قضايا تعنيف النساء التي لا تتوقف مراكز الشرطة عن تسجيلها بشكل شبه يومي"، مؤكدة أنّ "جميع الملابس التي شاهدها السكان تعود إلى 100 ألف سيدة تعرضن جميعهن للعنف".
اقرأ/ي أيضًا:
قصص تكشف لأول مرة.. ما أسباب انتشار ظاهرة اغتصاب الأطفال؟
من عنف العوائل إلى "شبكات الدعارة": فتيات في شباك منظّمات مجتمع مدني!