منذ أن بدأ التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بمعاركه في سوريا والعراق قبل أربع سنوات، بدأت التقارير تتحدث عن مئات الانتهاكات بحق المدنيين، إذ إن اختيار الجيش الأمريكي للتدخل من الجو، ودعم مجموعات عسكرية على الأرض، تسبب بارتكاب مجازر جماعية، ترقى حسب تقارير صدرت مؤخرًا عن منظمات حقوقية، إلى مجازر حرب. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة واشنطن بوست، تفاصيل اتهام منظمة العفو الدولية/أمنستي انترناشيونال، للولايات المتحدة الأمريكية بارتكاب هذه الانتهاكات، بل جرائم الحرب الموصوفة، ورد المؤسسة العسكرية في واشنطن الذي تحاول تبرأة ساحتها من الدماء الدامغة من خلاله.
صرح البنتاغون قبل أسبوع تقريبًا أن الجيش الأمريكي لن يستطيع تحديد عدد المدنيين الذين قُتلوا خلال المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية على وجه التحديد. ويأتي ذلك الاعتراف في خضم اتهامات منظمة العفو الدولية للولايات المتحدة وحلفائها بضلوعهم في قتل آلاف المدنيين بلا رحمة، خلال معركة استعادة مدينة الرقة السورية.
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا تتهم فيه الولايات المتحدة بالتسبب في مقتل مدنيين على نطاق واسع خلال الحملة العسكرية في درعا
وقال العقيد توماس فيل، رئيس مكتب الاتصالات العامة بقيادة عملية "العزم الصلب"، والمتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، إنه على الرغم من الجهود المضنية التي يبذلها الجيش الأمريكي لحصر أعداد الضحايا المدنيين، فلن يعرف أحد بالضبط عدد المدنيين الذين لقوا مصرعهم نتيجة للغارات الأمريكية منذ بدء الحرب عام 2014.
وقال فيل في إفادة موجزة للبنتاغون عبر اتصال فيديو من بغداد، إنه "وفيما يتعلق بمدى معرفتنا بعدد من قُتلوا من المدنيين، سأكون صريحًا معكم، لن يستطيع أحد أن يعرف أبدًا". وأضاف أن "أي شخص يزعم أنه يستطيع أن يعرف، فهو يكذب، إذ ليس ثمة طريقة ممكنة لذلك".
ووصف فيل موت المدنيين في الغارات الأمريكية بـ "المؤسف للغاية"، وبـ"جانب مُفزع ومُروع من الحرب" ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقال إن تلك الاستنتاجات تستند إلى أفضل الأدلة التي يمتلكها الجيش.
وتأتي تلك التصريحات في الوقت الذي يواجه فيه الجيش الأمريكي انتقادات جديدة تتعلق بالغارات الجوية التي تسببت في مصرع مدنيين في الحرب التي وصلت عامها الرابع حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: عبادة الموت الأمريكية.. نسخة ترامب من "خلافة" البغدادي
وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا تتهم فيه الولايات المتحدة بالتسبب في مقتل مدنيين على نطاق واسع خلال الحملة العسكرية التي استمرت لمدة أربعة أشهر، لاستعادة السيطرة على معقل تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، على الرغم من عرض القادة العسكريين لتلك العملية بوصفها نتاج استهداف دقيق وحذر.
وأفاد التقرير الذي يحمل عنوان "حرب الإبادة"، في إشارة للعبارة التي استخدمها جيم ماتيس، وزير الدفاع، أن الجيش الأمريكي وشركاءه اعتمدوا على الضربات الجوية، والقصف المدفعي في استعادة المدينة، مع العلم أن تلك التكتيكات قد تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين.
وذكرت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان في ملخص لتقريرها أن "هناك أدلة دامغة على أن القصف الجوي والمدفعي لقوات التحالف قد تسبب في مقتل وإصابة آلاف المدنيين، بما في ذلك الهجمات غير المتكافئة أو العشوائية التي انتهكت القانون الدولي الإنساني، والتي ترقى إلى كونها جرائم حرب مُحتملة".
واستند تقرير منظمة العفو الدولية على زيارة ميدانية استمرت لمدة أسبوعين، قام خلالها باحثون بالاطلاع على 42 موقعًا تعرض للقصف، وأجروا مقابلات مع 112 ناجيًا وشاهدًا على الأحداث. وقد وثق التقرير بشكل خاص قصص أربع عائلات من الرقة، من بينها عائلة رشا بدران، التي كُتب لها النجاة من القصف، والتي تقول إنها فقدت 39 فردًا من أبناء عائلتها في أربعة غارات جوية، أكد التقرير أنها شُنت من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
جاء في ملخص التقرير، أنه "بعد عدة محاولات للهرب، استطاعت بدران وزوجها الفرار، بعد أن فقدت عائلتها بالكامل، بما في ذلك طفلتها الوحيدة التي كانت تبلغ من العمر عامًا واحدًا فقط، وكان اسمها توليب، والتي واروا جسدها النحيل الثرى بالقرب من شجرة".
وفي معرض إفادته بالبنتاغون يوم الثلاثاء الماضي، قال فيل إن تقرير منظمة العفو الدولية أشار إلى المأساة الإنسانية للحرب التي جلبتها "منظمة إجرامية شريرة، أخضعت 7.7 مليون مواطن عراقي وسوري لحكمها الوحشي". وقال إنه بفضل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، حُرر هؤلاء الناس، وحُررت أوطانهم. متابعًا: "نحن نلتزم بعمليات استهداف شديدة الدقة، وضربات تهدف دائمًا إلى إلحاق أقل قدر ممكن من الضرر بالبنى المدنية وغير العسكرية".
منذ بدء التدخل لمحاربة داعش عام 2014، لجأ الجيش الأمريكي إلى العمل بشكل أساسي من خلال قوات بالوكالة على الأرض
وأشار فيل إلى إخفاق مُعدي ذلك التقرير في التحقق من السجل العام، أو الحصول على الحقائق من مصادرها المباشرة، أو استشارة الجيش في النتيجة النهائية التي توصلوا إليها. وقال إن اعتراضه الأساسي كان على التهمة الظاهرية بأن الولايات المتحدة قد انتهكت القانون الدولي.
وأضاف فيل "إنهم يحكمون علينا بأننا مذنبون حتى تثبت براءتنا حرفيًا"، واصفًا التقرير "بأنه خطوة علنية وقحة من منظمة أهملت التحقق من السجل العام، وأعرضت عن مراجعة واستشارة من توجه لهم الاتهامات".
ومنذ بدء التدخل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عام 2014، لجأ الجيش الأمريكي إلى العمل بشكل أساسي من خلال قوات بالوكالة على الأرض. وهو النهج الذي ساعد في تقليص عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية خلال الحرب، لكنه تطلب أيضًا اعتمادًا شديدًا بشكل خاص على القوة الجوية في تقديم الدعم للقوات التي تحارب بالوكالة على الأرض. وهو ما أسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين جراء تلك الغارات بشكل مضاعف مرات عما تسفره العمليات البرية الكلاسيكية.
اقرأ/ي أيضًا: 9 حقائق هامة ينبغي ألا ننساها عن الغزو الأمريكي للعراق
وتابع الجيش الأمريكي الخسائر في صفوف المدنيين خلال حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية. فقد صرح البنتاغون مؤخرًا أن الجيش الأمريكي قتل ما يناهز 500 مدني عام 2017 في جميع عملياته العسكرية، بما في ذلك العمليات التي نُفذت في العراق وسوريا. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد شنوا أكثر من 10 آلاف غارة جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك العام وحده.
غير أن منظمات حقوق الإنسان، وتقارير التحقيقات قد أثارت مرة تلو أخرى تساؤلات بشأن دقة الأرقام الصادرة عن البنتاغون، ورأى البعض أنه من المستحيل تقريبًا أن يموت عدد قليل جدًا من المدنيين في ظل ارتفاع عدد الغارات الجوية واتساع نطاقها التي ذكرها الجيش.
تسببت الولايات المتحدة وحلفاؤها في قتل 6 آلاف مدني بريء خلال الغارات الجوية التي شنّوها على سوريا والعراق عام 2017
وذكرت منظمة "إير وورز"، المعنية بتتبع مزاعم سقوط الضحايا، مستعينةً في ذلك بالمعلومات والأبحاث المتاحة للعامة، أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما قد تسببوا في قتل 6 آلاف مدني خلال الغارات الجوية التي شنّوها على سوريا والعراق عام 2017.
ووثق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي، كيف أن الغارة الجوية التي وصفها البنتاغون بأنها هجوم على منشأة لتصنيع السيارات المفخخة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الموصل، قد أسفرت في حقيقة الأمر عن تدمير منزلين، وأصابت المدنيين بداخلهما دون أضرار تذكر بحق تنظيم داعش الإرهابي.
اقرأ/ي أيضًا:
أين اختفت حركات مناهضة الحرب في الولايات المتحدة؟
انسحاب الضرورة لا السلام.. عن أكاذيب البروباغندا الأمريكية حول حرب فيتنام