تواصل تركيا شن غاراتها على إقليم كردستان شمال العراق بحجة محاربة حزب العمال المعروف بـ "PKK"، ودائمًا ما تستهدف مقرّات حكومية وسياحية كما حدث بالقصف الصاروخي منتصف العام الماضي في دهوك، والذي خلّف قتلى وجرحى بين المدنيين.
رأى محللون أنّ السليمانية لها علاقات وطيدة مع إيران الأمر الذي ولد صراعًا خفيًا وغير معلن بين طهران وأنقرة في كردستان العراق
وفي عمليات أنقرة الأخيرة، استهدفت طائرة مسيرة مطار السليمانية الدولي، يوم الجمعة الماضي، ما أسفر عن اندلاع حريق دون وقوع إصابات قرب المطار، وبحسب ما أعلنت الأجهزة الأمنية، في خطوة اعتبرتها أربيل "استهداف جديد لسيادة العراق".
ويأتي هذا الهجوم عقب توترات تصاعدت مؤخرًا، الأمر الذي دفع تركيا نحو إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من وإلى السليمانية بعد تصاعد نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني، حسب قولها.
إدانات عراقية
وسط نفي الحكومة التركية مسؤوليتها عن الهجوم الذي طال مطار السليمانية، وجهت السلطات العراقية أصابع الاتهام إلى أنقرة، حيث أعربت رئاسة الجمهورية في العراق، عن إدانتها الاعتداء على مطار السليمانية الدولي في إقليم كردستان، وطالبت الحكومة التركية بـ"تحمل المسؤولية وتقديم اعتذار رسمي".
وهددت الرئاسة العراقية بحسب بيان رسمي بالقول: "في حال تكرار هذه الاعتداءات سيكون هناك موقف حازم لمنع تكرارها مستقبلًا".
في هذه الأثناء، تداولت وسائل الإعلام، أنباءً تفيد بأن الضربة الجوية كانت تروم استهداف قائد قوات قسد الكردية السورية مظلوم عبدي، الذي كان متواجدًا في مطار السليمانية ويتوجه إلى مطار قامشلي في شمال سورية.
وأكد عبدي هذه الأنباء في بيان جاء فيه أن "موقف الاتحاد الوطني القومي المساند لأشقائه في سوريا يزعج تركيا"، مؤكدًا "استمرار العلاقات المبدئية مع الأشقاء والحلفاء في السليمانية"
وجاءت هذه التوترات بعد أيام قليلة من توقيع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مع رئيس وزراء كردستان، مسرور بارزاني، اتفاقًا على عودة تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، والذي كان قد توقف نتيجة كسب بغداد دعوى قضائية رفعتها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس بشأن قانونية تصدير النفط من الإقليم.
حلول الأزمة
يرى هلمت غريب، وهو محلل سياسي كردي، أنّ إيجاد الحلول للنزاع القائم بين تركيا وإقليم كردستان، "لا بد فيه من الرجوع إلى أصل المشكلة وهي التعامل مع عناصر حزب العمال الكردستاني بكل فصائله وتشكيلاته العسكرية والسياسية".
ويقول غريب لـ"ألترا عراق"، إنّ "طرد العناصر العسكرية في المناطق الحدودية بين الإقليم وتركيا هو الحل الأخير لوقف الصراع بين أربيل وأنقرة"، مبينًا أنّ "هذه المشكلة تحتاج إلى تدخل حكومة بغداد كون القانون الدولي والدستور العراقي ينص على ذلك".
ووصف غريب، الهجوم الأخير على مطار السليمانية بـ "الانتهاك السافر للسيادة"، مطالبًا بغداد "ببدء مفاوضات جدية مع الحكومة التركية، لكن هذا ليس معناها اتخاذ موقف الصمت تجاه تلك الانتهاكات سواءً من قِبل تركيا أو إيران".
ووفقًا لحديث المحلل الكردي، فإنّ الخطوة العملية لحل المشكلة تكمن في انتشار القوات العراقية على الشريط الحدودي وتشكيل غرفة التعاون والتنسيق المشترك، لحين الاتفاق بشكل نهائي حول الأزمة.
ومن المعروف أن العراق يرتبط بتركيا شمالًا عبر شريط حدودي يبلغ من الطول 367 كم يمر بمناطق جبلية وعرة ومرتفعات عديدة، ويعود تاريخ رسمها إلى العام 1926 وفقًا لمعاهدة أنقرة وبقرار من محكمة العدل الدولية في لاهاي.
أصل وأسباب الخلاف
محافظ السليمانية هفال أبو بكر، من جانبه دان الغارة التركية على مطار السليمانية، داعيًا في الوقت نفسه، جميع الأطراف السياسية إلى "إنهاء خلافاتها وعدم جعل كردستان ضحية لنزاعاتها".
ويقول دريد الناصر، وهو خبير سياسي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "العلاقات بين كردستان وتركيا ليست غير جيدة، كون حكومة أربيل برئاسة حزب بارزاني، لها اتصالات ممتازة مع حكومة أنقرة عكس الأحزاب في السليمانية والمقربة من (قسد)".
لكنّ تركيا، و ـ الكلام لناصر ـ، تعادي حزب الاتحاد الذي يدعم قوات قسد التي هي بدورها تدعم حزب العمال الموجود في سوريا والعراق، مؤكدًا أنّ "الهجوم الأخير على مطار السليمانية أوضح عمق الخلاف بين الديمقراطي والاتحاد بشأن التعامل مع تركيا".
ويضيف الناصر، قائلاً إن "السليمانية لها علاقات وطيدة مع إيران، الأمر الذي ولد صراعًا خفيًا وغير معلن بين طهران وأنقرة في كردستان العراق"، موضحًا أنّ "طهران تدعم بشكل غير مباشر قوات قسد عبر السليمانية وهذا ما ولد الخلاف المعلن بين تركيا وكردستان".
رأى مراقبون أنّ الهجوم الأخير على مطار السليمانية أوضح عمق الخلاف بين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني بشأن التعامل مع تركيا
وفي ظل الخلاف الكبير بين الحزبين في إقليم كردستان، أرسلت بغداد وفدًا رفيعًا برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي إلى السليمانية للوقوف على الحادث ومعرفة الأسباب التي تقف وراء الملف.