ألترا عراق ـ فريق التحرير
لا تنفك علامات الاستفهام تراود المهتم بالفن العراقي ولا سيما الأغنية، وهو يرى انتشار الأغنيّة العراقيّة الحديثة عربيًا، مقارنة بالأغنيّة السبعينية التي لم تحصل على هذا الرواج بالرغم من كونها توصف بأنها "أكثر أصالة وجودة".
حب العرب للهجة العراقية ساعد بشكل أساسي في انتشار الأغنية العراقية الحديثة
عدم الرضا الواضح على عشّاق الأغنية والذائقة الفنّية العراقية والمختصين، على عدد كبير من الأغاني العراقية الحديثة، يصطدم بمشاهدة هذه الأغاني التي تحقق حضورًا جيدًا لدى جماهير وشعوب عربيّة مشهورة بالفن والطرب كالشعب المصري، الأمر الذي قاد بعض الآراء للاعتراف بأنّ الأغنية العراقية لم تتوقف أو تنتهي عند اللون السبعيني، وأن هناك أنموذجًا غنائيًا جديدًا في العراق، تتخلله بالفعل أغانٍ جميلة لمطربين شباب.
الأغنية العراقية.. ليست عراقية
عصر جديد للأغنية العراقية بعد الأغنية السبعينية والتسعينية، وصف ربما لا يقبله الأكاديميون، الذين يرون أنّ الأغنية الحالية في العراق لا يمكن وصفها بأنها أغنية عراقية.
ع.ح، ملحن أكاديمي ومطرب، تحدّث لـ"ألترا عراق" مشترطًا عدم كشف اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته ومستقبله الفني، قائلًا إنّ "الأغنية الحديثة بدأت بحدود عام 2008 وعلى يد الملحن نصرت البدر، إلا أنه لا يمكن وصف هذه الأغنية بأنها أغنية عراقية أو عصر جديد للأغنية العراقية".
وأوضح أنّ "القطعات الموسيقية والألحان المستخدمة هي قطعات هجينة يتم شراؤها من عازفين معروفين في دول عديدة من بينها تركيا أو مصر ويتم إدخالها بمشروع الأغنية التي يستعدون لأصدارها"، مبينًا أنّ "هذه الإدخالات تعد عناصر قوة يتباهون بها أمام الوسط الفني، وهي من تحدد أسعار الأغنية المباعة إلى الفنانين، وهذا ما عمل عليه نصرت البدر بشكل كبير".
واعتبر أنّ "الأغنية العراقية هي الأغنية السبعينية وعلى هذه الأطوار يجب أن يتم العمل حاليًا بإدخال الحداثة، حينها يمكن وصفها بأنها أغنية عراقية لأنها حافظت على الهوية الموسيقية، وهذا ما يحدث حاليًا في مصر وتركيا وباقي البلدان"، مشيرًا إلى أنّ "الأغنية العراقية تتمثل بالأغنية البغدادية القديمة والفلكلور والأطوار الريفية وفنون المنطقة الغربية مثل السويحلي والميمر".
وبمزيد من الأجواء التي تحدث في صناعة الأغنية العراقية الحديثة، يوضح المختص أنّ "الشعراء يقومون ببيع نصوصهم إلى ملحنين وأصحاب أستوديوهات، وهم بدورهم يقومون بوضع ألحان وتوزيع هذه النصوص، ليأتي المطربين إلى هذه الأستوديوهات لشراء هذه الأغاني، أو يتم توقيع عقد مع الفنانين من قبل أصحاب الأستوديوهات والملحنين أو ما يمكن وصفها بشركات الإنتاج، ويعطون الأجور للمغنين فيما تكون عائدات الأغنية إلى الشركة المنتجة".
الإيقاعات الراقصة واللهجة العراقية ساعدتا بالانتشار عربيًا
وتتحكم أسماء الملحنين بأسعار الأغنية أيضًا، حيث أنّ اللحن الذي يقدمه علي صابر يكلف الفنان ربما 8 آلاف دولار، فيما نفس اللحن يقدمه نصرت البدر بألفي دولار، بحسب ع.ح، الذي أشار إلى أنّ "اسم علي صابر على الأغنية أصبح جواز عبور إلى الذائقة وضمانًا لأن تسمع الأغنية وتنتشر بقوة، لذا فأنّ العديد من الفنانين غالبًا يشترون الألحان بناء على اسم الملحن بغض النظر عن الفارق السعري والجودة".
ويرى أنّ أعمال علي صابر على سبيل المثال "استهلكت الموروث الجزائري والغربي بشكل كبير، لافتًا إلى أنّ "هذه الإدخالات الهجينة هي من صنعت ألحانًا غريبة قد ساعدت كثيرًا بالانتشار العراقي والعربي".
ومن العناصر الأخرى التي ساعدت بانتشار الأغنية العراقية عربيًا، هي اللهجة العراقية التي بدأ العرب يحبونها بشكل كبير وساعد على انتشارها الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتواصل الكبير بين الشعوب بمختلف المجالات، فضلًا عن "الإيقاعات العراقية المحببة للشعوب العربية الحديثة مثل إيقاعات الهيوة والربع، وتنوع الآلات الإيقاعية وشطارة مهندس الصوت، جميعها ساعدت بانتشار الأغنية الحديثة، خصوصًا وأن الأجيال العربية الحديثة هي راقصة وليست نغمية"، بحسب المختص.
الأموال تتحكم بالجودة
ويتفق الفنان مهند الأسدي مع الأكاديمي المختص، فيما يرى أنّ هنالك بعض الأغاني الجيدة حاليًا، رغم الإسفاف في الكلمات واللحن في معظم الأغاني.
ويشير الأسدي الذي سبق وأن فسخ عقدًا مع أحد الملحنين بعد ملاحظته أنّ "الكلمات والعمل المقدم له من المعيب أن يقوم بتأديته"، إلى أنّ "الأموال تتحكم حاليًا بجودة الأغنية، ففي السابق كان من الصعب أن يظهر مطربًا بسهولة أو يتم الموافقة على النصوص، أما الآن فهو سوق فني حر، توفر الأستوديوهات والملحنون أغانٍ لمن يود أن يغني بأسعار تبدأ من ألفي دولار وحتى 25 ألف دولار، حيث تتنوع الكلمات ومستوى الألحان والتوزيع الموسيقي بحسب القيمة المادية".
الانتشار لا يقتصر على الأغنية العراقية
لا يقتصر الانتشار عربيًا على الأغنية العراقية وحدها، ولعلّ أبرز الأمثلة انتشار الأغنية الشعبية المصرية "لعمر كمال وحسن شاكوش" في العراق وباقي الدول العربية، بالرغم مما تواجهه هذه الأغاني من سخط في مصر، الأمر الذي قد يعزز رأي المختص الأكاديمي ببحث الأجيال الحديثة عن "الإيقاع السريع واللحن الذي يبث المتعة".
الباحث والمهتم بتاريخ الأغنية العراقية عصام كشيش، يرى أنّ الانتشار لم يقتصر على الأغنية العراقية بالفعل، والذي ساهم بهذا الانتشار هو الانفتاح التكنولوجي والقنوات الكبيرة وموقع يوتيوب وهذه العوامل جميعها ساهمت بانتشار الأغنية العربية بشكل عام وليست العراقية فقط.
وبحسب كشيش، فأنّ "الخليجي أصبح يغني المصري والأخير الذي كان لا يغني سوى باللهجة المصرية، أصبح يغني الخليجي والعراقي والتونسي، والأخير يغني العراقي والمصري وهكذا، فيما يرى أنّ "السبب الآخر لانتشار الأغنية العراقية، هو المفردة العراقية وكان الفتح الأول بتعريب المفردة العراقية وجعلها مفردة عربية هو كاظم الساهر، الذي اختار مفردات من اللغة الثالثة وأغلب المطربين بعده نهجوا هذا النهج ووصلوا للعربية".
ويشير كشيش إلى أنّ "العرب ولسبب ما، يحبون اللهجة العراقية بشدة والشخصية العراقية كذلك، لذلك فأنّ هنالك جانبًا نفسيًا سابقًا لجانب المفردات والموسيقى ساهم بانتشار الأغنية العراقية عربيًا".