بعد أشهر من الانتظار، حسم مشروع قانون الموازنة، وأقرّت لثلاث سنوات مقبلة، كما أرادت الحكومة على الرغم من الموانع والمعرقلات التي حصلت طيلة الأشهر الماضية، فضلًا عن الخلافات التي شهدتها جلسات البرلمان على الموازنة، بدءًا من القراءة الأولى وحتى التصويت عليها.
تشير التقديرات إلى أنّ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي للعراق قد تقلص بنسبة 9%
والموازنة التي وصفت بـ"الأضخم" في تاريخ العراق، حيث بلغ الانفاق 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار)، أما العجز فقد وصل حدود 64 تريليون دينار، وهو مرتفع، إذا ما احتسب وفق آخر موازنة، أقرّت في العراق عام 2021، والتي بلغ العجز فيها 28 تريليون دينار.
تشاؤم النقد الدولي
في قبال التفاؤل الحكومي الذي نشر عبر بيانات وتغريدات، أبدى صندوق النقد الدولي تشاؤمه من مستقبل الاقتصاد العراقي، حيث أصدر تحذيرًا من ارتفاع التضخم والتقلّبات في سوق العملة الأجنبية.
وبدأت القصة عندما اجتمع عدد من خبراء الصندوق مع مسؤولين عراقيين في الأردن من 24 إلى 31 أيار/مايو الماضي، للتباحث حول التطورات الاقتصادية الأخيرة، والتوقعات، وكذلك خطط السياسة العامة لاقتصاد البلاد في الفترة المقبلة.
وبعد الاجتماع، أكد الخبراء في بيان مفصل أنّ "زخم نمو الاقتصاد العراقي شهد التباطؤ في الأشهر الأخيرة، بعد تعافي العراق في العام الماضي والوصول إلى وضع ما قبل جائحة كورونا".
ومن المقرر أن يتقلص إنتاج النفط بنسبة 5% في العام 2023 بسبب خفض إنتاج مجموعة (أوبك+) فضلًا عن توقف خط أنابيب نفط كركوك - جيهان التركي، إضافة إلى تقلبات سوق الصرف الأجنبي في البلاد عقب تشديد البنك المركزي العراقي الرقابة على مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بما أثر سلبًا على مبيعات العملات الأجنبية، بحسب البيان.
رأى خبراء أن الموازنة "غير واقعية" إذا ما قورنت بحجم الانفاق فيها على التعيينات والرواتب والعقود
وتشير التقديرات ـ وفق البيان ـ إلى أنّ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي للعراق قد تقلص بنسبة 9% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2022، مما يلغي النمو المتحقق في الفصول الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، متوقعًا أن "يستأنف الناتج المحلي الإجمالي نموه الحقيقي غير النفطي ويصل إلى 3.7% في العام الجاري".
بناء الموازنة الثلاثية
ويرى خبراء أنّ أصدار صندوق النقد الدولي للتحذير الأخير، جاء مقارنةً بحجم الانفاق على الوظائف والرواتب وبين ما حملته الموازنة من مصاريف محددة على الاستثمار.
وبالنسبة للباحث، حيدر سلمان، هناك عدة أسباب دفعت صندوق النقد الدولي لأصدار مثل هذا التحذير للعراق، ومنها "بناء الموازنة الثلاثية على سعر نفط بـ 70 دولارًا للبرميل الواحد بينما هو في حالة انخفاض وهذا قد يؤدي إلى ارتفاع العجز المالي فيها".
ويقول سلمان لـ"ألترا عراق"، إنّ "العجز المالي في الموازنة يعتبر ضخمًا، ومن المقترح أن يغطى بالمبالغ المالية المدورة من قانون الأمن الغذائي الذي أقر عام 2022 وأيضًا من فائض مبيعات النفط الذي كانت الحكومة تتوقع ارتفاعه أكثر من السعر الحالي".
وكان من الضروري أن تسلم الموازنة بقيمة 112 مليار دولار، بحسب سلمان الذي يستدرك: "لكن مرور نصف سنة من العام الحالي قد ينقذ الحكومة من الحرج".
ورأى سلمان أنّ "الموازنة تعتبر غير واقعية إذا ما قورنت بحجم الانفاق فيها على التعيينات والرواتب والعقود، بينما لم تحصل الموازنة الاستثمارية على الشيء المطلوب".
اختلال الميزان التجاري
وتحذر الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، من حصول خلل في الميزان التجاري العراقي، وذلك إذا "ما زاد حجم الاستهلاك والطلب على الاستيراد في ظل شبه انعدام في الإنتاج"، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع حجم التضخم تزامنًا مع تراجع أسعار النفط.
وتقول سميسم لـ"ألترا عراق"، إنّ "الموازنة العامة طالما كانت انفاقية بهذا الحجم، وفيها الكثير من التعيينات، فكل الموازنة ستذهب كرواتب لتلك التعيينات"، مبينة أنّ "ارتفاع حجم الانفاق على الرواتب، يعني حصول زيادة في الاستهلاك، وهذا سبب من أسباب التضخم".
وفي ظل اعتماد العراق على الاستيراد الخارجي لسد حاجة السوق، توضح الخبيرة الاقتصادية أن "زيادة الاستهلاك ستضع الحكومة في ضغط لتوفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنين، والتي أغلبها لا توجد في العراق بسبب الضعف في الجانب الإنتاجي".
ورأت سميسم أنّ "زيادة استيراد العراق للبضائع والسلع يعني ارتفاع حجم العجز في الميزان التجاري، وبالتالي أنّ الطلب على عملة الدولار مجددًا سيخفض قيمة الدينار العراقي، وبالتالي ارتفاع حجم التضخم".
ومن ضمن المخاوف التي تحدثت بها سميسم، قالت إنّ "الحكومة أقرت الموازنة بسعر النفط الحالي، أي ما يقارب 70 دولارًا للبرميل، مستدركةً "لكن أسعار النفط متذبذبة وتشير إلى الانخفاض، إضافة إلى خفض صادرات العراق من النفط".
وأكد العراق، التزامه بالتخفيض الطوعي لمستوى إنتاج النفط البالغ 211 ألف برميل يوميًا، الذي أقر من قبل أوبك+ في شهر نيسان/أبريل الماضي وتمديده إلى نهاية عام 2024.
دعم القطاع الخاص
وتدعي الحكومة العراقية، أنها تدعم القطاع الخاص بشكل مستمر، لكن خبراء يشكّكون في هذا الأمر، ويقولون إن لا وجود له على أرض الواقع.
ويقول الباحث الاقتصادي ضياء المحسن إنّ "موازنات العراق من بعد العام 2003، ولغاية هذه الموازنة الثلاثية الأخيرة التي أقرها مجلس النواب تؤكد وتركز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مستدركًا "لكن على الواقع لا توجد شراكة للقطاع الخاص في الحكومة".
وبحسب حديث المحسن لـ"ألترا عراق"، فإنّ القطاع الحكومي هو من يستحوذ على المجال الاقتصادي في البلاد، معللًا ذلك بأن "المصارف الحكومية الثلاثة تستحوذ على النسبة الأكبر من النصيب النقدي في البلاد مقابل عشرات المصارف الأهلية التي لها النصيب الأقل".
النصيب النقدي الأكبر في العراق يكون للمصارف الحكومية
وقال المحسن إنّ "الفوائد التي ستحصل إذا تم دعم القطاع الخاص هو عدم اضطرار الحكومة لتوظيف الآلاف من المواطنين، وهذا يعني انخفاض نسبة الموازنة التشغيلية والانفاق".