لم يكن أي أحد يعلم ماذا يجري عندما عمّت الفوضى في أرجاء البرلمان منتصف ليل السبت 10 حزيران/يونيو، خلال التصويت على المادة 14 من قانون الموازنة، والمتعلّقة بإقليم كردستان. إلا أنّ الاعتقاد الذي ساد لدى الجميع كتصوّر أولي، هو أنّ المادة الجدلية تم تمريرها رغمًا عن إرادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يمثل الحزب الحاكم في أربيل، خاصة بعد نشر العديد من المنصات المقربة للفصائل لهذا الأمر.
تراجعت اللجنة المالية عن الصيغ الصارمة التي وضعت في المادة 14 المتعلقة بإقليم كردستان
عزّز هذا التصور، ما تم تداوله في وسائل الإعلام المحلية، بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يعترض بعد تمرير المادة 14 وانسحاب نوابه من الجلسة، فضلًا عن مشاهد التصفيق لنواب البرلمان عقب التصويت على المادة بالمجمل وسط اعتراض وصراخ نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني.
هذا الأمر، استثمرته منصات مقربة من "الإطار التنسيقي" والفصائل، بكيل المديح لمن وصفوهم بـ"صقور ونمور" اللجنة المالية، ولاسيما النواب المقربين من الفصائل المسلّحة، حسين مؤنس ومصطفى جبار سند ويوسف الكلابي وكذلك عدي عواد، والترويج لـ"تحقيق انتصار" على إقليم كردستان وتحديدًا الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبر تمرير المادة 14
بقيادة الصقور السبعة البرلمان يعيد الإقليم لوضعه الطبيعي ويوجهون ضربة قاصمة للبارتي
ويغلقون باب من أبواب ضياع أموالنا
لحظة التصويت على المادة 14 من قانون الموازنة pic.twitter.com/LYXbxBehp7— Nora 🦋 (@nora19923410577) June 11, 2023
وكذلك استثمر هؤلاء النواب ذاتهم اللحظة، بتصويرها على أنها لحظة انتصار و"حفظ ثروات الشعب".
النائب حسين مؤنس معلقاً على تمرير المادة 14 من قانون الموازنة.. "حافظنا على ثروات شعبنا"https://t.co/9pQHtHxrSz pic.twitter.com/YooK7jfwLa
— قناة العهد (@ahadtv) June 10, 2023
لكنّ الحقيقة، هي أن نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني كانوا يصوتون جنبًا إلى جنب مع جميع أعضاء البرلمان على فقرات هذه المادة، ولم يحصل الاعتراض سوى في اللحظة الأخيرة وعلى مفردة واحد فقط، وهو ما يكشفه بوضوح التصوير الفيديوي أثناء حدوث الاعتراض بينما كان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يقرأ الفقرة الأخيرة، حيث بدأ اعتراض نواب الديمقراطي تحديدًا عندما ذكر مفردة "من ضمنها التمويل"، وكان اعتراض نواب "البارتي" تحديدًا على هذه المفردة.
وهذا ما أوضحه أيضًا عضو المالية النيابية يوسف الكلابي، حيث أكد أنّ نواب الديمقراطي اعترضوا على مفردة "تمويل"، ولكن باقي المواد تم التوصل إلى صيغة توافقية حولها.
وبالرغم من أن تصريح الكلابي وموقف الديمقراطي الكردستاني، يثبتان أن ما كان يجري مجملًا فيما يخص المادة 14 من قانون الموازنة لم يكن "رغمًا عن أنف الديمقراطي" على حد تعبيرهم، بل بصيغ جديدة تمامًا لا تتعلق بالتعديلات التي أجرتها المالية النيابية، والتي أثارت حفيظة أربيل على أعلى المستويات، وهددت بتفكك تحالف "إدارة الدولة".
واختار "ألترا عراق" المقارنة بين الصيغة النهائية للمادة 14 التي تم التصويت عليها، وبين صيغة تعديلات ومقترحات اللجنة المالية النيابية على المادة.
الفقرة أولًا من المادة 14 من قانون الموازنة
تظهر الفقرة أولًا من المادة 14 والمعدلة من قبل اللجنة المالية، إدخال جملة تفرض أن يكون الحساب المفتوح في البنك المركزي العراقي، على خلاف المادة المقترحة من الحكومة، والتي فرض فتح حساب مصرفي واحد لكن دون تحديد أين يفتح هذا الحساب وأبقت الخيار مفتوحًا، وكذلك عدلت اللجنة المالية على الفقرة بمنح صلاحية لرئيس الوزراء الاتحادي ووزير المالية الاتحادي بتخويل رئيس وزراء الإقليم بالصرف، على العكس من المادة الواردة من الحكومة التي لم تحصر الصلاحية بيد رئيس الوزراء ووزير المالية الاتحاديين، ونصّت على أن "يخول رئيس مجلس وزراء الإقليم بالصرف".
وكذلك فرض تعديل اللجنة المالية أن تكون رقابة الحساب المصرفي من قبل ديوان الرقابة المالية والحكومة الاتحادية، على عكس المادة الواردة من الحكومة التي جعلت مراقبة الحساب من قبل الحكومة الاتحادية فقط.
إلا أنّ "التشدد الواضح والصارم" في صيغة التعديل المقترح من اللجنة المالية النيابية، لا يوجد في الحقيقة في الصيغة النهائية للمادة التي تم التصويت عليها، وكما موضح أدناه:
حيث أنّ الصيغة النهائية للفقرة، بالرغم من إبقاء فتح الحساب المصرفي في البنك المركزي، إلا أنها احتوت على فقرة أخرى تضمن فتح حساب مصرفي آخر خاص بحكومة الإقليم، وكذلك إلغاء صلاحية رئيس الحكومة ووزير المالية الاتحاديين بتخويل رئيس وزراء الإقليم، وتمت العودة إلى الصيغة الحكومية الأصلية بجعل الأمر مفتوحًا بأنّ "يخول رئيس وزراء الإقليم أو من يخوله صلاحية الصرف من الحساب".
الفقرة ثانيًا وثالثًا ورابعًا من المادة 14
لم تتضمن الفقرة ثانيًا من المادة 14 تعديلات جوهرية سوى تقديم وتأخير، ولذلك لم تتغير أيضًا في الصيغة النهائية عن الصيغة المقترحة كتعديل من اللجنة المالية، ولم تتضمن أي فقرات خلافية، وكذلك المادة رابعًا، أما المادة ثالثًا، فتم تغيير الصيغة بشكل بسيط بإدراج مفردة "حسابين" بدلًا من حساب واحد، بناء على تغيير الفقرة الأولى من المادة بفتح حسابين؛ الأول في البنك المركزي لإيداع الإيرادات والآخر يفتحه الإقليم لغرض إيداع حصته المالية وسحبها.
الفقرة خامسًا من المادة 14
أما الفقرة خامسًا، المعنية بتشكيل لجنة من الطرفين لإجراء مراجعة شاملة للمدة السابقة، فتضمنت صيغة تعديل اللجنة المالية حذف عبارة الخروج برؤية "مقبولة من الطرفين وقابلة للتطبيق"، وجعلها فقط الخروج برؤية موافقة للدستور.
لكن في الصيغة النهائية، لم يحصل "ألترا عراق" على كامل النص لمعرفة كيف تمت صياغته، إلا أنه بكل الأحوال، فإن الديمقراطي الكردستاني صوت عليها ولم يبدي اعتراضه.
الفقرة سادسًا وسابعًا من المادة 14
لا تحتوي الفقرة سادسًا من المادة 14 على صيغ خلافية، ولم يتم إجراء أي تعديل عليها من اللجنة المالية أساسًا، لكن الفقرة السابعة جرى عليها تعديل.
حيث تضمن التعديل بإضافة فقرة جديدة بدلًا من الفقرة السابعة، وهي إلزام إقليم كردستان بتزويد وزارة المالية بالملاك الوظيفي للتشكيلات التابعة للإقليم وجميع أعداد وأسماء القوى العاملة، أما الفقرة السابعة الأصلية في النص الحكومي، فدفعتها اللجنة المالية إلى الفقرة ثامنًا، والتي لم يحتويها النص الحكومي الأصلي للموازنة حيث تنتهي بـ7 مواد فقط.
وأصبحت الفقرة ثامنًا في تعديل اللجنة المالية النيابية بدلًا من المادة سابعًا في النص الحكومي الأصلي، وجرى التعديل عليه بجعل المدة المطلوبة لحل أي خلافات بين الحكومة الاتحادية والإقليم 15 يومًا، بدلا من 30 يومًا الواردة في النص الحكومي الأصلي.
وكذلك فرض تعديل اللجنة المالية "عقوبة" قطع مستحقات الإقليم في حال لم يتوصل الطرفان إلى حل خلال الـ15 يومًا، على خلاف النص الحكومي الذي ترك الأمر مفتوحًا عبر رفع توصيات من اللجنة المشكلة لحل الخلاف إلى مجلس الوزراء "لأخذ القرار المناسب" وهي جملة لم تحدد عقوبة واضحة أو إجراء مباشر.
وبينما يبدو تعديل اللجنة المالية "قاسيًا" مرة أخرى وأكثر صرامةً، إلا أنّ النسخة النهائية أيضًا لم تتضمن هذه الصيغة، حيث تراجعت اللجنة المالية مجددًا عن "صيغتها الصارمة"، كما زعمت.
حيث حذفت الصيغة النهائية الفقرة السابعة التي اقترحتها اللجنة المالية، وعادت إلى الترتيب الحكومي الأصلي بجعل فقرة "حدوث خلاف بين الطرفين" إلى الفقرة السابعة وليس الثامنة، وأعادت مهلة حل الخلاف إلى 30 يومًا كما اقترحته الحكومة، وليس 15 يومًا كما أرادته اللجنة المالية، ورفعت صيغة "معاقبة" كردستان بقطع إرسال حصته المالية إذا لم يتم التوصل لحل بشأن أي خلاف يحدث، لكنها استبدلت "مجلس الوزراء بمجلس النواب" في صلاحية "أخذ القرار المناسب" عند انعدام الحلول.
المالية النيابية تضيف 5 مواد جديدة.. حذف منها 4 في الصيغة النهائية
واستطردت اللجنة المالية النيابية بإضافة الكثير من الفقرات على الصيغة الأصلية للمادة الواردة من الحكومة في الموازنة، فبينما تنتهي المادة الأصلية للحكومة بـ7 مواد، أضافت اللجنة المالية 5 فقرات لتصبح فقرات المادة 12 فقرة.
وتضمنت الفقرات إلزام حكومة الإقليم بإعطاء الأولية لصرف رواتب موظفيها، وكذلك الالتزام بصرف مستحقات المحافظات المنضوية ضمن الإقليم، وإلزام حكومة الإقليم بمنع استخراج النفط من حقول كركوك ونينوى، واشتراك الحكومة الاتحادية مع حكومة الإقليم بإدارة المنافذ الحدودية، وكذلك إلزام حكومة الإقليم بدفع مبالغ للموظفين بنسبة 10% من الراتب لإعادة رواتبهم المدخرة.
لكنّ الصيغة النهائية، تظهر حذف جميع هذه المواد، والإبقاء على مادة واحدة فقط، وهي "تلتزم حكومة الإقليم بإعطاء الأولية لصرف مستحقات رواتب الموظفين والمتقاعدين في الإقليم، وصرف مستحقات المحافظات ضمن الإقليم"، لكن تمت إضافة فقرة وهي "بخلاف ذلك على رئس الوزراء اتخاذ الإجراء اللازم لتنفيذ الفقرة بإعطاء أولوية الصرف للموظفين ودفع مستحقات المحافظات من بينها "التمويل"، وهي المفردة الوحيدة التي أثارت غضب واعتراض الديمقراطي الكردستاني، من بين جميع فقرات المادة 14 التي شارك الديمقراطي الكردستاني في التصويت على كل فقراتها "برضا" بعد التعديلات والتراجعات الكبيرة من قبل اللجنة المالية، وإلغاء تعديلاتها التي أدرجتها على المادة الأصلية.
والمقصود بمفردة "تمويل" التي تعد المفردة الوحيدة التي أثارت حفيظة الديمقراطي الكردستاني من ضمن جميع فقرات هذه المادة، هو أن يقوم رئيس الحكومة الاتحادية باستقطاع حصة محافظة السليمانية على سبيل المثال من حصة الإقليم، ودفعها بشكل مباشر إلى المحافظة بعيدًا عن سلطة رئيس حكومة الإقليم في أربيل، وهو ما اعتبره الديمقراطي الكردستاني محاولة "لتجزئة الإقليم" وسلب صلاحيات الحكومة في أربيل وجعل السليمانية تابعة للحكومة الاتحادية.
من هنا، يتضح بشكل كبير، أن الاحتفال الذي قامت به المنصات المقربة من الفصائل وكذلك أعضاء اللجنة المالية والبرلمان، لا يوازي بالحقيقة صيغة الفقرات في المادة 14 من قانون الموازنة، التي شهدت في صيغتها النهائية تراجعات وتنازلات لصالح الإقليم عن "الصيغ الصارمة" التي أدرجتها اللجنة المالية في بادئ الأمر على المادة.
وفعلًا، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني، في 12 حزيران/يونيو 2023، تثبيت مستحقات إقليم كردستان في الموازنة "بأفضل صيغة".