كواحدة من أعرق المدن وأعظمها، تشتهر الموصل بأسماء تشكل جزءًا من ذاكرتها وحاضرها، تحمله مطاعم ومقاه ومحال للأزياء والملابس، تحظى بثقة أبناء المدينة، واهتمام الزائرين والسائحين، عادت لتلمع من جديد من تحت أنقاض الإرهاب والفساد الذي سحق المدينة.
عادت محال ومطاعم الموصل الشهيرة تلمع من جديد بعد سنوات الإرهاب، لكنها تواجه اليوم منافسة من علامات عالمية مزورة
بنهاية الحرب، شهد الجانب الشرقي من مدينة الموصل، حملة واسعة دشنها سكان المدينة لإعمار ما دمر، وباشر الأهالي بفتح محالهم ومطاعهم ومقاهيهم، وإعادة ترميم منازلهم وأسواقهم بشكل لافت ومثير للإعجاب، ومن بينها تلك العلامات الشهيرة.
اقرأ/ي أيضًا: قصّة "الجنس" مقابل الغذاء.. شهادة حية من مخيمات النزوح في نينوى
لكن ما يلاحظ في المدينة، هو انتشار عشرات المحال التي تحمل علامات تجارية عالمية "مزورة"، لجذب الموصليين الخارجين من مرحلة التشدد والحصار، في حين تؤكد السلطات المحلية مراقبة تلك النشاطات وفرض عقوبات في حال تسجيل شكوى ضد تلك المحال.
ماكدونالدز وستاربكس.. لكن!
"الترا عراق" تجول بين شوارع الموصل رفقة بعض الشباب من طلبة الجامعات، اقتربنا من مطعم بلافتة كبيرة تحمل اسم ماكدونالدز، لكن صاحبه تلاعب قليلًا بالعلامة المعروفة بإضافة كلمة موصل إلى جانبها، ثم زرنا ستاربكس، لكنه لم يكن إلا مقهى عادي لشخص وضع اسمه تحت العلامة التجارية الشهيرة التي انتحلها.
أما على صعيد الأزياء والملابس، فمن الطبيعي أن ترى انتشارًا كبيرًا لعلامات عالمية كـ أديداس ونايك وغيرها، قد عرضت بشكل واضح في واجهات المحال التجارية، لكنها لا تحمل أي صلة بمنتجات تلك العلامات الشهيرة.
"نحن نعلم أن تلك العلامات ما هي إلا اسماء منتحلة تستخدم لغرض الترويج للبضائع"، علق أحد رفاق جولتنا، وهو طالب يدعى محمود عيسى، مضيفًا "ليس لدينا أية حيلة إلا شراؤها، فأسعارها عادة ما تكون رخيصة، وما يطبع عليها يجعلها مميزة، حتى وإن كانت ذات مناشئ رديئة، وكذلك الحال بالنسبة للمطاعم والمقاهي".
لا تنطلي تلك الحيلة، إلا على الفقراء من أبناء المدينة، كما يؤكد عيسى، لافتًا إلى أن "أغلب من يلجأ إلى تلك الحيل، يجهل عواقب ذلك، حيث قد تكلفه دعوة يتقدم بها أصحاب العلامة التجارية العالمية التي ينتحل صفتها، مستقبله".
حاولنا الحصول على تعقيب من بعض أصحاب محال التي ترفع تلك الشعارات وتعرض علامات تجارية عالمية مزورة، لكن من دون جدوى. فيما يقول التاجر أحمد قيس لـ "الترا عراق"، إن "البعض يذهب إلى تركيا للحصول على بضائع تطبع عليها اسم الماركة بسعر رخيص وبشكل غير قانوني، ثم يجني أرباحًا طائلة عبر بيعها بأسعار مرتفعة في الموصل".
يجني بعض التجار في الموصل أرباحًا طائلة عبر ملابس وأزياء تحمل أسماء علامات تجارية عالمية "مزورة" يتم استيرادها من تركيا
من جانبه يلقي الناشط المدني بندر العكيدي، اللوم على الحكومة المحلية. ويقول إن "الأمر يحتاج الى تحرك سريع لغرض إنهاء مظاهر الفوضى التي تنتشر في المدينة"، مؤكدًا لـ "الترا عراق"، أن أبناء المدينة يرغبون بمدينة مزدهرة نظامية، دون "استغلال غير شرعي".
"ماركات" الموصل
العلامات المزورة، أثرت بشكل كبير على المطاعم والمحال الشهيرة في الموصل، والتي تعد محطات مهمة يقصدها زائرو المدينة، و"ضيعت" تاريخ المدينة.
ومن بين تلك الاسماء الشهيرة على مستوى مطاعم الموصل، ذاع سيط قوزي السقال، شامل أبو القليلة، وخالد ابو الكص، أما على مستوى محال الملابس والأزياء فيتصدرها سعد حاج هاشم وغيره من الاسماء، التي لها تاريخ طويل في المدينة، ويعرفها حتى أولئك الذين لا ينحدرون من الموصل أو يسكنون فيها.
يقول الباحث في الشؤون الموصلية علي الطائي لـ "الترا عراق"، إن "محاولة الناس إحياء الموصل بعد نكبتها، كانت عظيمة ومحل فخر للجميع، إلا أن تضارب الاسماء وانتشارها ما هو إلا ردة فعل على السنوات التي عانى منها الموصليون من الإرهاب والحصار الذي فرضه عليهم تنظيم داعش لسنوات وعزلهم عن العالم الخارجي".
اقرأ/ي أيضًا: "الناركيلة" تغزو الموصل وتفرق بين الفتيات والشباب.. ظاهرة "الدخان" وأسبابها
يرى الطائي، أن انتشار الاسماء الوهمية "أربك الناس، فمنهم من صدق ومنهم من استهجن، وضاع في خضمها تاريخ الموصل المشهود له بالجودة والصناعة الاحترافية، المحلية والمستوردة"، مبينًا أن "محال الموصل الشهيرة، باتت مراكز ثانوية، في وقت يبحث فيه الشباب اليوم عن أنماط حياة جديدة دون الانتباه إلى أنها قد تكون مغلوطة".
تشهد المدينة فتح مراكز تسوق ومحال تحمل علامات مميزة، لكنها "ضاعت" بين أخرى مزورة تنتشر في شوارع الموصل
على الرغم من ذلك، فإن علامات تجارية مهمة فتحت فروعًا رسمية لها في مدينة الموصل، بحسب الطائي، لكنها "ضاعت" وسط العلامات التجارية المزورة، على حد وصفه، مشيرًا إلى أن من بينها "فرع جديد لـ فاملي مول المشهور في كردستان لازال قيد الإنشاء، وفانا الاسم الشهير في عالم الأثاث، فضلًا عن ديفاكتو للملابس وماكسي مول".
سجن ومليوني دينار
تهدد عقوبات بالسجن والإغلاق، فضلًا عن غرامات تصل حتى مليوني دينار، منتحلي العلامات التجارية الشهيرة، حيث قال قائممقام الموصل زهير الأعرجي، وهو المسؤول الأول عن لجان المتابعة المحلية لـ "الترا عراق"، إنه "أصدر أوامر بمراقبة المحال والمطاعم وتبليغها بالكشف عن الإجازات الرسمية التي خولت أصحابها فتح فروع للعلامات التجارية العالمية وغيرها".
أوضح الأعرجي، أن "اللجان تتكون من منتسبين في قائممقامية الموصل ودائرة الصحة"، مؤكدًا أن "الحملة لن تشمل المحال التي تنتحل صفة علامات عالمية فحسب، وإنما ستتعدى إلى المطاعم والمقاهي والمحال التجارية الأخرى، للتأكد من سلامتها، خصوصًا وانها كثيرة وتنتشر بسرعة في المدينة".
اقرأ/ي أيضًا:
من القلية إلى الدولمة.. أشهر 10 أكلات في الموصل
طريق الكحول إلى العراق.. تجارة تحكمها ميليشيات دينية وأحزاب سياسية