تتغيّر الفنون الشعبية في العراق من الشمال إلى الجنوب بسبب الحروب والثورات والتغييرات السياسية، فضلًا عن التقدم التكنولوجي، وهناك فنون شعبية بقيت حاضرة إلى الآن رغم تراجع انتشارها، مثل فن السامري و"العرضة" في العراق، والذي يشترك فيه مع دول أخرى من الخليج العربي.
لا يزال فن السامري موجودًا في جنوب العراق وفي حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة
ويشتهر فن السامري في السعودية، وبالتحديد في منطقة نجد، ويعتمد على الدفوف والطبول ويكون الإيقاع على وزن "تَك، دوم تك دوم، تَك، دوم تك دوم" وهكذا.. وفن السامري موجود في العراق منذ القرن التاسع عشر وتحديدًا في البصرة/ قضاء الزبير، ويقصد به الشعر النبطي الذي يتسامر به الساهرون ليلًا مع الإيقاع والأنين، وهو عبارة عن فرقة تتكون من عازفين دفوف وفنان، أو شاعر يلقي الشعر النبطي.
ولا يزال فن السامري مرغوبًا به في حفلات الزفاف والختان والمناسبات الخاصة في جنوب العراق، وبقى ينتقل من جيل إلى آخر رغم وجود الأغاني الحديثة والـDJ والراب والتحديثات التي حصلت على الأغاني.
ولا يمكن أن تحل الموسيقى والأغاني الموجودة اليوم مكان فن السامري وإحساسه لدى بعض الناس، لأنّ "في السامري يصبح شعور السعادة والحزن رقصًا وغناءً بعزف الدف وإلقاء الكلمات" وفقًا لرامي عبد الكريم، وفي جنوب العراق خاصة، تقام أيضًا حفلات السامري لشخص يعود من سفر بعيد.
ويقول عبد الكريم لـ"ألترا عراق"، إننا "توارثنا هذا الفن من أهلنا ولا زلنا نتمتع به بكل مناسباتنا وجلساتنا"،
مبينًا "وفي العراق ما زال هناك من يحافظ على هذا الفن، خاصة أصحاب البشرة السمراء في جلسات السهر الخاصة بهم التي تحدث كل يوم خميس في صحراء قضاء الزبير جنوب العراق".
وكثيرون من يسمعون ويحضرون فن السامري في جلسات خاصة وحفلات كبرى، لأنّ مزيج الإيقاع والكلمات هو من جعل هذا الفن من الفلكلور العربي موجود إلى يومنا هذا، فمن الناس من يستخدمه للترفيه عن نفسه وعن التعبير عما يشعر به في حياته، ومنهم من يستعيد ذكريات طفولته مع أهله.
ويقول سالم حسين (52 عامًا): "كان أبي من عشاق السامري، وكان كل ليلة في شبابه يقوم بعمل جلسة هو وأصدقائه في حديقة المنزل أو في منازل أصدقائه، رغم أعمالهم الشاقة في صيد السمك من البحر، إلا أنها كانت أجواءً لا تنسى رغم كل الظروف، مبينًا "كان هناك الكثير من الناس يأتون إلى الاستماع ويشتركون معهم لتفريغ طاقاتهم السلبية والتعبير بالفن".
وبالنسبة لحسين، فإنّ "فلكلور السامري ميراث ورثته من أهلي وأجدادي لا أستطيع التخلي عنه ولا أشعر بالراحة دونه، مبينًا "بالرغم من جائحة كورونا، إلا أنني مازلت انا واولادي واخواتي واخواني نعمل "جلسة سمر" نستعيد بها ذكرياتنا لأولادنا واحفادنا ونرثه لهم ليكملوا ما بدأه أجدادنا ليكون هذا الجزء من الفلكلور العربي حاضر في كل زمان.
وتتطوّر الموسيقى من جيل إلى آخر وتظهر الأنواع الجديدة من الفن، لكنّ المميّز منها، ما يبقى على الرغم من دخول الآلات الحديثة عليه، فعندما اكتشف فن السامري في العراق، لم تكن هناك آلات يمكنها أن تحل بديل الدف والطبل.
ويقول الفنان الشعبي البصري فايق الرحال لـ"ألترا عراق"، إنّ "بعض فنون الفلكلور شهدت تطورًا عبر إدخال بعض الآلات الجديدة مثل الأورك وغيرها، مشيرًا إلى أنّ "جمال الفلكلور يؤدى مثلما كان قديمًا، ولكن أدوات الحاضر أضافت لمسات على فن السامري والفنون الأخرى بوجود الإيقاعات الجاهزة على الآلات"، لكن الرحال لا يخفي تخوفه من انقراض هذا الفن يومًا "بسبب التغييرات في الفنون وما يطرح اليوم من موسيقى حديثة يسمعها الجميع حول العالم".
مراد نديم، من الأردن، يقول لـ"ألترا عراق"، إنني "
استمتع بالاستماع إلى هذا النوع من الموسيقى الشعبية القديمة، وفعلًا تجعلني أرقص ولكنني لا أفهم منها سوى الإيقاعات والطبول لأن بعض الكلمات فيها أحتاج إلى من يفسرها لي لأنها من عصر آخر غير عصري، ولا أعلم ماذا يغنون"، ويضرب نديم مثالًا عن الكلمات التي لا يفهمها:يا ونّةٍ ونّيتها من خوا الـراس
من لاهبٍ بالكبد مثل السعيرهْ
ونين من رجله غدت تقل مقواس
ويونّ تالي الليل يشكي الجبيرهْ
يقول نديم: "هذا ما يجعلني أفكر كثيرًا في بعض أغاني الفلكلور لأنها دائمًا تكون بلهجة صعبة أو من بلاد عربية أخرى غير بلدي".
ولا يقتصر فن السامري في العراق على مجالس الرجال فقط، وإنما حظي بمكانة كبرى بين النساء ويرقصن على إيقاعاته في شتى المناسبات.