في ليلة حافلة في العراق، حسمت القوى السياسية بشكل دراماتيكي، منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، في سياق لم تشهده البلاد منذ الإطاحة بالنظام الرئيس السابق صدام حسين في عام 2003، خاصة مع إقصاء حزب الدعوة الإسلامية بقيادة حيدر العبادي.
أعلن الرئيس العراقي الجديد برهم صالح رسميًا تكليف المرشح المستقل (مرشح التسوية) عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة المقبلة، ليخرج المنصب الأهم في العراق من عباءة حزب الدعوة
برهم صالح رئيسًا للعراق
وانتخب مجلس النواب العراقي، الثلاثاء 2 تشرين الأول/أكتوبر، بعد شد وجذب، برهم صالح المرشح عن الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي)، رئيسًا للجمهورية بـ219 صوتًا، بعد منافسة مع مرشح الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني فؤاد حسين، تطلبت التوجه إلى جولة ثانية شهدت انسحاب الأخير، بعد بيان ناري أدلى به بارزاني.
وقال بارزاني، في بيانه إن "ما يجري الآن لاختيار رئيس جمهورية العراق مخالف للأعراف المتبعة في انتخاب رئيس الجمهورية في الدورات السابقة، فكان ينبغي أن يتم اختيار مرشح كردي من أكبر كتلة أو أن تحسم الكتل الكردية الأمر"، مهددًا بـ"موقف قريب من الآلية" التي اتبعت لاختيار الرئيس.
وجاءت الآلية الجديدة التي تحدث عنها بارزاني، بعد أن فشل الحزبان الرئيسيان الكرديان، بالاتفاق كما جرت العادة منذ 2003 على مرشح واحد للرئاسة، إذ بدأت الجلسة الخاصة بانتخاب الرئيس بوجود 21 مرشحًا رسميًا، قبل أن ينسحب بعض المرشحين، ويطعن أربعة منهم بالجلسة بعد منعهم من دخول قاعة البرلمان.
قرأ/ي أيضًا: القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!
وانحصرت المنافسة بعد ذلك بين مرشحي الحزبين الكرديين، إلا أن بقية القوى السياسية رجحت كفة مرشح الاتحاد الوطني، ما أثار غضب قيادات في الديمقراطي الكردستاني، حيث وصف بعضهم ما جرى بـ"مكافأة قدمتها القوى الشيعية لمرشح الاتحاد الوطني بشقه التابع لـ (بافل طالباني)، على تسليمه كركوك للحكومة الاتحادية، العام الماضي"، معتبرين ما جرى "خيانة جديدة ارتكبها (اليكتي)".
وولد برهم أحمد صالح في مدينة السليمانية كبرى محافظات إقليم كردستان العراق في عام 1960. انضم في عام 1976 إلى صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، واعتقل من قبل نظام حزب البعث مرتين في عام 1979 بتهمة الانخراط في صفوف الحركة الوطنية الكردية، ليضطر بعدها إلى مغادرة العراق والاستقرار في بريطانيا.
وفي ثمانينات القرن الماضي أصبح عضوًا في تنظيمات أوروبا للاتحاد الوطني الكردستاني ومسؤولًا عن العلاقات الخارجية للاتحاد في العاصمة البريطانية لندن.
وأكمل صالح دراسته الجامعية في بريطانيا ليحصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية والإنشاءات من جامعة كارديف عام 1983، كما حصل على شهادة الدكتوراه في الإحصاء وتطبيقات الكومبيوتر في مجال الهندسة عام 1987 من جامعة ليفربول.
وفي عام 1992 انتخب عضوًا في قيادة الاتحاد الوطني في أول مؤتمر علني للحزب عقد في إقليم كردستان، ليكلف بعدها بإدارة مكتب علاقات الاتحاد الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي العام ذاته أصبح مسؤولًا للعلاقات الخارجية وممثلًا لأول حكومة في إقليم كردستان العراق في واشنطن.
تولى منصب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق للفترة من كانون الثاني/ يناير 2001 وحتى منتصف عام 2004، ومن ثم تولى بعدها منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية المؤقتة، كما عمل وزيرًا للتخطيط في الحكومة العراقية الانتقالية في عام 2005، وبعدها بعام واحد أصبح نائبًا لرئيس الوزراء في الحكومة العراقية.
عاد مرة أخرى في 2009 لشغل منصب رئيس حكومة إقليم كردستان حيث تولى منصبه لغاية عام 2011.
رشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية عام 2014، إلى جانب الرئيس الحالي فؤاد معصوم، لكنه لم يحصل على تأييد القوى الكردية في الإقليم، لينشق بعدها عن الاتحاد الوطني الكردستاني في 2016 ويؤسس حزب "تحالف من أجل الديمقراطية"، الذي فاز بمقعدين برلمانيين في الانتخابات الأخيرة.
عاد إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بعد انتخابات عام 2018، وترك حزبه الجديد، بعد حصوله على ضمانات من الاتحاد الوطني بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
عادل عبد المهدي رئيسًا للوزراء
وفي استمرار لسيناريو التحولات الدراماتيكية، أعلن رئيس الجمهورية الجديد برهم صالح رسميًا تكليف المرشح المستقل (مرشح التسوية) عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة المقبلة، ليخرج المنصب الأهم في العراق من عباءة حزب الدعوة بعد هيمنة شبه كاملة على المنصب منذ سقوط النظام السابق.
وجاء تكليف عبد المهدي، القيادي السابق في المجلس الأعلى الإسلامي، بعد نحو ساعتين من أداء برهم صالح لليمين الدستورية كرئيس للجمهورية، بحضور قادة في كتلة البناء التي يتزعمها هادي العامري ونوري المالكي وآخرين من تحالف سائرون الذي يتزعمه مقتدى الصدر، ودون تعيين للكتلة الأكبر في سابقة أولى لم يشهدها العراق منذ 2003.
جاء اختيار عبد المهدي كثمرة للتوافق بين القوى السياسية الشيعية في كل من كتلتي "البناء" و"الإصلاح" على اسمه كمرشح تسوية، بعد اصطدام رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بجدار المرجعية الدينية في النجف والمعارضة الإيرانية، في حين لم تحظ أي من الأسماء التي قدمها تحالف البناء المقرب من طهران بموافقة الجانب الأمريكي، ليتصدر عادل عبد المهدي المشهد، بعد توافق بين مقتدى الصدر والمبعوث الإيراني قاسم سليماني عليه.
وكان موقع "المونيتور" ، قد كشف في السادس والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، من خلال ما قال إنه مصدر لبناني رفض الكشف عن اسمه، إن هناك تفاهمات بين مقتدى الصدر وقاسم سليماني للدفع بعبد المهدي قد جرت في لبنان، وبحضور الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله.
وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، قد أعلن الثلاثاء 2 تشرين الأول/أكتوبر، رفضه لآلية اختيار رئيس الوزراء القادم، مؤكدًا أن الكتلة الأكبر هي من يجب أن تقدم رئيس الوزراء، لا أن يتم اختيار مرشح تسوية.
وعادل عبد المهدي هو سياسي عراقي، تبنى أفكارًا واتجاهات سياسية مختلفة، قبل أن يختار التوجه الإسلامي في العراق.
ولد عام 1942 في بغداد، وشغل والده منصبًا وزاريًا في عهد الملك فيصل الأول في عشرينات القرن الماضي.
قرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب
نال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بغداد عام 1963، ثم حصل على الماجستير في العلوم السياسة من المعهد الدولي للإدارة العامة بباريس عام 1970، كما نال الماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة بواتيه بفرنسا أيضًا عام 1972، ويجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى العربية.
انتمى عبد المهدي، إلى حزب البعث ثم إلى الشيوعية الماوية (أثناء وجوده في فرنسا) ثم انخرط في التيار الإسلامي الشيعي بعد الثورة الإيرانية. كان قياديًا في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وممثلًا له في كثير من المحافل.
التحق عادل عبد المهدي بحزب البعث في بداية شبابه عندما كان الحزب في سنوات تأسيسه الأولى، وكانت له صلة معروفة بالرئيس العراقي صدام حسين، وتأثر بالأفكار القومية العربية والاشتراكية، لكنه ترك حزب البعث عام 1963، وتعرض للسجن وحُكم عليه بالإعدام في ستينات القرن الماضي.
عمل منذ بداية الثمانينات مع محمد باقر الحكيم والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي كان قياديًا فيه ومثله في العديد من الدول والمناسبات.
عاد عبد المهدي إلى العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين، وصار عضوًا مناوبًا عن عبد العزيز الحكيم في مجلس الحكم في مرحلة "سلطة الإدارة المدنية"، ثم شغل منصب وزير المالية في حكومة إياد علاوي عام 2004 ممثلًا عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وشارك مع الإدارة الأمريكية في المفاوضات الخاصة بشطب الديون الخارجية العراقية، وأقنع عددًا من المانحين الدوليين بإسقاط جزء كبير منها.
جاء اختيار عبد المهدي كثمرة للتوافق بين القوى السياسية الشيعية في كل من كتلتي "البناء" و"الإصلاح" على اسمه كمرشح تسوية
وأصبح أحد نائبَي الرئيس العراقي عام 2005، بعد أن كان مرشحًا أساسيًا لمنصب رئيس الوزراء قبل أن يتنازل لصالح إبراهيم الجعفري، مساهمًا في صياغة الدستور العراقي الجديد، وشغل وزارة النفط كآخر منصب تولاه، حيث استقال من المنصب في آذار/ مارس 2016.
ردود الأفعال
توالت ردود الأفعال الخارجية والداخلية بعد تحولات "الليلة الكبرى"، حيث قدمت الأطراف الدولية والإقليمية متمثلة بالأمم المتحدة والولايات المتحدة وإيران والكويت التهنئة بنجاح انتخاب برهم صالح رئيسًا للعراق.
بينما طالب سياسيون عراقيون من جانبهم، مرشح رئاسة الحكومة عادل عبد المهدي، بـ"تشكيل كابينة حكومية جديدة تتمتع بالكفاءة والقوة، وفق توصيات المرجع الديني علي السيستاني".
وعلى الصعيد العراقي، لاقى اختيار عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة ترحيبًا في بعض أوساط العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر عدد من الناشطين والصحافيين عن أملهم بنجاح عادل عبد المهدي بقيادة البلاد بطريقة مختلفة عن نهج حزب الدعوة، بينما كان آخرون أقل تفاؤلًا.
وتعاني البلاد من أزمات كبيرة، تتمثل بانعدام الخدمات وأبرزها المياه الصالحة للشرب، في ظل أزمة جفاف قد تواجهها بعد انحسار مياه نهري دجلة والفرات، وزحف اللسان الملحي على شط العرب، حيث أصيب نحو 100 ألف شخص بالتسمم في البصرة.
وتأتي أزمات الأمن والبطالة، في واجهة المشاكل التي تواجهها البلاد، حيث شهدت مدن البصرة وبغداد، حالات اغتيال طالت ناشطين ومشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين يعاني آلاف الشباب من الخريجين من عدم توفر وظائف لهم، في ظل ترهل في مؤسسات الدولة.
قرأ/ي أيضًا:
ردود فعل إيران بعد العقوبات الأمريكية.. هل ستدفع العراق الثمن؟
الديوانية تخرج عن صمتها.. فقراء العراق في قلب الحركة الاحتجاجية