تُشبهْ المساحات الخضراء والحدائق العامة بـ"رئة المدينة"، وهو وصف مجازي لتأثير "التشجير" على جو المدن والمناطق السكنية عن طريق ما يعرف بـ"النتح" ما يساعد على تلطيف المناخ وزيادة نسبة الأوكسجين، وعلى عكس الوصف المجازي؛ فأن مدينة الصدر كبرى مناطق بغداد سكانًا تختنق "حقيقة" لا مجازًا وفقًا لتعبير عدد من سكانها جرّاء افتقارها للتشجير والمساحات الخضراء.
في جولة صحفية لـ"ألترا عراق"، عن عمليات التشجير والحدائق في المدينة، وجد أن عدد من القطاعات تخلو تمامًا من أية أشجار وحدائق، سواء في الأماكن العامة والساحات أو في الأزقة والمنازل
من السماء؛ تتطرف مدينة الصدر العاصمة من شرقها بمساحة تقرب من 13 كم2، ولناظريها من نوافذ الطائرات جوًا تبدو ككتلة واحدة بألوان رمادية ورصاصية، ولا يُرى نهرُ ولا بحيرة ولا مساحة خضراء، كما لا بنايات بالوان زاهية غير "الأسمنتي". على الأرض؛ تزدحم المدينة باربعة ملايين و500 الف نسمة، موزعون على 79 قطاعًا، مساحة القطاع الواحد نحو 25010م2، يسكنه قرابة 70 ألف نسمة، ما يجعلها المدينة الأكثر كثافة سكانية في العراق.
اقرأ/ي أيضًا: حي المعامل في بغداد.. نفايات الفساد تأكل وجه الحياة
في جولة صحفية لـ"ألترا عراق"، عن عمليات التشجير والحدائق في المدينة، وجد أن عدد من القطاعات تخلو تمامًا من أية أشجار وحدائق، سواء في الأماكن العامة والساحات أو في الأزقة والمنازل، ويعود ذلك إلى الإهمال الحكومي أولًا، إضافة إلى انعدام الوعي البيئي وعدم إدراك الجهات المعنية والأهالي بأهمية التأثيرات الصحية والجمالية للتشجير، وفقًا لتعبير مصطفى السويعدي.
منازل وأزقة ضيقة
يؤكد السويعدي لـ"ألترا عراق"، أنه "نادرًا ما تجد في المدينة منزلًا يهتم بزراعة الأشجار والشتلات ذلك بسبب صغر حجم البيوت، كذلك أن غالبية المنازل بلا باحات خارجية ولصغر حجم الأفرع والأزقة.. الجو هنا ملوث وتكاد تشعر بالفرق عندما تخرج إلى أي منطقة أخرى خارج المدينة".
يعرف عن المدينة صغر مساحة منازلها، يبلغ متوسط مساحة المنزل الواحد نحو 120م يزيد أو يقل ببضع أمتار، فيما توجد بيوت بـ75 مترًا يسكنها أحيانًا أكثر من 10 أشخاص، وبنيت غالبية المنازل بطابقين أو ثلاثة، كما تعرف بأزقتها وأفرعها الضيقة وهو ما يعدم توفر مساحات كافية للتشجير.
تبدو الساحات العامة والجزرات الوسطية "شبه" فارغة من التشجير خاصة في القطاعات التي تقع في الجزء الشرقي من المدينة، ما خلا مساحات فقيرة جرى زراعتها في السنوات الماضية تعرضت بعدها إلى الإهمال.
ويرى علي المياحي، وهو من سكنة قطاع 62 أن "محاولات الجهات المختصة في التشجير فشلت لأن الحدائق تحتاج إلى إدامة وسقي باستمرار، كذلك أن كثرة التجاوزات على الأماكن العامة والساحات حال دون تشجيرها".
يضيف المياحي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنه "بإمكان الأهالي تشجير بيوتهم حتى لو كانت صغيرة، يمكن استغلال الجدران وأسطح المنازل كما نلاحظ في الحارات والمنازل السورية، لكن قلة الوعي والثقافة وعدم معرفة الناس بأهمية ذلك"، بالإضافة إلى أن الناس هناك أغلبهم من الفقراء الذين ينشغلون بالعمل من الصباح إلى المساء.
دخان في كل مكان
وعوضًا عن انعدام التشجير والمساحات الخضراء؛ فأن ملوثات أخرى تتزاحم على تلويث هواء المدينة؛ ففي القطاع الواحد تتوفر 7 إلى 10 مطاعم وكافتيرات، وحوالي 10 إلى 15 مولدًا كهربائيًا (أهلي)، بالإضافة إلى نحو 7 إلى 10 أفران صمّون، يضاف إليها محلات الحدادة والمقاهي ودخان المطابخ المنزلية.
وحول تلوث الجو يؤكد الخبير البيئي محمد الغزي: "كل هواء مدينة الصدر ملوث، مبينًا أن "الناس هنا تعودوا على ذلك وتعايشوا مع الوضع ولم يدركوا خطورته، ودونما أية التفات من الجهات الحكومية والصحية، الأمر خطير إن بقي على حاله، فالمستشفيات ملأى بالمرضى المصابون نتيجة تلوث الهواء".
أضاف الخبير في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "الغازات السامة وبعض أنواع الملوثات لا يشعر بها مستنشقها ولا تتسبب بأي تهيج مثل أول أكسيد الكربون الذي يصدر عن احتراق الفحم وعوادم السيارات ودخان المطابخ، لكنه يتسبب بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي".
وينصح الخبير بـ"تربية أشجار الظل داخل المنازل والغرف. ذلك يساعد على ترطيب وتلطيف الجو ويعطي هواءً نقيا ويخفف من سمية الملوثات والدخان"، كما يدعو الخبير الأهالي إلى "تنظيم وقفات احتجاجية للضغط على الجهات المعنية وأمانة بغداد بغية توسعة المناطق الخضراء وتشجير الأماكن العامة".
دعوة لوقف حرق القمامة
وجه عدد من الأهالي مناشدات إلى الحكومة وبلدية المدينة مطالبين بمحاسبة كل من يحرق القمامة أمام المنازل والساحات العامة، فيما اشتكى أبو محمد عبر "ألترا عراق" من سحب دخانية تغطي السماء في مساء كل يوم نتيجة حرق عشرات الأطنان من القمامة من جهة السدة وقرب شارع الفلاح".
اقرأ/ي أيضًا: